إعلان موعد تلقي أوراق الترشح للانتخابات مجلس النواب اليوم    سعر الذهب في السوق المصري اليوم السبت 4 أكتوبر 2025    مسؤول أمريكي يكشف موعد بحث نزع سلاح حماس بعد الرد على خطة ترامب    نشرة أخبار الطقس| الأرصاد تحذر من أمطار والعظمى 33 في القاهرة و38 بالصعيد    جهود أمنية لكشف لغز وفاة طالبة بشكل غامض أثناء تواجدها في حفل زفاف بالفيوم    اليوم.. محاكمة متهم بالانضمام لجماعة إرهابية في بولاق الدكرور    شهادات البنك الأهلي ذات العائد الشهري.. كم فوائد 100 ألف جنيه شهريًا 2025؟    المتخصصين يجيبون.. هل نحتاج إلى مظلة تشريعية جديدة تحمي قيم المجتمع من جنون الترند؟    سيناريوهات تأهل منتخب مصر ل ثمن نهائي كأس العالم للشباب 2025    يتطلع لاستعادة الانتصارات أمام المحلة| الزمالك ينفي رحيل عواد.. وينهي أزمة المستحقات    الأهلي يسعى لصعق «الكهرباء» في الدوري    هل إجازة 6 أكتوبر 2025 الإثنين أم الخميس؟ قرار الحكومة يحسم الجدل    أسعار الفراخ اليوم السبت 4-10-2025 في بورصة الدواجن.. سعر كيلو الدجاج والكتكوت الأبيض    أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 في الأسواق المصرية    رغم تحذيراتنا المتكررة.. عودة «الحوت الأزرق» ليبتلع ضحية جديدة    الخبراء يحذرون| الذكاء الاصطناعي يهدد سمعة الرموز ويفتح الباب لجرائم الابتزاز والتشهير    في ذكرى حرب أكتوبر 1973.. نجوم ملحمة العبور والنصر    في الدورة ال 33.. أم كلثوم نجمة مهرجان الموسيقى العربية والافتتاح بصوت آمال ماهر    مسلسل ما تراه ليس كما يبدو.. بين البدايات المشوقة والنهايات المرتبكة    رئيس الطائفة الإنجيلية يشهد إطلاق المركز الثقافي بالقاهرة الجديدة    وسائل إعلام فلسطينية: إصابة شابين برصاص الاحتلال خلال اقتحام قلقيلية واعتقال أحدهما    عبد الرحيم علي ينعى خالة الدكتور محمد سامي رئيس جامعة القاهرة    البابا تواضروس: الكنيسة القبطية تستضيف لأول مرة مؤتمر مجلس الكنائس العالمي.. وشبابنا في قلب التنظيم    حرب أكتوبر 1973| اللواء سمير فرج: تلقينا أجمل بلاغات سقوط نقاط خط بارليف    إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم بالطريق الدائري بالفيوم    "بالرقم الوطني" خطوات فتح حساب بنك الخرطوم 2025 أونلاين عبر الموقع الرسمي    كأس العالم للشباب.. أسامة نبيه يعلن تشكيل منتخب مصر لمواجهة تشيلي    ثبتها حالا.. تردد قناة وناسة بيبي 2025 علي النايل سات وعرب سات لمتابعة برامج الأطفال    «نور عيون أمه».. كيف احتفلت أنغام بعيد ميلاد نجلها عمر؟ (صور)    "أحداث شيقة ومثيرة في انتظارك" موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الموسم السابع على قناة الفجر الجزائرية    مستشفى الهرم ينجح في إنقاذ مريض ستيني من جلطة خطيرة بجذع المخ    اسعار الذهب فى أسيوط اليوم السبت 4102025    بيطري بني سويف تنفذ ندوات بالمدارس للتوعية بمخاطر التعامل مع الكلاب الضالة    تتقاطع مع مشهد دولي يجمع حماس وترامب لأول مرة.. ماذا تعني تصريحات قائد فيلق القدس الإيراني الأخيرة؟    نسرح في زمان".. أغنية حميد الشاعري تزيّن أحداث فيلم "فيها إيه يعني"    الخولي ل "الفجر": معادلة النجاح تبدأ بالموهبة والثقافة    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم السبت 4102025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة الأقصر    بعد أشمون، تحذير عاجل ل 3 قرى بمركز تلا في المنوفية بسبب ارتفاع منسوب النيل    هدافو دوري المحترفين بعد انتهاء مباريات الجولة السابعة.. حازم أبوسنة يتصدر    تامر مصطفى يكشف مفاتيح فوز الاتحاد أمام المقاولون العرب في الدوري    حمادة طلبة: التراجع سبب خسارة الزمالك للقمة.. ومباراة غزل المحلة اليوم صعبة    النص الكامل ل بيان حماس حول ردها على خطة ترامب بشأن غزة    احتفاء واسع وخطوة غير مسبوقة.. ماذا فعل ترامب تجاه بيان حماس بشأن خطته لإنهاء حرب غزة؟    تفاعل مع فيديوهات توثق شوارع مصر أثناء فيضان النيل قبل بناء السد العالي: «ذكريات.. كنا بنلعب في الماية»    لبحث الجزر النيلية المعرضة للفيضانات.. تشكيل لجنة طوارئ لقياس منسوب النيل في سوهاج    «عايزين تطلعوه عميل لإسرائيل!».. عمرو أديب يهدد هؤلاء: محدش يقرب من محمد صلاح    "مستقبل وطن" يتكفل بتسكين متضرري غرق أراضي طرح النهر بالمنوفية: من بكرة الصبح هنكون عندهم    تفاصيل موافقة حماس على خطة ترامب لإنهاء الحرب    الرد على ترامب .. أسامة حمدان وموسى ابومرزوق يوضحان بيان "حماس" ومواقع التحفظ فيه    محيط الرقبة «جرس إنذار» لأخطر الأمراض: يتضمن دهونا قد تؤثرا سلبا على «أعضاء حيوية»    عدم وجود مصل عقر الحيوان بوحدة صحية بقنا.. وحالة المسؤولين للتحقيق    ضبط 108 قطع خلال حملات مكثفة لرفع الإشغالات بشوارع الدقهلية    لزيادة الطاقة وبناء العضلات، 9 خيارات صحية لوجبات ما قبل التمرين    الشطة الزيت.. سر الطعم الأصلي للكشري المصري    هل يجب الترتيب بين الصلوات الفائتة؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه في المنيا اليوم الجمعه 3 أكتوبر 2025 اعرفها بدقه    تكريم 700 حافظ لكتاب الله من بينهم 24 خاتم قاموا بتسميعه فى 12 ساعة بقرية شطورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسرح الشعبي والفنون الغنائية مرآة التراث ووجدان المجتمع المصري.. عبد الرحمن الشافعي شيخ طريقة
نشر في البوابة يوم 02 - 02 - 2025

المسرح الشعبي والفنون الغنائية يمثلان أحد أهم روافد الثقافة المصرية الأصيلة، حيث يعكسان روح الشعب وتاريخه وتراثه عبر أجيال من الرواد الذين أثروا هذا المجال، ومن أبرز هؤلاء: الشيخ سلامة حجازي الذى حول المسرح الغنائي إلى أداة تعبير فنى قريبة من وجدان الجمهور، مقدما موضوعات تمس الحياة اليومية، ولعب زكريا الحجاوى دورا كبيرا فى إحياء المسرح الشعبى، وجمع التراث الشفهى وأدخل الأغانى الشعبية فى أعماله، وأسس فرقا مسرحية جابت القرى والمدن لتعزيز هذا الفن.
إسهامات مبدعي المسرح الشعبي
وكذلك ترك بيرم التونسي بصمته بإضافة شعره وأزجاله اللاذعة التى عكست قضايا وهموم الطبقات الفقيرة، ولا يمكن تجاهل إسهامات شيخ الطريقة عبدالرحمن الشافعى، وأدخل على الكسار الفكاهة إلى المسرح الشعبى، مؤسسا لونا كوميديا يجمع بين المسرح التقليدي والفرجة الشعبية، إلى جانب جمالات شيحة، خضرة خضر، وغيرهم ممن أثروا المسرح الشعبى، والغناء بفنونهم وإبداعاتهم التى تعبر عن نبض المجتمع المصرى.
