تتجه أنظار العالم إلي جنوب أفريقيا بعد نجاحها في تنظيم كأس العالم والذي يعني رد اعتبار لهذه الدولة بعد سنوات عانتها من العنصرية كما ينتظر أن تجني كيب تاون عائدات اقتصادية ضخمة بعد ذلك. فعندما سقط النظام العنصري في جنوب افريقيا وتولي حزب المؤتمر الوطني الافريقي حكم البلاد في عام 1994 كان اقتصاد هذه الدولة علي وشك الافلاس بعد عقود طويلة من سوء الادارة والعقوبات الدولية والاضطرابات العنصرية العنيفة ولكن الامور تبدلت بعد ذلك حيث تضاعفت القيمة الحقيقية لصادرات جنوب افريقيا لتصل إلي 91 مليار دولار في عام 2008 بنسبة 33% من إجمالي الناتج المحلي أما نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي فقد زاد بأكثر من 25% خلال ذات الفترة في حين أنه كان يتناقص خلال العقدين السابقين علي انهيار العنصرية كذلك انخفض حجم الدين العام إلي النصف ليصبح 23% فقط من إجمالي الناتج المحلي عام 2008 أما التضخم الذي كانت معدلاته مكونة من رقمين طوال ثمانينيات القرن الماضي فقد هبط ليصبح 1.5% سنويا أي في حدود النسبة التي تستهدفها الحكومة الوطنية. ورغم أن هذه معدلات انجاز ليست رديئة ولكنها تعتبر متواضعة إذا ما قورنت بالمعدلات المماثلة في الاسواق الناشئة الكبري التي بدأت تقدمها من نقطة أدني. وفي العام الماضي أصاب الركود اقتصاد جنوب افريقيا لأول مرة منذ 17 سنة وانكمش إجمالي الناتج المحلي بنسبة 8.1% وبسبب السياسات المالية والنقدية الجيدة التي اتبعتها حكومات حزب المؤتمر الوطني والنظام المصرفي السليم استطاع اقتصاد جنوب افريقيا أن يتفادي الوقوع في معدل انكماش أعلي من ذلك خلال فترة الركود العالمي وهاهو الآن يعود إلي التعافي مدفوعا بجرعات الانفاق العام الكبيرة التي تطلبتها عملية الاستعداد لاستضافة مونديال 2010 حيث يتوقع معظم المراقبين أن يكون معدل النمو الاقتصادي في جنوب افريقيا هذا العام 3% أي أكثر مما استهدفته الموازنة الحكومية كمعدل نمو وهو 3.2% فقط كما أنه من المتوقع أن يرتفع هذا المعدل في العام القادم 2011 ليصبح ما بين 5.3 4% ومع ذلك فتلك معدلات أقل من أن توفر ما هو مطلوب من فرص العمل لاستيعاب كتائب العاطلين. والمعدل الرسمي المعلن للبطالة في جنوب افريقيا وصل إلي 25% وهو أعلي معدل في العالم. وقد اعتاد العمال غير المهرة العمل في المناجم والزراعة ولكن هذين القطاعين صارا من القطاعات الطاردة للعمالة، فقطاع المناجم في جنوب افريقيا لا يستوعب حاليا سوي 2،3% من جملة العمالة ولا ينتج سوي 3% من إجمالي الناتج المحلي بعد أن كانت هذه النسبة 14% في ثمانينيات القرن الماضي. أما الزراعة فلا تستوعب سوي 5،1% من الرقم الرسمي للعمالة ولا تقدم سوي 2،2% من إجمالي الناتج المحلي، وتعد الصناعات التحويلية قطاعا صغيرا نسبيا حيث لا تستوعب سوي 13،3% من العمال وتدر 15% من إجمالي الناتج المحلي. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن جنوب افريقيا في الاقتصاد مثل اشياء أخري كثيرة تعد بلد المتناقضات فتقرير التنافسية الصادر أخيرا عن المنتدي الاقتصادي العالمي وضع جنوب افريقيا ضمن أفضل 10 دول علي مستوي العالم. والسؤال الآن هو: هل يشفع نجاح جنوب افريقيا في تنظيم كأس العالم في محو الصورة السيئة عنها في زمن الفصل العنصري؟ وهل يمكن أن تترجم نجاحها هذا إلي نمو اقتصادي ورفاهية لشعبها بعد سنوات من القهر رغم أن اقتصادها يعاني من مشكلات عديدة، ولكن قد يصلح المونديال ما أفسده الدهر من تفرقة عنصرية. عبداللطيف الحنفي