في تتويج للدعم الدولي الصريح الذي يرفض محاولات تصفية قضية اللاجئين، والرفض الدولي لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية، وجهت الجمعية العامة للأمم المتحدة صفعة قوية للضغوط الممارسة على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، حيث صوتت بأغلبية كاسحة لصالح تجديد ولايتها لثلاث سنوات إضافية. هذا التفويض لم يكن مجرد إجراء روتيني، بل هو تصويت سياسي حاسم؛ فقد حصد القرار تأييداً تاريخياً من 151 دولة عضو، ليؤكد بذلك الإجماع العالمي على أن الوكالة هي العمود الفقري للاستجابة الإنسانية لنحو 5.9 مليون لاجئ، وأن دورها لا يمكن الاستغناء عنه. رسالة المجتمع الدولي واضحة، في ظل غياب أي حل سياسي عادل، تظل الأونروا هي الشاهد الدولي على قضية اللاجئين، وصمام الأمان الإنساني الذي يحول دون تفاقم الأوضاع، خاصة في المناطق الأكثر احتقاناً كقطاع غزة الذي يواجه كارثة غير مسبوقة. مصر عن تجديد "الأونروا": يعكس التزام المجتمع الدولي تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين وفي أول تعليق على القرار، رحبت مصر بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لمدة 3 سنوات، وذلك بتأييد واسع من 151 دولة عضوا، واعتبرت أن هذا الدعم الدولي يعكس التزام المجتمع الدولي تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في حياة كريمة إلى حين التوصل إلى حل عادل ودائم لقضيتهم. وعبرت الخارجية المصرية عن الكامل للأونروا ولدورها الإنساني، مشددة على أن دور الوكالة لا غنى عنه ولا يمكن الاستغناء عنه في المرحلة الراهنة، لافتة إلى أهمية استمرار الجهود الدولية لتوفير الخدمات الأساسية لملايين اللاجئين الفلسطينيين، كما شددت على ضرورة استمرار وجود الأونروا يرتبط بشكل وثيق بمسؤوليات المجتمع الدولي تجاه اللاجئين وحماية حقوقهم السياسية والإنسانية وفق قرارات الشرعية الدولية. ودعت مصر المجتمع الدولي إلى البناء على هذا الزخم وتعزيز جهود التمويل المستدام للوكالة، بما يضمن استمرار خدماتها الحيوية، ويسهم في حماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين ويعزز فرص تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة. "الأونروا".. سبعة عقود في خدمة الإنسانية وعلى مدار سبعة عقود من الزمان منذ تأسيسها في 8 ديسمبر 1949 عكفت "الأونروا" على تقديم كل وسائل الدعم والخدمات الحيوية للاجئين الفلسطينيين، وفي السنوات الأخيرة كرست جهودها لدعم قطاع التعليم والرعاية الصحية والإغاثة الطارئة، وذلك عبر مناطق عملياتها الخمس "الأردن، لبنان، سوريا، غزة، والضفة الغربية". وبالنظر إلى لغة الأرقام فقد دعمت الأونروا التعليم في مناطق عملها حيث استحوذ على 58٪ من ميزانيتها اعتبارًا من عام 2019، حيث تقدم الوكالة التعليم الأساسي للاجئين الفلسطينيين لمساعدتهم على تطوير المعرفة والمهارات اللازمة لسبل العيش. أما عن الرعاية الصحية فإن الوكالة توفر خدمات الصحة الأولية، بما في ذلك رعاية الأمومة والطفولة، وتنظيم الأسرة، والتحصين ضد الأمراض، لمساعدة اللاجئين على التمتع بحياة صحية، جنبًا إلى جنب مع الإغاثة والخدمات الاجتماعية، والتي