تشكلت ملامح هذا الفن على مر العقود، ليصبح مرآة تعكس أحلام الناس وآلامهم وأفراحهم، فهذه الأسماء لم تكن مجرد مبدعين، بل حملوا على عاتقهم مسئولية الحفاظ على الهوية الثقافية المصرية، ومزجوا بين التراث الشعبى القديم والتجديد الفنى، ليضعوا بصمتهم الخالدة فى المسرح الغنائى والفنون الشعبية.
ومن خلال المسرح الغنائي والاستعراضات الشعبية، استحضرت الحكايات والأساطير، ونقلت تجارب الشعوب عبر لغة فنية تجمع بين الغناء، الأداء، والحركة، تلك الجهود أثمرت إرثا فنيا غنيا يمثل جزءا أصيلا من الذاكرة الثقافية المصرية.
وفى السطور التالية نستعرض أبرز رواد المسرح الغنائى والفنون الغنائية في العالم العربي.
المخرج عبدالرحمن الشافعي
عبدالرحمن الشافعي.. شيخ طريقة
عبد الرحمن الشافعي أحد رواد المسرح الشعبي فى مصر، وأبرز الأسماء التى أسهمت فى تطوير المسرح الشعبى المصرى، الذى يتسم بالدمج بين الفلكلور الشعبى والعناصر الترفيهية.
عمل فى مجال المسرح منذ فترة طويلة وقدم العديد من الأعمال التى حققت نجاحا جماهيريا كبيرا، ويعد جزءا من الحركة الفنية التى جعلت المسرح فى متناول جمهور واسع.
وبهذا الصدد يقول الدكتور محمد أمين عبدالصمد، المشرف على إدارة التراث الشعبى بالمركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، إن عبد الرحمن الشافعى اسم لمخرج له مشروعه الفنى، الذى امتد إلى ما يزيد على 50 عاما، وله كذلك أسلوبه الخاص فى اختيار عناصر تجربته الفنية، وترجيحاته الإبداعية، فهو مخرج فنان انحاز إلى الجماعة الشعبية وثقافتها، وحمل لواء المسرح المنتمى إلى هذه الجماعة الثقافة وتجلياتها الإبداعية، حيث ينتمى إلى جيل كان همه الأول البحث عن هويته الخاصة فى إطار حلم وطنى جمع الكل تحت لوائه، ساعيا ومن معه إلى تشكيل تيار واتجاه يحمل سمات ثقافته وقضاياها، فقدم إبداعه الفنى فى مختلف مناطق مصر الثقافية، مقدما خبراته الخاصة ومستفيدا وهاضما للتنويعات الثقافية المحلية، مضيفا إياها لمخزون معارفه وخبراته، مستعيرا ومتعلما من هذه الثقافة أو تلك.
مرحلة التنشئة الفولكلورية
وتابع: أن مرحلة التنشئة للشافعى ترتبط بثقافة الفلاحين فى مسقط رأسه محافظة الشرقية، فقد شاهد وشارك فى الأعراس الشعبية وتشبع بأغانيها، والقيم التى تحملها، مدركا بالممارسة لجماليات النص والأداء أيضا، ولم يفت الشافعى، الطفل والصبي، التردد على الموالد ومتابعة ما يقدم فيها من أغانٍ شعبية كالسير، والمدائح، والإنشاد الدينى، والمواويل القصصية، وكذلك ما يقدم من عروض فرجة شعبية مثل الأراجوز، الذى لم يكن لصاحبنا مجرد شخصيات نمطية ومسرح بسيط، بل عالم مترامى الأطراف من المعانى والجماليات، وشاهد الحواة ولاعبى خيال الظل، وفصول الفرق الجوالة، وغيرها من أشكال الفرجة، وشاهد موكب الخليفة، والدوسة، وحلقات الذكر، وخوارق المتصوفة وأنشطتهم، كما شاهد ما يباع فى الموالد من ألعاب للأطفال، شعبية الفكرة والصناعة، وأزياء المشاركين فى الموالد سواء فنانين أو مرتادين، وهذه المرحلة هى مرحلة الإحاطة بالمعرفة من منابعها الأولى.
وانتقل «الشافعي» إلى القاهرة للالتحاق بكلية الحقوق التى تخرج فيها ثم التحق بشعبة المسرح العالمى عام 1963، وعمل مع مجموعة من كبار المخرجين العائدين وقتها من بعثات تعليمية فى الخارج بالعديد من المذاهب والمناهج المسرحية العالمية، وبدأ يغزل تجربته الخاصة، فلم يعد العرض الشعبى مجرد مجموعة من الفنانين يقدمون بعض المواويل والقصص الشعبى على آلاتهم الموسيقية، بل عنصر رئيسيا فى بنية العرض المسرحى فى إطار الفرجة المقدمة، بحيث جاءت هذه العناصر التراث الشعبى جزء أصيلا فى بنية العرض المسرحى، وكان يقول أنه يبحث: "فى الموال الشعبى والأغنية الشعبية عن عناصر الدراما بمفهوم الدراما، وعندما اختار من يؤدى الموال اختار من يؤديه بمفهوم المسرح، أى مؤديا وليس مغنيا، ليشخص الحكاية من خلال إحساسه الداخلي بالصراع، فيعبر عنه بمقدرة، ويصبح هذا المؤدى للموال ظاهرة مسرحية، فأنا هنا لا أختاره على أساس جمال الصوت، لذلك أقول إنه ليس كل من قدم زمارا أو طبالا على المسرح يقدم المسرح الشعبى، فالمهم ما ذا يقول الزمار داخل حلبة المسرح".
وواصل: لم يكن أيضا اهتمام الشافعى بالأدب الشعبى اهتماما شكليا، بل ركز اهتمامه على الخطاب الفكري للأدب الشعبي، وليس مجرد تيمات القصص الشعبى فقط، وهى محاولة منه لتأكيد طموحات أفراد الجماعة الشعبية، وكذلك البحث فى مخاوفهم وإحباطاتهم، وكان هدفه من اختياراته للأغانى الشعبية داخل العمل المسرحي إثارة ملكة التخيل لدى الجمهور، ومشاركتهم بترديد بعض الأغانى الشعبية مع المغنين - المؤدين، أو التجاوب معهم.
التجاوب المرتكز على خبرة سابقة على الأقل
وكان هدف اختياراته أيضا الشحن والتحريض، لكن بآليات أخرى غير الفصل والتغريب، ليس بمفهوم التوحد التقليدى، لكنه شحن وتحريض مرتكز على ميكانيزمات الثقافة ذاتها، وحملة ما ثورها الشعبى، لذلك كانت نصوص الأدب الشعبي محتفية بعادات الناس وتقاليدهم، مرتبطة باحتفالاتهم، مما جعل المتلقين والجمهور على موجة تواصل واحدة مع هذه النصوص الشعبية، ومع مسرحتها، فالموسيقى فى مسرح الشافعى تثرى خيال المتلقي، وتساعده على فهم الحدث، كما أنها تحفز المبدع ذاته على خلق حالة من الانسجام والتوافق، بينه وبين مكونات العمل المسرحى، كما أنها تؤكد هذه العلاقة من معايشة للحركة والحوار، كما تسهم بتنوع نغماتها فى تصوير الجو النفسى العام، وموسيقاه المسرحية أيضا موسيقى تعبيرية بالدرجة الأولى وليست تطريبية، والموسيقى فى العمل المسرحى لا تتوقف عنده على متابعة الكلمة أو الحدث بل تتضافر معه أو تعلق عليه وتستكمله مثل استخدامه للدف في مسرحية "أدهم الشرقاوي"، ويستخدم غالبا آلات النفخ أو الإيقاع خالقا حالة من التواصل المتوهج، موظفا إياها أحيانا كمعادل لشخصياته المسرحية، وإذا استخدم الشافعى آلات وتقنيات حديثة يحرص أشد الحرص على إبراز العنصر البشرى الإنسانى وقدراته ومهاراته التي حباه الله بها.
وأعتقد أن تعيين عبد الرحمن الشافعى مديرا لمسرح السامر عام 1971، ثم مديرا لفرقة الآلات الموسيقية الشعبية عام 1975، قد أتاحا له فرصة كبيرة جدا، ومتميزة، للتعامل مع ودراسة الفنانين الشعبيين، وطرق أدائهم وكذلك الاقتراب الشديد من عالم الآلات الموسيقية الشعبية، ومعرفة إمكانياتها، وكيفية توظيفها، كما أن العناصر البشرية الفنية، التى استمرت بعد زكريا الحجاوى وتعامل معها الشافعى أتاحت له الاطلاع على عالم رحب من المأثورات الشعبية من خلال مجموعة من الحملة المتميزين المدربين على الأداء ومواجهة جمهور مختلف، وتقديم ما يستطيعون به التواصل مع هذا الجمهور عن اختلاف نوعياته ومستويات حساسيته الفنية.
أما المكان فقد كان الشافعة مغرما بتوظيفه كما هو وتقديم العمل المسرحى موظفا مفردات المكان ومؤكدا شخصيته مازجا بين تاريخه وبين العمل القدم، مستخدما المكان ذاته كعنصر من عناصر الفرجة أو إطار لها مثل استخدامه لوكالة الغورى فى الكثير من عروضه المسرحية، حتى وإن قدم عروضه فى مكان ليس له هوية شعبية مثل عرض "الخلابيص" فى جاليرى الهناجر خلقها باستخدام موتيفات شعبية بخامات شعبية، كذلك يعيد بها صياغة المكان حسب رؤيته وعرضه، لذا كان الشافعى دائما حاضرا وبشدة فى تصميمات ديكورات مسرحياته وتنفيذها دون انتقاص من دور مصممى ديكور مسرحياته أو قدرتهم.
اختيار الشافعي لنصوص عروضه
كانت أغلب اختيار نصوصه مستمدة تيماتها من المأثور الشعبى القصصى، وتسمح له بخلق فرجة شعبية، فى شكلها وتأثيرها، لذا ايا كان مؤلف النص المسرحى، فإن الشافعيى فى النهاية يتحكم فى تقديم العمل بمفرداته واختياراته وتفضيلاته الجمالية، لكن هذا لا يعنى انقطاع صلة المؤلف بنصه والعرض المقدم عنه، لكنه صاحب نص توافق مع "الطريقة الشافعية"، لذا يرى عبدالرحمن الشافعى أن علاقة المخرج والمؤلف علاقة تكاملية، فلن يستطيع أي منهما دون الآخر تقديم عمل ناجح ملتحم بالجمهور ومعبر عنه.
وقد يقدم الشافعى نصا مسرحيا برؤية شعبية ثقافية ونذكر هنا مسرحية "منين أجيب ناس" للشاعر الراحل نجيب سرور، التى كان له فضل السبق فى تقديمها، وهى مسرحية صعبة فى تقديمها، لافتقادها للحظات الصراع التقليدية فى الدراما وتعدد الأماكن والمشاهد، فقام بالمزاوجة بين نص المسرحية والموال القصصى "حسن ونعيمة"، واستخدم الرواة الشعبيين ومحفوظهم الشفاهى داخل العرض المسرحى ذاته، وكان هذا العمل من الأعمال الأولى، التى حددت فيما بعد أسلوبه الإخراجي، حيث يرى أن الاستلهام هو عمل الكاتب صاحب الرؤية، الذى يتعامل مع عنصر من عناصر المأثور الشعبى، ومع قيمه، أما التوظيف فهو عمل المخرج وشغله الشاغل داخل العرض من أجل وحدة فنية متكاملة، ويعمل كذلك على عادة تهيئة المسرح بما يلائم الداء الشعبى، فالفن الشعبى لقاء حميم بين المؤدى والمتلقى.
