متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    بشرى للموظفين.. 4 أيام إجازة مدفوعة الأجر    «مينفعش نكون بنستورد لحوم ونصدر!».. شعبة القصابين تطالب بوقف التصدير للدول العربية    مفاجأة جديدة في سعر الذهب اليوم الأحد 28 أبريل 2024    30 ألف سيارة خلال عام.. تفاصيل عودة إنتاج «لادا» بالسوق المصرية    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري للبيع والشراء اليوم الأحد 28 إبريل 2024 (آخر تحديث)    تحولات الطاقة: نحو مستقبل أكثر استدامة وفاعلية    أول تعليق من شعبة الأسماك بغرفة الصناعات على حملات المقاطعة    حزب الله يعلن استهداف إسرائيل بمسيرات انقضاضية وصواريخ موجهة ردا على قصف منازل مدنية    أهالي الأسرى يُطالبون "نتنياهو" بوقف الحرب على غزة    عاجل.. إسرائيل تشتعل.. غضب شعبي ضد نتنياهو وإطلاق 50 صاروخا من لبنان    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم عدة قرى غرب جنين    المجموعة العربية: نعارض اجتياح رفح الفلسطينية ونطالب بوقف فوري لإطلاق النار    مصدر أمني إسرائيلي: تأجيل عملية رفح حال إبرام صفقة تبادل    التتويج يتأجل.. سان جيرمان يسقط في فخ التعادل مع لوهافر بالدوري الفرنسي    حسام غالي: كوبر كان بيقول لنا الأهلي بيكسب بالحكام    تشيلسي يفرض التعادل على أستون فيلا في البريميرليج    ملف يلا كورة.. أزمة صلاح وكلوب.. رسالة محمد عبدالمنعم.. واستبعاد شيكابالا    اجتماع مع تذكرتي والسعة الكاملة.. الأهلي يكشف استعدادات مواجهة الترجي بنهائي أفريقيا    وزير الرياضة يهنئ الخماسي الحديث بالنتائج المتميزة بكأس العالم    المندوه: هذا سبب إصابة شيكابالا.. والكل يشعر بأهمية مباراة دريمز    لا نحتفل إلا بالبطولات.. تعليق حسام غالي على تأهل الأهلي للنهائي الأفريقي    مصرع عروسين والمصور في سقوط "سيارة الزفة" بترعة دندرة بقنا    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    بعد جريمة طفل شبرا، بيان عاجل من الأزهر عن جرائم "الدارك ويب" وكيفية حماية النشء    مصرع وإصابة 12 شخصا في تصادم ميكروباص وملاكي بالدقهلية    مصدر أمني يكشف تفاصيل مداخلة هاتفية لأحد الأشخاص ادعى العثور على آثار بأحد المنازل    ضبط 7 متهمين بالاتجار فى المخدرات    ضبط مهندس لإدارته شبكة لتوزيع الإنترنت    تعرف على قصة المنديل الملفوف المقدس بقبر المسيح    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    غادة إبراهيم بعد توقفها 7 سنوات عن العمل: «عايشة من خير والدي» (خاص)    نيكول سابا تحيي حفلا غنائيا بنادي وادي دجلة بهذا الموعد    تملي معاك.. أفضل أغنية في القرن ال21 بشمال أفريقيا والوطن العربي    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    انخفاض يصل ل 36%.. بشرى سارة بشأن أسعار زيوت الطعام والألبان والسمك| فيديو    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    ضبط وتحرير 10 محاضر تموينية خلال حملات مكبرة بالعريش    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    السفير الروسي بالقاهرة يشيد بمستوى العلاقة بين مصر وروسيا في عهد الرئيس السيسي    «الأزهر للفتاوى الإلكترونية»: دخول المواقع المعنية بصناعة الجريمة حرام    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    كيف تختارين النظارات الشمسية هذا الصيف؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    رئيس جامعة أسيوط يشارك اجتماع المجلس الأعلى للجامعات بالجامعة المصرية اليابانية للعلوم    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    شرايين الحياة إلى سيناء    جامعة كفر الشيخ تنظم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة    أمين صندوق «الأطباء» يعلن تفاصيل جهود تطوير أندية النقابة (تفاصيل)    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الاتجاهات الأربعة»:
الملامح الحاكمة لمستقبل النظام العربى فى عام 2014
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 07 - 2014

يمر النظام العربي بتحولات انتقالية سائلة ومتسارعة، منذ ثورات واحتجاجات 2011 وحتى منتصف 2014، والتي تتمثل أهم ملامحها في تصدع دور الدولة الوطنية وإضعاف دور أطر الحكم المركزية وتصاعد دعوات الفيدرالية (نظام الأقاليم) وتعثر المراحل الانتقالية وتزايد أدوار الفاعلين من غير الدول، والتي بدأت تسيطر على مناطق أو أجزاء واسعة من دول عدة مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن، والسعي لتكوين «إمارات إسلامية»، بما يؤدي إلى تزايد قوى عدم الاستقرار داخل النظام العربي. وإذا ما انتقلنا من رصد الأوضاع داخل الدول إلى رسم التفاعلات بين الدول، نجد بروز تحالفات سياسية بين قوى رئيسية عربية في مقابل تحالفات سياسية بين قوى عربية وأخرى غير عربية، فضلا عن استقطابات مذهبية عابرة للحدود الهشة.
في هذا السياق، يخصص مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية مساحة جديدة لصفحته بالأهرام، لإجراء دراسة بحثية مصغرة عن اتجاهات جارية أو تحولات استراتيجية أو تحديات غير مرئية أو قضايا معلقة أو تهديدات غير تقليدية، سواء كانت تخص مصالح مصر أو تشتبك مع مشكلات الإقليم أو تندمج في تطورات العالم. وهنا، يطرح د.معتز سلامة رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بالمركز أبرز المسارات المحركة لاتجاه التطورات الداخلية والتفاعلات البينية للنظام العربي خلال العام الجاري، لاسيما في ظل وجود لاعبين جدد وواقع جديد في طور التشكل، من المرجح أن يكون مغايرا لما اعتادنا على التعامل معه خلال السنوات الماضية، سواء على مستوى الفكر أو الحركة.
«المحرر»
قد يكون من قبيل الترف العلمى فى الوقت الراهن الحديث عن مستقبل النظام العربي؛ وذلك بعد أن أطاحت الأزمات والاحتجاجات والثورات التى مرت بها المنطقة بأى حديث علمى حول ذلك، فلم يعد السؤال الرئيسى يدور حول مستقبل النظام العربي، وإنما حول مستقبل الدولة والمجتمع والطائفة والقبيلة والعشيرة والأسرة والفرد، مع سيادة اتجاهات مناهضة للدولة، وطغيان دور الوحدات الأدني. ومع ذلك يبقى السؤال مطروحا نظريا على الأقل- عن مستقبل النظام العربي، وما إذا كان بإمكان هذا النظام أن يعاود تجديد ذاته، ويعيد تماسكه، أم أنه قد تصدع فعليا، ولا يمكن أن يعود إلى شكله السابق؟
تشير المؤشرات الأولية إلى أن النظام العربى الذى عُرف على مدى العقود السابقة قد انتهي، ولم يقم على أنقاضه حتى الآن نظام بديل بقيم وفلسفة جديدة، أو بتوزيع جديد لموازين القوي. والمتوقع أن يخلف هذا النظام أشلاء من مناطق فرعية متعددة ومتداخلة، مع بقايا ووحدات منسلخة عن وحدات داخله، بحد يجعل أغلب العلاقات العربية محكوما بحالة طغيان مكونات ما دون الدولة التى ستفرض ذاتها على المنطقة لفترة، فكثير من وحدات النظام المركزية انتهى دورها، وهى تدخل فى حالة انقسام وتفتت داخلى وفوضي، ولو خرجت موحدة بكيانها نفسه فسوف تكون مختلفة. فى ضوء ذلك، يتوقع أن يتأثر التطور المستقبلى للنظام العربى بمجموعة من الاتجاهات التى يمكن بلورتها فى أربعة أساسية على النحو التالي:
أولا: العصب الاستراتيجى فى النظام العربي:
سوف يصبح التحالف الناشيء بين مصر ودول الخليج ولفترة مقبلة بمنزلة العصب الاستراتيجى للمنطقة، والملمح الأساسى لبقائها فى شكلها النظامي، ولكن هذا التحالف يحتاج لتوصيف العلاقات داخله، فعلى الرغم من كثافة التفاعلات الخليجية مع مصر فى الآونة الأخيرة، فلم تتحول هذه العلاقات إلى البناء الاستراتيجى فى المستقبل، بما يفيد المنطقة والنظام العربي. وكانت العلاقات المصرية الخليجية توصف دوما من طرفيها بأنها علاقات استراتيجية، ولكن لم يجر العمل وفق هذا المعنى إلا فى ظروف استثنائية.
ولا يمكن الحديث عن علاقات استراتيجية من دون وجود أبنية تتأسس عليها هذه العلاقات، وإلى الآن هناك فراغ بين الرؤية الاستراتيجية للقيادات على الجانبين المصرى والخليجي، والتطورات على الأرض. إن إدراك استمرار القصور فى ذلك هو ما جعل السؤال الرئيسى فى الكثير من ورش العمل سواء فى القاهرة أو عواصم خليجية تتمحور فى الإجابة عن تساؤل «ماذا تريد مصر من دول الخليج وماذا تريد دول الخليج من مصر؟» فعلى الرغم من بساطة هذا السؤال إلا أن ترجمته على أرض الواقع يحتاج إلى وقت.
وسوف تجدد قدرة مصر على إعادة التماسك الداخلي، الثقة الخليجية فى مستقبل مصر ومستقبل الإقليم، وهو أمر مهم ليس فقط لضمان استثمار خليجى آمن، وإنما فى الرهان على نظام مصرى قوى يتمكن داخليا من التصدى لموجة خطر الإخوان المسلمين، ويتمكن خارجيا من إقناع دول الخليج بقدرته على تقديم المساعدة لها فى مواجهة التحديات البازغة. فلا يمكن للخليجيين الرهان على مصر فى حال بروز مخاطر استراتيجية على الخليج قبل أن تثبت قدرتها على حل أزمتها الداخلية أولا، وثانيا قدرتها على تقديم بديل للمسار الراهن بالإقليم العربي.
تحالف الضرورة
ومن المرجح ألا يكون هناك مشكلات بين مصر ودول الخليج حول النظام العربى أو تنافس على الزعامة، حيث إن فترة السنوات الأربع الماضية، تؤهل مصر للقيام بدور من نوع خاص، من المؤكد أنه محل ترحيب من الشركاء الخليجيين، فلقد تحملت دول الخليج أعباء النظام العربى فى فترة الثورات الحرجة، وكانت لها مواقفها التى تحسب لها، وكانت عليها أيضا مواقف اندفعت إليها بحكم نقص الخبرة فى إدارة الشئون العربية، أو للمفاجأة وصعوبة تقدير المعادلات فى ظل واقع إقليمى مضطرب، وهو أمر يمكن لمصر أن تساعد على تصحيحه. وعلى سبيل المثال، فإن مواقف دول الخليج من سورية تهدد حاليا بخلق جبهات اشتباك خليجية مع قوى مختلفة محتملة، منها العديد من قوى ما دون الدولة، ممثلة فى العشرات من التنظيمات والفصائل الإسلامية الجهادية على رأسها تنظيم داعش، فضلا عن آلاف المقاتلين الخليجيين الذين انضووا تحت عباءة هذه التنظيمات، ويمكن لمصر بخبراتها الأمنية والعسكرية والاستخباراتية أن تساعد دول الخليج والعالم العربى فى الحد من هذه الموجة الجديدة من الأخطار.
ثانياُ: التحالفات العربية العابرة بقيادتين إيرانية وتركية:
فى مقابل التحالف المصرى - الخليجى القائم فى عمق النظام العربي، توجد تحالفات أخرى فى النظام تستقطع جزءا من العالم العربي، وتربطه بالدولتين الإيرانية والتركية، فهناك التحالف الإيرانى مع دولتين كبريين فى الهلال الخصيب (العراق) والشام (سوريا)، ويتأكد يوما بعد آخر أن تحالفات النظامين العراقى والسورى مع إيران تكتسب طابعا استراتيجيا، بينما طبعت العلاقات بين كلتا الدولتين وباقى دول العالم العربى (خصوصا السعودية) بالعداء، مع ذلك فإن تحالف العراق وسوريا مع إيران ليس متواجها مع التحالف المصرى - الخليجي، لكنه يمكن أن يتطور إلى أشكال عدائية مستقبلا مع هذا التحالف.
