روت "هبة" قصة يندى لها الجبين من داخل أروقة محكمة الأسرة، واستهلت بدايتها وصوتها يمتلئ بالمرارة، حينما قالت "دمّر حياتي وحياة ولادي بسبب البرشام والخيانة كمان"، وقالت "تزوجت منذ 6 سنوات، وأنجبت ولدين من زوجي، الذي كان يعمل سائق ميكروباص، ولم أكن أعلم في البداية تعاطيه لمخدر ال(ترمادول)، لكنه برر لى ذلك بقوله (دي برشامة واحدة.. علشان أتحمل السواقة وقرف الزباين.. وبعدين كل السواقين بيشربوا)"، مؤكدا أن المسألة بسيطة فصدقت زوجته حديثه، وكانت الحياة حتى ذلك الوقت على ما يرام. وتستطرد هبة "في بداية زواجنا كان بيتعاطى قدرا قليلا، وبعد 3 سنوات فوجئت بأن الكمية اللى كان بياخدها زادت لقرابة شريط، واستمر على ذلك حتى الآن رغم محاولاتي وتوسلاتي لإقناعه بالإقلاع عن تناول تلك السموم، وأصبح يترك البيت لفترات طويلة دون مصاريف كفاية، فساءت حالة المنزل، فضلًا عن أنه أصبح عصبيا للغاية، حتى أصبح الترامادول بالنسبة لنا خط أحمر، أنا وأولاده في كوم والترمادول في كوم آخر، حتى أصبح مدمنًا، ومن هنا بدأت معاناتي". وتضيف هبة: كنت أتحمل كثيرًا وأقول عسى الله أن يصلح حاله، ولم أكن أستطيع أن أبلغ أهلي بذلك، لأنهم فقراء و"على قد حالهم"، وخفت أن أحملهم أعباء إضافية، فكنت أتوسل إليه أن يترك لأولادة مصاريف زيادة، مش كل حاجة البرشام، وقلت له "حرام عليك ولادك"، فكان يقوم بضربي، ويسبني بأهلي، ويطردنى خارج الشقة أنا وأولاده، ولا يلتفت إلى بكائهم من تأثير المخدرات، وللأسف الشديد اعتاد على طردي، ولا أعلم أي مكان أذهب إليه بهم غير أهلي بعد أن أمنع الأولاد من حكاية ما حدث، واتحجج بأي شيء مخافة أهلي أن يعلموا سبب مجيئي إليهم وأقول "يمكن ربنا يهديه"، وكنت أرجع لوحدي، وكان ينسى كل ما حدث، أو ما فعله بي وبأولاده. وتكمل "هبة" ووجها تشوبه الحسرة والألم: "بقى جسمه نحيلا والسواد بقى حولين عينه من الإدمان حتى ولاده بقوا يستغربوا شكله اللى بقى مخيف"، وفي إحدى المرات بسبب إسرافة الشديد في تناول البرشام، قام بتقليل المصاريف التي كان يتركها لي وللأولاد، فقلت له "إنت عايز تجوّع العيال عشان البرشام"، فقام غاضبا وانهال عليّ بالإهانات وبالسباب، وأمسك برأسي ودفعها بقوة تجاه حائط الحجرة، محدثا بها شرخ، وأخذت الدماء تنهمر من رأسي جراء الضربة، وتركنى وذهب وسط بكاء أولادى، وهم يرونى لا حول لى ولا قوة، فأخذتهم بين ذراعى وأنا وهم نبكى على حالنا.. وبعد أن استجمعت قواى، لم يكن أمامى سوى الاتصال بوالدتى وأحكى لها ما أحياه من معاناة، فجاءت لإنقاذى مسرعة، بعد أن علمت بما حدث لى، وقامت باصطحابي إلى المستشفى القريبة لشقتى لإسعافى، إلا أنها بعدما حكيت لها معاناتى كاملة، رفضت أن نخبر أبى بذلك قائلة "معلش يا بنتى اتحملى، وبعدين البرشام ده مرض، ادعى ربنا يشفيه ويهديه"، وبالفعل لم يكن أمامى غير الصبر والدعاء له أن يشفيه، وكنت أقول لنفسى "إحنا أحسن من غيرنا". وتقول "هبة" وارتسمت على وجهها علامات الحسرة والألم: "في يوم قلت له سأذهب إلى أهلي أنا والأولاد في قضاء حاجة، فقال لى اذهبى ولم يعرنى اهتماما، فتأخرت حتى جاء الليل، فاتصلت به وطلبت منه أن يتركنى أبيت لدى أهلي هذه الليلة، ففوجئت بموافقته دون تردد، إلا أن أحد أقاربى ولديه سيارة بعد اتصالى بزوجى بساعة قال لى، أنا ذاهب بالقرب من شقتك ما رأيك لو أننى أخذتكم أنتى والأولاد معى إلى هناك، فوافقت على الفور رغم إصرار أبى وأمى في أن أظل عندهم حتى الصباح، وركبت أنا والأولاد السيارة مع قريبى، الذي أنزلنى بالقرب من شقتى، وعند دخولي الشقة فوجئت به وقد حول المنزل إلى وكر للسكر، والشرب، والدخان، وبصحبته نساء ورجال، يتعاطون البرشام والحقن، وهذا لم يخطر أبدا ببالى، ولم أكن أتوقعه يوما أن يصل الأمر به إلى هذا الحد، فخفت خوفا شديدا، خاصة أن أرى نظرات أولادى وهم يرتعدون من الحال التي وصل أبوهم إليها. أخذت أركض بأولادي نحو الموقف لأجد وسيلة مواصلات تقلنى إلى بيت أهلي، وأنا أرى حياتى أمامى تنهار، وفور رؤيتى لأبى ارتميت تحت قدميه، وحكيت له ما شاهدته وكل ما حدث، فقال إنه ليس هناك حل سوى الطلاق رغم تدخل أقاربى للصلح، وأملًا في الرجوع حتى لا يتربى الأولاد دون أبيهم، إلا أن أبى رفض تماما، وبعد أيام قمت بالاتصال به لطلب مصاريف لأولاده، لأن المدارس قد بدأت، وأنا أرى أبى دخله قليلا يكاد يكفيه هو وأمى وأخواتى البنات، لكنه رفض لكى يقوم بإزلالي حتى أرجع إلى الشقة. وتختتم هبة كلامها قائلة، لم أجد أمامى سوى أن أذهب إلى محكمة الأسرة، فأسرتى تنفق علىّ أنا وأولادي، وأعلم أنهم لا يستطيعون تحمل ذلك كثيرا، وقلت "هارفع قضية نفقة وخلع، وآمل من الله أن تصرف لى نفقة، أستطيع أن أنفق بها على أولادي، وأعوّض أبي بجزء من مصاريف المحامي في الدعوتين.