تشمل توفير المساعدة النقدية الطارئة لدعم الأسر الأكثر ضعفاً، خاصة في أوقات الأزمات والصراعات، فضلاً عن تحسين البنية التحتية للمخيمات وتوفير خدمات المياه والصرف الصحي. كما دعمت "الأونروا" الفلسطينيين عبر الاستجابة لحالات الطوارئ، حيث لعبت الأونروا دوراً حاسماً في الاستجابة للأزمات الإنسانية، لا سيما في قطاع غزةوسوريا، من خلال توفير المساعدات الغذائية والمأوى والخدمات الأساسية الأخرى للنازحين والمتضررين من النزاع، فضلا عن الحماية والتمويل الصغير حيث تعمل الوكالة أيضاً على توفير فرص مستدامة لإدرار الدخل من خلال برامج التمويل الصغير، بالإضافة إلى جهود الحماية لضمان تمتع اللاجئين بحقوقهم الإنسانية. 1949.. "الأونروا".. البداية استجابة للكارثة تُعد وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "الأونروا" واحدة من أكثر المنظمات الإنسانية استدامة وتعقيدًا في التاريخ المعاصر. لم تكن الأونروا مجرد مزود للغذاء والمأوى، بل تحولت إلى رمز لوجود وهُوية ملايين اللاجئين الفلسطينيين، وشاهد على تطور قضيتهم. البداية.. ولدت وكالة الأونروا الأونروا استجابة للكارثة الإنسانية في 8 ديسمبر 1949 بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302، الذي أتى كاستجابة دولية فورية للكارثة التي خلفتها حرب 1948، والمعروفة ب "النكبة". كان التفويض الأولي للوكالة، التي بدأت عملياتها فعليًا في مايو 1950، يقتصر على تقديم "برامج الإغاثة المباشرة وبرامج التشغيل" لحوالي 750,000 لاجئ فلسطيني نزحوا قسراً من ديارهم. هذا التأسيس، الذي كان يُنظر إليه على أنه مؤقت، وضع الأونروا على مسار لم يكن أحد يتوقع أن يمتد لأكثر من سبعة عقود. الخمسينيات.. من الطواري إلى التنمية البشرية والتعليم بعد سنوات قليلة من التركيز على الإغاثة الطارئة، أدركت الأونروا أن مهمتها لن تكون مؤقتة كما كان مُتوقعاً. دفع هذا الإدراك الوكالة إلى تحول نوعي استراتيجي في أواخر الخمسينات؛ حيث بدأت تولي اهتماماً متزايداً لقطاع التعليم والتدريب المهني. هذا التحول لم يكن قراراً إدارياً فحسب، بل كان استجابة مباشرة لمطالب اللاجئين أنفسهم وسعيهم لتحقيق الحراك الاجتماعي والتمكين دون التنازل عن حق العودة. نتيجة لذلك، أصبح التعليم لاحقًا أكبر بند في ميزانية الوكالة، ليحولها من مجرد مخزن غذاء إلى نظام تعليمي متكامل يخدم أجيالاً. 1967 .. أزمة النزوح الجديد في عام يونيو 1967، وضعت حرب الأيام الستة الأونروا أمام تحدٍ هائل، حيث أدت إلى موجة نزوح جديدة قُدرت بأكثر من 200 ألف فلسطيني، وتغيرت معها خريطة عمل الوكالة بشكل جذري. اضطرت الأونروا لتوسيع نطاق خدماتها لتشمل النازحين الجدد في الضفة الغربية وقطاع غزةوالأردنوسورياولبنان، وأصبحت تعمل في مناطق تحت الاحتلال. هذا الوضع المعقد تم تثبيته لاحقاً عبر تفاهمات سمحت للوكالة بمواصلة عملياتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما جعلها شاهدة دولية على الواقع الجديد للاجئين. 