تحالفات عكسية
وفى ذات الاتجاه الخاص بالتحالفات العابرة للنظام كملمح للواقع الراهن بالنظام العربي، هناك التحالف القطرى التركى - الإخواني، مع تقارب مع النظامين التونسى والسوداني، وهذا التحالف يسير تماما عكس التحالف الخليجى المصري، ويختلف عن التحالف السورى العراقى مع إيران، فى أنه لا يشكل تحالفا إقليميا خطرا فقط على منطقة الخليج، على غرار التحالف السابق، ولكنه يشكل خطرا فى قلب الخليج وعلى مجمل العالم العربي، ويقدم فلسفة ورؤية بديلة تتصارع مع فلسفة وعقيدة النظام العربى الرسمى.
وعلى الرغم من أن هذا التحالف ليس بالخطورة المادية التى يشكلها التحالف الإيرانى السورى العراقى على أرض الواقع، إلا أن خطورته الأساسية تتمثل فى أيديولوجيته المناقضة تماما لفلسفة وعقيدة النظام العربي، والمتصادمة مع هوية النظام. فليس لكل من قطر أو الإخوان المسلمين أو تركيا أى إمكانية للمواجهة مع قلب النظام العربى الرسمى الذى يتمركز حول التحالف المصرى الخليجى، ولكن خطورته فى أنه يشكل مصدر الخطر الداخلى الأساسى لهذا التحالف.
وإلى حد كبير، يمكن للتحالف القطرى التركى الإخوانى فى المنطقة العربية أن يطرح مجموعة من الأخطار المادية على الأرض، وأن يتطور خطره خلال الفترة المقبلة ممثلا فى شبكات الدعم والإسناد الإسلامية الجهادية، ومن ثم يتقاطع مع دوائر جهادية أخرى تضيف أعباء على الاستقرار السياسى فى المنطقة، وتتحين شبكات هذا التحالف فرص ضعف الدولة. وتتبدى خطورة هذا التحالف فى أنه يشكل دوما سيفا مسلطا على حالة الاستقرار الداخلي، ولديه أجندة مغايرة لهدم الأوضاع النظامية الداخلية التى يراقبها عن كثب، ويتحين الفرصة للانقلاب عليها. ولقد برزت بعض بوادر تطور الشقاق مؤخرا بين قطر والإمارات بعد أن قبضت الإمارات على ثلاثة قطريين بتهمة التجسس وتبعيتهم للاستخبارات القطرية، وأيضا فى اتهام البحرين لقطر بإغراء بعض مواطنيها وتجنيسهم بالجنسية القطرية.
ثالثاُ: دويلات الخلافة الافتراضية المتقاطعة:
كشفت التطورات داخل النظام العربى بعد الثورات عن تصادم ميدانى وفعلى بين شرعيتين، هما الشرعية النضالية، التى تأسس عليها النظام العربي، واستمدت منها الدول العربية مسمياتها منذ نشأة الدولة الحديثة فى الخمسينيات، والشرعية الإسلاموية، التى عاشت تحت عباءة الدولة الوطنية ولم تكن مؤمنة بعقيدة هذه الدوله، ثم انتهت إلى مواجهة مأزق تاريخي، حين فشلت فى إدارة الحكم فى أكبر بلد عربى (تجربة الإخوان فى مصر)، حيث كان من شأن ذلك تأكيد فشل المشروع الذى استثمرت فيه الصحوة الإسلامية على امتداد العقود.
