نجحت جنوب أفريقيا في مضاعفة ناتجها المحلى الإجمالي خلال الأعوام العشرين الماضية من 136 مليار دولار أمريكى في العام 1994 إلى 384 مليار دولار أمريكى بحلول العام 2014 وذلك بفضل " خارطة طريق اقتصادية " كشف عنها تقرير صادر عن رئاسة الدولة بمناسبة مرور 20 عاما على زوال النظام العنصرى، ويصنف البنك الدولي جنوب أفريقيا " كدولة يتجاوز متوسط دخل الفرد فيها المتوسطات العالمية " وأن اقتصادها قد صار الآن هو الأكبر في أفريقيا وبفضله ينعم ملايين المواطنين في جنوب أفريقيا بوظائف وبخدمات أساسية مثل مياه شرب نقية وصرف صحي ومساعدات اجتماعية تصل إلى أكثر من 15 مليون مواطن كانوا في حاجة ماسة لها. واستعرض التقرير الرئاسى ملامح من " خارطة الطريق " التي سارت عليها جنوب أفريقيا للنهوض باقتصادها بعد عودة الديمقراطية اليها والخطوات الكبيرة التي اتخذتها الحكومة منذ سقوط النظام العنصرى وتأسيس الدولة الديمقراطية الحديثة في البلاد والتحديات التي واجهت مضى خارطة طريق الإصلاح الاقتصادى للبلاد في مسارها. و أكد التقرير في بدايته أن اقتصاد جنوب أفريقيا صابح بعيدا تماما عما كان عليه الحال قبل 20 عاما من دولة مفلسة تقريبا إلى بلد ميزانيته متألقة تتجاوز تريليون كانت جنوب أفريقيا قبل عقدين وتعانى من معدل بطالة متزايد ومستويات متدنية للاستثمار ويد عاملة غير مدربة تدريبا كافيا واحتكارات واسعة كانت كلها تشكل معالم اقتصاد جنوب أفريقيا في الفترة السابقة على عام 1994 وتشكل في الوقت ذاته عقبات في مسار خارطة طريق إصلاح الاقتصاد كان يتعين اجتيازها. وجاء في التقرير أنه " على الرغم من جهود حكومة الفصل العنصري لاخفاء تجاوزاتها الوحشية ضد حقوق الإنسان عن المجتمع الدولي فان التسعينيات شهدت رحيل المستثمرين والشركاء التجاريين باعداد كبيرة عن جنوب أفريقيا ". واستطرد التقرير " أنه مع استمرار التوترات الداخلية العنيفة والاجواء السياسية غير المستقرة والعقوبات والعزلة الاقتصادية التي سبقت الانتخابات التاريخية لعام 1994 صار من المؤكد أن أول حكومة ديمقراطية في جنوب أفريقيا سترث اقتصادا منهارا وكان ذلك تحديدا هو الحال عندما صار نلسون مانديلا أول رئيس ديمقراطي للدولة. فقد سجل معدل النمو الاقتصادي اقل من 1٪ سنويا خلال العقد السابق لعام 1994. " وكشف التقرير الرئاسى الجنوب أفريقى عن أن الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008 تسببت في تاراجع حجم الاستثمار في جنوب أفريقيا بنسبة 19 ٪ لكن اقتصاد جنوب أفريقيا سرعان ما استعاد عافيته ليصعد بنسبة 19.2 ٪ في عام 2013 وعزا الخبراء هذا التحول الايجابى إلى الاستثمارات المكثفة التي ضختها حكومة جنوب أفريقيا في مشروعات ضخمة للبنية التحتية. واعتبر التقرير أن من أسباب قوة اقتصاد جنوب أفريقيا إعادة تشكيل مؤسسات هامة في مجال الاقتصاد في الدولة مثل هيئة خدمات الدخل وبنك الاحتياطي الجنوب الأفريقي ولجنة المنافسة ومجلس التنمية الاقتصادية الوطنية والعمل، وبفضل ذلك تحسن مؤشرات الأداء الاقتصادى الكلى لجنوب أفريقيا فيما بين عامى 1994 و2014 حيث بات اقتصاد جنوب أفريقيا ينمو بنسبة لم تقل عن 2ر3 في المائة سنويا بدءا من العام 1994 وهو النمو الذي لم يكن تجاوز معدله 1 في المائة في احسن حالاته قبل هذا العام، وقفزت نسبة ارتفاع معدلات الاستثمار في جنوب أفريقيا من 15 ٪ في عام 1993 لتبلغ 24.8 ٪ من الناتج القومي الإجمالي في الربع الأخير من عام 2008 قبيل حدوث خالى الركود الاقتصادي في جنوب أفريقيا. كما كان التركيز على تلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين وتحقيق الكرامة للفقراء في صدر ولويات برنامج الإنماء الاقتصادى لجنوب أفريقيا خلال العشرين عاما الماضية حيث تصدي البرنامج للاحتياجات الملحة للشعب من سكن ملائم ومياه شرب نقية وكهرباء في كل أرجاء الدولة وبنية أساسية اجتماعية تشمل الرعاية الصحية والإصلاح الزراعي، لكن السلطات تقول إن ذلك لم يكن كافيا لعلاج ظلم هيكلي دام عقودا نتيجة الفصل العنصري وقوانينه. وتعين على الحكومة السماح لأعداد أكبر من السود ليكونوا لاعبين أساسيين في الاقتصاد وتم التوسع في هذا الاتجاه. ورسمت خطة التنمية الوطنية التي تدعمها خطة السياسة الصناعية ما يجب عمله لتحقيق تحول اقتصادي مستدام ويتركز الجهد المبذول في هذا المجال على الاستثمار الحكومي الواسع المستديم في البنية الأساسية لتسهيل النمو الاقتصادي على أن يرافق ذلك إستراتيجية تمويل دقيقة. كما ركزت خارطة طريق إصلاح اقتصاد جنوب أفريقيا خلال الأعوام العشرين الماضية على إعطاء الأولوية إلى توفير تعليم افضل للمواطنين والتوسع فيه بصورة جوهرية مع الربط بين المهارات التي تحتاجها المشروعات المختلفة والتعليم والتدريب لتهيئة الكفاءات التي يتطلبها الاقتصاد النامي، وركزت خارطة الطريق الجنوب أفريقية كذلك على تحسين كفاءة انفاذ القانون وتنحسين خدمات العدالة انطلاقا من أن تطبيق القوانين بكفاءة اساسى لتحسين مناخ الاستثمار. كما تم التركيز على زيادة تمويلات للتنمية الصناعية والمشروعات الصغيرة في إطار سياسة صناعية قوية تتمحور حول خفض معدلات البطالة وتعزيز التنمية الاقتصادية، وإضافة إلى ذلك راعت حكومات جنوب أفريقيا المتعاقبة منذ زوال النظام العنصرى في 1994 أهمية تحسين أمن الطاقة والتوسع في استخدام مصادر الطاقة الصديقة للبيئة باقل كلفة ممكنة وانتهاج سياسة ضرائبية تدعمها ابتكارات جديدة من بينها تشجيع الاستثمار الحكومي، كما يؤكد برنامج التنمية الوطنية في جنوب أفريقيا على أن الشراكة الفعالة بين كل فئات المجتمع هي وحدها السبيل إلى تزايد الثقة والاستثمار والتوظيف والإنتاجية والدخل.