وينبه الشافعى إلى أهمية دراسة الأداء اللغوى والحركى والموسيقى فى الفنون الشعبية، وتنمية وصقل المهارات والقدرات التعبيرية والحركية للفنان الشعبى، حيث يرى أن الدراما هى الدراما، والمسرح هو المسرح، فعرض المسرح الحديث أو الهناجر يختلف عن عرض فى جرن أو ساحة، والسؤال هو إلى أى جمهور نتوجه؟
كيف تعامل الشافعى مع المأثور الشعبى؟
تعامل الشافعى مع المأثور الشعبي بجميع جوانبه فقد وفر له أرضية خصبة لينهل منها، استلهاما وتوظيفا، واضعا فى اعتباره – وهو ابن فلاحى الشرقية – الإطار الاجتماعى والثقافى والجمالى للمأثور الشعبى، وهو ما جعل لديه القدرة الفائقة على توظيف الموروث الثقافى ومنحه دلالاته الفكرية والجمالية، ولم يتورط فى الغرق فى الجمالة على حساب الفكرى، مثلما تورط الكثيرون فى الشكل على حساب الخطاب والمحتوى، وقد تميز تعامل الشافعى مع المأثور الشعبى بالفهم العميق لموروثه الثقافى بوصفه سجلا لحياة الإنسان، وقدرته على انتقاء أكثر عناصر المأثور الشعبى دلالة وقبولا للتوظيف الجمالى، وإعطاء دلالة معاصرة وآنية للعنصر الذى يختاره، فلا "ماضٍ ميت" بالنسبة له، والتوظيف الفنى المتميز لعناصر المأثور الشعبى، لذا كان تعامله مع المأثور الشعبى تعاملا واعيا بالعادات والتقاليد ومعتقدات المجتمع وتصوراته، كذلك مستوعبا الثقافة المادية للمجتمع وفنونه التشكيلية الشعبية، وهو ما أسهم وساعد الشافعى فى بناء منظره المسرحى، إذ لم ينقطع عن ثقافته تعايشا وهضما واستيعابا، ثم إبداعا.
فلسفة الشافعي في التعامل مع الفنون الشعبية
يرى الشافعي أن أساس المأثور الشعبى الفنى هو المبدع الشعبى نفسه وليس آلته أو أداته، فالآلة الشعبية ليست معجزة فهى بسيطة الصنع والتكوين، والاهتمام بالآلة وصنعها وتطورها وأشكالها المتنوعة يدخل فى إطار النشاط المتحفى، أما البطل الحقيقى فهو العازف الفنان الذى يستطيع بهذه الآلة على بساطتها أن يخلق عالما من الإبداع اللامحدود، ولا يعتمد العازف على نوتة موسيقية أو وجود قائد، بل اعتماده الأكبر على أذنه وحسه ويقظته، وهناك تقاليد أدائية يلتزم بها الفنان الشعبى، ولديه كذلك حلول لكل طارئ أو عرضى، ويستطيع مع زملائه ضبط الأداء بكل انسيابية وبساطة، مؤكدا أنه فى فلسفة تعامله مع فرقة "النيل للآلات الشعبية" لا يشكل امتدادا لزكريا الحجاوى ولا لسليمان جميل، فهو – أى الشافعي – ليس باحثا فى المأثور الشعبى مثل الحجاوى وليس موسيقيا مثل سليمان جميل، بل هو رجل مسرح، ومخرج مسرحي تحديدا، لذا جاء عمله هو كيف يستفيد من المأثور الشعبى فى عروضه الفنية، وهو ما تطلب منه إعادة بناء الفرقة واستدعاء كل الأشكال الفنية الشعبية بعد أن كان الأستاذ سليمان جميل قد سرح أغلب الفرقة ولم يحتفظ سوى بعدد محدود من العازفين على الآلات الموسيقية الشعبية وحول الفرقة إلى "فرقة للآلات الشعبية".
