لم تكن الثقافة العربية يوماً مفهوماً محدوداً بالجغرافيا أو اللغة، بل هي نتاج تراكم تاريخي لحضارات عديدة، وكانت وستظل مصر دائماً في قلب هذا التكوين الثقافي. فبفضل موقعها الفريد الذي يربط قارتي آسيا وأفريقيا، وتاريخها الممتد من عهد الفراعنة إلى العصور الإسلامية والحديثة، تحولت مصر إلى بوتقة تنصهر فيها الثقافات العربية، والأفريقية، والآسيوية، بل وديانات سماوية متعددة، من اليهودية والمسيحية إلى الإسلام ومن أرض الكنانة انطلقت النهضة الثقافية الحديثة في القرن التاسع عشر، وأسهم مثقفوها في تشكيل الوعي العربي، عبر الصحافة، والمسرح، والسينما، والجامعات، والحركات الفكرية فى يومها العالمى الثقافة المصرية والعربية جذور ضاربة وهوية جامعة ولذلك تتجدد الدعوة للتمسك بهوية عربية متطورة تقودها مصر، وتواجه التحديات المشتركة بمزيج من الأصالة والانفتاح. اهمية النشاطات المدرسية فى تفعيل الثقافة المصرية الثقافة المصرية هى قاعدة تأسيس للهوية العربية المعاصرة من جانبها قالت أستاذة الأدب المقارن بجامعة القاهرة دكتورة د. فاطمة الشامي ل"البوابة نيوز" : منذ عصر النهضة وحتى اليوم، كانت مصر بمثابة المنصة المركزية التي من خلالها عبرت الثقافة العربية إلى العالم. ففي القاهرة تأسست أولى الصحف العربية الحديثة، وانطلقت المسارح والمؤسسات الثقافية الكبرى، مثل دار الأوبرا والمجمع اللغوي. كما أسهم الأدب المصري في صياغة اللغة العربية المعاصرة عبر رواد كطه حسين ونجيب محفوظ ويوسف إدريس. هذه الريادة لم تكن سياسية فقط، بل فكرية وروحية، إذ لعبت مصر دور الحاضنة الكبرى للحوار بين المذاهب الإسلامية، والأديان الأخرى، ما جعلها مرجعية ثقافية للمشرق والمغرب العربي. وأردفت : اليوم العالمي للثقافة العربية يجب أن يكون مناسبة ليس فقط للاحتفاء، بل للمراجعة. الثقافة العربية تمتلك عناصر قوية من التجديد والانفتاح، لكنها بحاجة إلى استراتيجية ثقافية شاملة على مستوى الوطن العربي تربط بين التعليم، والإعلام، والفن، ومراكز البحث ولا يمكن الحفاظ على الثقافة العربية إذا استمر التعامل معها كأمر تراثي فقط، بل يجب الاستثمار فيها كقوة ناعمة لصناعة المستقبل، وهذا يبدأ من المدارس والمناهج، إلى دعم الصناعات الإبداعية وتصدير الفن العربي للعالم." هوية جامعة على مفترق القارات والأديان وأضافت : تتميز الثقافة المصرية والعربية بكونها منفتحة على التنوع، ومتجذرة في حضارات قديمة، ما يجعلها أكثر قدرة على الاستمرار والتجدد. فمصر، التي تتوسط أفريقيا وآسيا، وتمتد عبر نهر النيل إلى الجنوب، كانت عبر تاريخها ملتقى للثقافات النوبية، والقبطية، واليونانية، والرومانية، والعربية وقد انعكس هذا التنوع في موروثها الشعبي، من الموسيقى والعمارة إلى العادات والطبخ، مما جعلها تعبيراً عن تفاعل حضاري نادر. واليوم، تواصل هذه الهوية أداء دورها، ليس فقط كتراث، بل كقوة ناعمة تسهم في السلام والتقارب بين الشعوب، من قلب مصر جسر الحضارات وصوت الهوية المتجددة ...مصر رائدة الثقافة العربية الموسيقى تشكل جزء مهم من الثقافة المصرية والعربية التحديات التي تواجه الثقافة العربية والمصرية وفى ذات السياق قال خبير ثقافي وعضو المجلس الأعلى للثقافة دكتور عمرو مجدي : رغم الغنى الكبير، تواجه الثقافة المصرية والعربية على وجه الخصوص – تحديات متعددة ، و من أبرزها تراجع الاهتمام باللغة العربية الفصحى، وتغليب الثقافة الاستهلاكية، وتهميش الفنون التنويرية في ظل الضغوط الاقتصادية والسياسية ، كما تعاني المؤسسات الثقافية من نقص التمويل والدعم، وضعف حضور المحتوى العربي في الفضاء الرقمي العالمي ، هذا إلى جانب تأثير العولمة التي تهدد بتذويب الخصوصية الثقافية في نماذج غربية لا تتناسب دائماً مع الهوية المحلية، من هنا تبرز أهمية وضع خطط استراتيجية لإحياء الدور الثقافي المصري والعربي. ويؤكد : أن الهوية العربية ليست جامدة، بل مرنة بطبيعتها. ولكن هذا لا يعني أنها في مأمن من الذوبان. فالعصر الرقمي اليوم يفرض علينا إعادة صياغة مفاهيمنا الثقافية بلغة تواكب العصر دون فقدان الأصالة. وأشا ر إلى : أهمية دور المؤسسات الثقافية في استخدام التكنولوجيا لنشر الثقافة، قائلاً: المتاحف الافتراضية، الأدب الرقمي، والبودكاست الثقافي كلها أدوات يجب أن تتصدر المشهدالثقافى كما يجب تفعيل دور الترجمة العكسية لتعريف العالم بالأدب العربي المعاصر. تفعيل الثقافة كقوة ناعمة لمستقبل عربي أفضل ومن جانبها قالت أستاذة النقد الثقافي بجامعة عين شمس دكتور حنان عبد الغني "البوابة نيوز" : ان تفعيل الثقافة المصرية والعربية كقوة ناعمة لمستقبل مصرى وعربي أفضل يجب وضع خطو جادة قابلة للتنفيذ وتؤكد التجارب الدولية أن الثقافة ليست ترفاً، بل ركيزة أساسية في التنمية، وبناء العلاقات الدولية، وتحقيق السلام المجتمعي. وقد استخدمت دول مثل كوريا الجنوبية واليابان ثقافتها كوسيلة للدخول إلى الأسواق العالمية، وصناعة صورة ذهنية إيجابية. وبالمثل، تمتلك مصر والعالم العربي فرصة لصياغة مشروع ثقافي ينهض بالفنون، ويصنع صناعات إبداعية قائمة على التراث والمعاصرة. ولتحقيق ذلك، لا بد من بناء شراكات بين وزارات الثقافة والتعليم والإعلام، وتعزيز دور القطاع الخاص في تمويل المبادرات الثقافية. مصر رائدة الثقافة العربية وتؤكد : أن مصر ما زالت مؤهلة للقيادة الثقافية، لكنها بحاجة إلى تحديث أدواتها، من المسرح إلى السينما، ومن النشر الورقي إلى المحتوى الرقمي. نحن نحتاج إلى تمويل حقيقي للثقافة، لا مجرد احتفاليات موسمية، ونحن فى اليوم العالمي للثقافة المصرية و العربية يجب علينا اتخاذها فرصة فرصة لننظر في المرآة ونسأل ، هل ما زلنا نحمل المشروع الثقافي ذاته الذي بدأه طه حسين والعقاد وأم كلثوم؟ الواقع أن الثقافة العربية تحتاج إلى إعادة تموقع في زمن متغير. الهوية لا تتطور وحدها، بل تحتاج من يدفعها للأمام. الثقافة المصرية رائدة الثقافات العربية لتنوعها وفى السياق ذاته قال الباحث بمركز دراسات الثقافة والتنمية دكتورعلاء كمال ل"البوابة نيوز" : أن الثقافة المصرية ليست فقط عربية، بل إنسانية الطابع، لأن الثقافة المصرية هى الثقافة الوحيدة التي مزجت بين الفرعونية، والعربية، واليونانية، والإسلامية، والقبطية في نسيج واحد مكثف ومرتبط يصعب تفكيكه و هذه القدرة على التوليف ميزة استراتيجية، لكنها أصبحت مهددة بفعل تراجع التعليم، وضعف المحتوى الثقافي على وسائل التواصل ويضيف: "الحل يبدأ من الجذور، أي من المدارس والمناهج، حيث يجب أن نعيد إدماج الثقافة كجزء من تشكيل الوعي، وليس مجرد مواد هامشية. كما يجب استثمار التكنولوجيا في نشر الثقافة المصرية والعربية في الخارج، من خلال الترجمة الرقمية، والبودكاست، والتعاون مع المنصات العالمية." من يوم عالمي إلى مشروع استراتيجي فى يومها العالمى الثقافة المصرية والعربية جذور ضاربة وهوية جامعة فلا يكفي الاحتفاء بالثقافة العربية يوماً في العام، بل يجب تحويل هذه المناسبة إلى انطلاقة حقيقية لمشروع ثقافي عربي تقوده مصر، ويجمع بين حماية الهوية، والانفتاح على المستقبل. الثقافة هي ما يبقى حين يزول كل شيء آخر، وهي وحدها القادرة على حماية الأوطان من التفتت، ومواجهة التحديات بروح الخيال والإبداع. ومن قلب القاهرة، يمكن أن ينبعث هذا المشروع، كما انبعثت منه قديماً أصوات التنوير، وأحلام النهضة.