بينما تواصل جماعة "الإخوان المسلمين" ومَن يصطفون خلفها المواجهات الدامية لتشكل وسائل ضغط على المسار السياسي، الذي يتأهب للاستحقاق الثاني منه وأقصد الانتخابات الرئاسية، فقد سُربت معلومات عن ترتيبات حركية أقرها أحدث اجتماع للتنظيم الدولي للإخوان، والذي عقد بالأردن، وتحدث عنه لوسائل الإعلام الناطق باسمها حسين عبد الرحمن، بقوله: إن الاجتماع تطرّق للإعداد لمظاهرات 19 مارس وأنه يُعول عليها لإحداث "تطور نوعي" بالمشهد المصري، وهو الأمر الذي أكده في مصر محمود فتحي، رئيس حزب "الفضيلة"، وأحد داعمي ما يسمى "تحالف دعم الشرعية"، الواجهة السياسية والإعلامية للإخوان، حين زعم أنهم أعدوا العدة لما وصفه بالمفاجآت لهذه الموجة من المظاهرات الدامية. وبعدما اقتصر دعم الإخوان إقليميًّا على دولتي تركياوقطر، فقد دخل على الخط "لاعب ثالث" هو إيران، فوفقًا لمصادر سيادية فقد رصدت تمويلا من المخابرات الإيرانية لتنظيمات مسلحة تنشط بسيناء، وهي: التوحيد والجهاد، والرايات السوداء، وكتائب الفرقان، لافتة إلى أن هذه التنظيمات تلقت تدريبات على يد عناصر الحرس الثوري الإيراني، موضحة أن هناك مخططًا إيرانيًّا جديدًا بالتعاون مع "التنظيم الدولي للإخوان" وحركة "حماس" برعاية قطرية، لاستخدام عناصر ما يسمى "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني والموجود بالسودان، وتهريب عناصره عبر "درب الأربعين" جنوب مصر، للمشاركة مع جماعة أنصار بيت المقدس، لتصعيد العمليات الإرهابية من اغتيالات وتفجيرات، وذلك بالتزامن مع المظاهرات التي يعول عليها تنظيم الإخوان الدولي كثيرًا. كما حذرت المصادر من تزامن هذه الموجة من المظاهرات مع عمليات إرهابية تجري بالتنسيق مع تنظيمات السلفية الجهادية الموالية للإخوان وفي مقدمتها ما يسمى "أنصار بيت المقدس"، وهذا مجرد "الاسم الحركي" لميليشيات الإخوان المسلحة والتي أشرف على تأسيسها وتسليحها وتمويلها وحتى تدريبها القيادي الإخواني المحبوس خيرت الشاطر، بالتعاون مع القيادي محمد البلتاجي، لهذا فقد دعا التنظيم الدولي للإخوان هذه الجماعة (أنصار بيت المقدس) لتنفيذ عدة عمليات إرهابية نوعية بالتزامن مع موجة الاحتجاجات الراهنة. وحدد أعضاء ما يسمى "تحالف دعم الشرعية" و"التنظيم الدولي للإخوان" الهاربين خارج مصر يوم 19 مارس باعتباره ذكرى أول استحقاق انتخابي جرى عقب ثورة 25 يناير، بشأن الاستفتاء على مواد الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتحدثوا عن أهداف هذه المواجهة بأنها تسعى للضغط على السلطات، واستمرار اشتعال المواجهات الميدانية لعرقلة المسار السياسي، واستنزاف قوات الجيش والشرطة في مواجهات دموية سيسقط فيها ضحايا، وبالتالي يجري تسويق الأمر باعتباره استخدامًا مفرطًا للقوة، وانتهاكًا لحقوق الإنسان ومواثيق الأممالمتحدة، سعيًا إلى "تدويل الصراع" عبر عدة محافل. أهداف إيران وبالعودة لدخول إيران على خط المواجهة فينبغي الإشارة إلى أن الأمر تجاوز الخلافات المذهبية للسياسة البراجماتية التي يتسم بها "الإخوان" وملالي إيران، ودعونا نتساءل: ماذا يريد الإخوان من إيران؟ وماذا تريد طهران من مصر؟ الإجابة جاءت في سياق مقال كتبه قبل أعوام يوسف ندا مسئول التنظيم الدولي للإخوان الذي ينتمي للرعيل الأول للجماعة، ووصف فيه الخلاف مع إيران ونظام ولاية الفقيه بأنه "خلاف سياسي وليس عقديًّا"، وقبل ذلك سبقته تصريحات مهدي عاكف المرشد السابق لجماعة الإخوان، والتي عبّر فيها عن عدم ممانعته للمد الشيعي بالدول العربية والسنية، معللًا ذلك بأنها "بلد واحد وسط أكثر من 56 دولة سنية"، على حد تعبيره. وأجدد التأكيد أن التقارب الإخواني-الإيراني لا يكترث بخلافات مذهبية، لكنها حسابات السياسة، فتنظيم الإخوان الدولي يستخدم التقارب الإيراني لمعاقبة الإمارات التي أعلنت موقفا صارما ضد الإخوان، والسعودية التي تقود منظومة تحالف رباعي الخليج مع مصر ضد تفاهمات قطروإيران من جهة، ومخططات الدوحة مع الأمريكان والأتراك من جهة أخرى. أما ما تريده طهران من مصر، فالجواب بالغ البساطة، فهي تريد استنساخ تجربتها مع الكيانات الحركية الراديكالية مثل منظمة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، ومعها حركة (حماس)، وقبلهما (حزب الله) لتكمل ما سبق وسمّاه وزير خارجية إيران (الهلال الإسلامي) الذي تلوح به في وجه الغرب وإسرائيل، على خلفية مشروعها النووي من جهة، ومن الأخرى القيام بدور إقليمي يُعزّز موقفها في صراعها الملتبس والمزمن مع الغرب، والتغطية على ممارسات "نظام الملالي" القمعية داخليًّا. وإذا كان التنظيم الدولي للإخوان قد حسم أمره بالمضي في طريق العنف للنهاية، فإن المعطيات المواجهة على الأرض في ظل واقع سياسي جديد وإجراءات أمنية مكثفة، واستخدام تقنيات متطورة لرصد تحركاتهم وتحديد مواقعهم، لهذا يُدرك الإخوان أن ممارساتهم ستواجه بطرق أكثر صرامة مما كانت عليه الأمور سابقًا لأن من يتصدى لهم هذه المرة قوات مشتركة من الجيش والشرطة، وليس كما جرى في عقد التسعينيات نهاية القرن الماضي حين كانت الشرطة وحدها في المواجهة. ورغم التصعيد المستمر من قبل التنظيم الدولي على مسارات متوازية، من حشد وتعبئة المظاهرات التي انزلقت للعنف غير أن الخبراء يستبعدون قدرة الإخوان وأنصارهم السيطرة ميدانيًّا، فتلك المحاولات ستبوء بالفشل في ظل وجود القبضة الأمنية التي يدعمها "ظهير سياسي وشعبي"، وحتى إذا استطاعوا إثارة القلاقل لفترة، فلن يتمكّنوا من فرض إرادتهم على الواقع الجديد لأن المواجهة الحالية مع ممارسات العنف الإخوانية بالنسبة إلى مصر شعبًا وجيشًا وأمنًا وغيره، هي "مسألة وجودية"، وبالتالي سيفشل الإخوان مهما كان حجم الضحايا. والله المُستعان