وينبه الشافعى إلى خطورة اندثار بعض فنوننا الشعبية وذلك لعدة أسباب يذكر منها ما يقدمه الإعلام ووسائطه المتعددة من صور شائهة للفنون الشعبية - هذا فى حالة عدم إهمالها التام له – وهو ما يستجيب له الفنانون الشعبيون من أجل "لقمة العيش"، وهناك سبب آخر وهو عدم توريث الأبناء فنونهم لأبنائهم، وامتهان الأبناء مهن أخرى، بل إن بعض الأبناء يتنكر لفن الآباء لأسباب مختلفة منها ما هو اجتماعى ومنها ما هو اعتقادى، ومن أسباب اندثار الفنون الشعبية السياقات التى كانت تؤدى فيها مثل اندثار الاحتفالات بالقطن وجمعه أو القمح وحصاده، وكذلك تغير العادات التى كانت سياقات للفنون الشعبية مثل عادات وطقوس السبوع المصرى.
أخرج الشافعي 70 عرضًا منذ اشتغاله بالحركة المسرحية منذ عام 1968 حتى 2012 تتمركز حول تجارب توظيف العناصر الشعبية فى أعمال مسرحية مستلهمة من السير والحكايات، وانتدب للثقافة الجماهيرية عام 1967، فكون أول فرقة للحى الشعبى "فرقة الغورى المسرحية" وأخرج لها: "ياسين وبهية – آه يا ليل يا قمر – أدهم الشرقاوى"، وعين أول مدير لمسرح السامر بالقاهرة عام 1971 وظل مديرا لفرقة السامر عشر سنوات، قدم خلالها عددا من المسرحيات التراثية منها: "شفيقة ومتولى، علي الزيبق، حكاوى الزمان، عاشق المداحين، السيرة الهلالية، الشحاتين، مولد يا سيد، حكاية من وادى الملح، سلطان زمانه، منين أجيب ناس، لعبة الزمان، يا صبر أيوب، ست الحسن".
كما يعد أول من قدم عروضا مسرحية بسرادق احتفالات الثقافة الجماهيرية بشهر رمضان وحولها من عروض منوعات إلى عروض مسرحية لآلاف الجماهير، بحي الحسين فقدم "الليلة الكبيرة، ليلة الرؤية، حلاوة زمان، الشحاتين"، وأعد وأشرف على مهرجان ثلاثمائة ليلة مسرحية بالثقافة الجماهيرية على مسرح السامر 1985.
كما أخرج الشافعى للمسرح الحديث "ليلة بنى هلال" 1994، و"السفيرة عزيزة" 2005، وأخرج للفرقة الغنائية الاستعراضية "ست الحسن" 1992، و"أحلام يا سمين" 1996، و"السنيورة " 1997، وأخرج لمسرح الهناجر مسرحية "الخلابيص" 2002، وأخرج للمسرح الكوميدى "ما فيش حاجة تضحك"، والمسرح العائم "طقاطيق جحا" عام 2012، وغيرها من المسرحيات، والمشاركة في العديد من المهرجانات والاحتفالات الثقافية، وعن مجمل أعماله نال الشافعى العديد من الجوائز والتكريمات منها: جائزة الدولة التشجيعية ونوط الامتياز من الطبقة الأولى في الفنون عن إخراج سيرة بنى هلال عام 1986.
تجربة الشافعي شديدة الثراء فى التعامل مع الفنانين الشعبيين وعالمهم، حتى أنه يذكر من طرائف مصادر تعرفه واكتشافه لعالم الفنانين الشعبيين أنه تعلم الكثير من فنون الأداء الشعبى على يد الفنانة الغجرية فريدة مازن فى الأقصر، التى كانت تروى السيرة الهلالية مستخدمة "صينية" لضبط إيقاع الأداء واستخدامها فى التشخيص، وأخيرا قد يكون فى الساحة المسرحية ألف مخرج، لكن من منهم يملك أسلوبه الخاص.

عبدالرحمن الشافعيعبدالرحمن الشافعينعيمة عاكف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.