1991.. من فيينا إلى مدينة غزة آمال متجددة حول السلام وفي التسعينات، وتحديداً بعد انطلاق عملية السلام بمؤتمر مدريد، أجواءً من التفاؤل أثرت على الأونروا. ففي عام1991 ، نقلت الوكالة مقر رئاستها من فيينا إلى مدينة غزة، كإشارة واضحة لدعمها لعملية السلام وتوقعاتها بإمكانية حدوث تسوية. ومع توقيع اتفاقية أوسلو في 1993، بدأت الأونروا تحضير نقل مسؤولياتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى السلطة الفلسطينية المنشأة حديثًا، مما عزز التوقعات التي أشارت إلى إمكانية انتهاء دورها المؤقت قريباً. 2018.. أزمات وتحديات متجددة على الرغم من الدور الحيوي الذي تلعبه، واجهت الأونروا في السنوات الأخيرة أزمات مالية وسياسية غير مسبوقة. في عام 2018، شهدت الوكالة أسوأ أزماتها المالية بعد القرار الأمريكي المفاجئ بقطع جميع التمويلات عنها، مما هدد برامجها الأساسية. ورغم هذه الضغوط، تواصل الجمعية العامة للأمم المتحدة تجديد ولاية الأونروا بانتظام، كان آخرها تمديد العمل حتى 30 يونيو 2026، مما يؤكد على أهمية دورها المستمر في ظل غياب الحل السياسي. يضاعف من هذه الضغوط ازدياد عدد اللاجئين المسجلين المؤهلين لخدمات الوكالة إلى حوالي 5.9 مليون لاجئ. 7 أكتوبر.. أزمة غزة الإنسانية 2023-2024 في الآونة الأخيرة، تحولت الأونروا إلى العمود الفقري للعمل الإنساني في قطاع غزة خلال الحرب الأخيرة التي بدأت في أكتوبر 2023. استُخدمت منشآتها كملاجئ لمئات الآلاف من النازحين، لكنها تعرضت لظروف عمل خطيرة وغير مسبوقة؛ حيث تعرضت العديد من مدارس ومراكز الأونروا للقصف، وقُتل عدد غير مسبوق من موظفيها أثناء تأدية واجبهم. وقد زادت حدة الأزمة عندما واجهت الوكالة اتهامات خطيرة أدت إلى تعليق تمويلات من دول مانحة رئيسية، مما خلق "أزمة وجودية" تهدد قدرتها على العمل في وقت هي أحوج ما تكون إليه. خسائر الأونروا من حرب غزة تسببت الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023 في خسائر مادية وبشرية غير مسبوقة ل"الأونروا"، التي تعد العمود الفقري للاستجابة الإنسانية في القطاع. على الصعيد البشري، فقدت الأونروا عدداً غير مسبوق من موظفيها، تجاوز المئات، مما يجعلها المنظمة الأممية التي خسرت أكبر عدد من العاملين في أي صراع على الإطلاق. كما تعرضت منشآتها التي تؤوي مئات الآلاف من النازحين لأضرار جسيمة؛ حيث تم تدمير أو إلحاق الضرر بمئات المدارس والمراكز الصحية ومستودعات الإغاثة التابعة لها بشكل مباشر أو غير مباشر، مما أدى إلى شل قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وغذاء في وقت تشتد فيه الحاجة. بالإضافة إلى الخسائر البشرية والمادية المباشرة، تكبدت الأونروا خسائر معنوية ومالية جسيمة نتيجة الضغوط السياسية والتحقيقات التي تلت اتهامات طالت عدداً محدوداً من موظفيها، مما أدى إلى تعليق مفاجئ لتمويلات ضخمة من دول مانحة رئيسية. أدت هذه الأزمة المالية غير المسبوقة إلى تهديد عمل الوكالة بشكل كلي، مما ضاعف من معاناة اللاجئين الفلسطينيين، خاصة في غزة. وقد أثرت هذه التحديات الوجودية على قدرة الأونروا على الحفاظ على حياد موظفيها ومنشآتها وعلى تنفيذ تفويضها، لتجد نفسها في مواجهة أزمة ثقة دولية تتطلب جهوداً مضاعفة لإعادة بناء التمويل والدعم في خضم واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية.