أسئلة كثيرا ما تبحث عن إجابات شافية في ظل مجتمع أصابه الرده حول مكتسبات وحقوق المرأة والتعامل معها كعضو فاعل في المجتمع دون النظر إلى كونها أنثي أو ناقصة عقل أو دين. فلم يكن أبدا يُقصد بناقصات عقل هو قلة إدراك أو ذكاء المرأة على الإطلاق بل هو غلبة الطابع العاطفي على العقل، كما لم يكن نقص الدين عيبا أو شائبة تشوبها بل كان لسقوط التكليفات الشرعية عنها كإفطار الحائض. وللأسف أصبح طبقة لا يستهان بها تكتفي بالنظر إلى الجزء السفلي من جسد المرأة دون المرور بعقلها وقلبها وكينونتها، فصار الاغتصاب وهتك العرض والتحرش ومواقعة الأنثي بأبشع الطرق وأقذر الوسائل أمرا شبه يومي وكأن الشقاء كتب على جبين المرأة منذ ولادتها. وما هو أسوأ من ذلك أن مثل هذه الانتهاكات لم تعد تقتصر فقط على الشارع أو الأماكن العامة والمواصلات بل وصلت إلى العمل والمدرسة وفي المنزل، وتحولت الأنثي لكائن مطارد من كل الجهات وعليها أن تكون دائما على أهبة الاستعداد للوقوف في وجه هذا الطاعون الذي انتشر وتشبع داخل المجتمع بكل طبقاته ومستوياته. ومن هنا جاء طرح عدة أسئلة وهي: هل يعود حزام العفة لحماية النساء من الاغتصاب وهتك العرض؟ وهل قانون التحرش يعجز عن ردع كل مغتصب ومتحرش؟ وهل وصل الحال بمجتمعاتنا إلى حالة من انعدام القيم والأخلاق ليكون الحزام هو الحل؟ وهل استخدام حزام العفة حماية للمرأة أم انعدام ثقة تجاهها؟ ومن يحتفظ بمفتاح الحزام؟. فالأم تسلم ابنتها إلى عشيقها كقربان والأب يغتصب فتاته ويقدم زوجته للمتعة مع آخر ويقيم حفلات تبادل الزوجات والاخ يهتك عرض أخته وتحمل منه سفاحا. وحزام العفة أداة تصنع من الجلد أو الحديد تستخدم لمنع حدوث اللقاء الجنسي، وهو عبارة عن طوق له قفل يلتف حول خصر المرأة فيغلق منطقة الحوض عند المرأة باستثناء فتحات ضيقة لقضاء الحاجة. وكانت الملكة الآشورية سميراميس عام 900 ق.م هي أول من اخترع حزام العفة لمنع انتشار الفاحشة في بلادها. وكانت نساء الإغريق يرتدين حزام العفة، وكانت أفروديت آلهة الجمال عند اليونان تستخدمه وتعيره لصديقاتها المقربات حيث أعارته ذات مرة للآلهة هيرا زوجة كبير الإله زيوس ليعينهم في الحرب وكانوا يطلقون عليه حزام فينوس المرصع بالأحجار الكريمة. وفي عام 2000 قام مواطن بلجيكي بإلباس زوجته حزامًا حديديًا لمنعها من خيانته ولكن الشرطة البلجيكية ألقت القبض عليه. كما قام شرطي صيني بتطوير الفكرة القديمة للحزام حيث ذكرت وكالة الأنباء الألمانية أن شرطيًا صينيًا من دعاة حماية الأخلاق طور حزام العفة الذي كان معروفًا في القرون الوسطى إلى سروال للعفة وبأسلوب عصري ويمكن فتحه وغلقه إلكترونيا بكلمة السر". وكان عادل العلمي، رئيس حزب تونس الزيتونة بتونس طالب النساء والفتيات التونسيات اللائى يقمن بمفردهن أو بعيدًا عن محارمهن إلى استخدام ما يسمى ب"حزام العفّة"، مطالبا السلطات التونسية بتوفير هذا المنتج بأثمان زهيدة بدلًا من وسائل منع الحمل لتقليص مظاهر العهر التي انتشرت في أوساط التونسيات مثلما قال العلمي، مطالبا بأن يحتفظ الزوج أو الأب بمفتاح "الحزام" معه، صونا لشرف الأسرة من الانحراف الأخلاقي. ولكن لم يكن طرحنا لحزام العفة من باب التقليل من شأن المرأة أو باعتبارها جسدا علينا إخفاؤه أو خوفا منها، بل كان التساؤل هل فقدنا كل البدائل لحماية الأنثي من التحرش أو الاغتصاب وهتك العرض وأصبح حزام العفة المنقذ لشرف الفتاة وحمايتها من مجتمع أصاب معظمة الحيوانية ونهش أعراض فتياتنا؟. فيقول الدكتور مصطفى الديب، خبير الطب النفسي للبوابة نيوز، إن العفة سلوك وليس حزاما، وهو معتقد والتزام من جانب كل أفراد المجتمع، فالتحرش أو حتى الاغتصاب مفهوم نفسي والفتاة تستطيع أن تدرك النظرة غير السوية، مؤكدا أن الخلل لم يعد يقتصر فقط على المجتمع فهناك مستوى من التلوث البصري غير المنضبط، بالإضافة إلى نماذج وتقاليد ومحاكاة أفسدت منظومة دوافعنا ومهارتنا في التعبير الإيجابي عن غرائزنا، وبالتالي فإن المجتمع بأكمله يحتاج إلى عفة النفس والروح والجسد ومن الخطأ استخدام مصطلح حزام العفة أو التفكير به كحل للحفاظ على فتياتنا ونسائنا. وأضاف الديب أن تفكيرنا يجب أن ينصب في التقويم وفي الردع والمنع والحماية وليس في تقليل شأن الأنثي أو اعتبارها قائما بفعل فاضح رغم أنها الضحية وعلينا التفرقة بين الجاني والمجني عليه. ويؤكد الدكتور محمد سلطان، خبير التنمية البشرية، أن طرح فكرة حزام العفة لن تكون أبدا حماية للمرأة بل قد تزيد في انتشار التحرش والاغتصاب، كما أن ذلك ينصب في الأساس في عدم الثقة في الأنثى، وليس عدم الثقة في المجتمع مما يصيب المجتمع بحالة من عدم الاتزان. وأضاف أننا في حالة يرثى لها من البطالة والفقر وغياب الرموز والقدوة والبعد عن أخلاقيات وتعاليم ديننا الحنيف، مطالبا بإعادة تأهيل المجتمع تربويا ونفسيا ودينيا وهنا يكمن دور المدرسة والجامعة والتليفزيون والسينما ودور العبادة، كما أن للأسرة دور مهم في التربية القويمة والمتابعة للأبناء خلال مراحل نموهم المختلفة حتى لا ننجب لمجتمعاتنا متحرشين أو مغتصبين. وهنا تظل الأطروحة ويظل السؤال: كيف تحمي المرأة نفسها وكيف تصون عرضها؟ ومن الجاني في حقها هل هو المجتمع بأسره والأسرة الكبيرة أم الأسرة الصغيرة أم معلمونا أم قوانين مجحفة لا تعترف بإنصاف الأنثى؟