ويمر النظام العربى الآن بفترة تصادم ميدانى على الأرض، وليس فقط أيديولوجيا بين الشرعيتين، فقد تمكنت بعض القوى والجماعات الإسلامية، من فرض ذاتها فى المناطق والدول الرخوة، مستغلة ظروفا متعددة فى تأكيد وجودها بهذه الدول. برز ذلك منذ مدة فى الصومال، والسودان، ومؤخرا فى كل دول الثورات (ليبيا واليمن وسورية وتونس ومصر)، وبرز أخيرا على نحو جلى فى العراق مع إعلان الدولة الإسلامية، وتنصيب أبو بكر البغدادى خليفة للمسلمين، مع خريطة دولة الخلافة التى تمتد من خراسان حتى الأندلس، مما يشير إلى أن مختلف الدول العربية سواء منها التى خضعت لغزو واحتلال، أو التى شهدت ثورة، أو التى تعرضت للتفكك والتجزئة، كلها أصبحت فضاءات لنشاط وتكاثر الجماعات الإسلامية بكل أطيافها، وهى جماعات تنظر للعروبة باستهجان وعداء وتعتبرها فكرة معادية للإسلام، ومن ثم هى متناقضة ومعادية تماما لأساس وجود النظام العربي. وقد توقع البعض مع إعلان دولة الخلافة أن تشهد المنطقة سلسلة من الحروب التى تطول، وتنتهى بسيطرة جغرافية عابرة للحدود بين دول عربية عديدة.
الحدود الرخوة
ومن المرجح أن يدخل النظام العربى لفترة مقبلة فى حالة صراع ودفاع عن هويته وفلسفة وجوده مع دول الكيانات والإمارات والخلافات الإسلامية، التى سوف يتكاثر الإعلان عنها فى أجزاء رخوة من الدول العربية القائمة؛ فهناك العديد من المناطق والبقاع المؤهلة لتكاثر نشاط الجماعات الإسلامية، ومن المرجح أن يقوم عدد منها بإعلان إمارات وخلافات مناهضة، وقد يتجه بعضها إلى الاقتتال، وهى حالة يمكن أن تستثمرها بعض الدول وتوظفها فى صراعاتها البينية، ولن تكون حالة انهيار الحدود بين سوريا والعراق هى الحالة الوحيدة فى المنطقة، بل قد يجرى الإعلان عن خلافات على استقطاعات أرضية بين دول عربية وبين دول عربية وغير عربية.
ويخفى الصراع الراهن بين منطق الدولة واللادولة فى العالم العربي، وصراعات الدول الرسمية مع دول الخلافات والإمارات الإسلامية الافتراضية، مركبات تحالف مختلفة بين قوى الدولة وقوى ما دون الدولة، فالعديد من عناصر تنظيم داعش هم من العسكريين البعثيين السابقين من عناصر جيش صدام، ومن منشقين من الجيش السوري، ومن مجاهدين خليجيين وسعوديين بالأساس، ومن المؤكد أن ظهور داعش وصراعاتها مع الفصائل السورية الجهادية الأخرى خصوصا جبهة النصرة، وتبنيها عقيدة قتال العدو القريب، يجعلها تصب فى مصلحة النظام السورى وإيران، لذلك من الأرجح أن تعيش ظاهرة «الدعشنة» أو «التدعيش» فى النظام العربى لفترة مقبلة. ومن المرجح أن يدخل العالم العربى فى حقبة من الصراع مع دويلات الجهاد الافتراضي، وسوف تتجه حروب الدول العربية ضد الإرهاب لأن تصبح رويدا رويدا فى قلب عقيدة النظام العربي.
وبالنسبة للتنظيمات الإسلامية ودويلات الخلافة الافتراضية والإمارات الجهادية، فإن قضيتها المركزية ليست القضية الفلسطينية أو إسرائيل، وليست قضية تقدم العالم العربى ونهضته، وإنما إعادته إلى الماضي، الذى يمثل النموذج الأنصع الذى يجب (وفقا لها) الامتثال له والتأسى به فى الحاضر. ويفيد ذلك بأن المنطقة العربية على مشارف مرحلة طويلة من الحرب مع الإرهاب، وقد بدأت هذه الحرب مع تبنى العديد من الدول العربية (السعودية والإمارات ومصر والأردن والمغرب والبحرين وتونس)، لقرارات وخطوات فيما يتعلق بالإشراف على المساجد والخطابة والممارسات الدينية.
رابعا: الاستقطاب المذهبى العابر للدول:
تشهد المنطقة العربية منذ فترة، وخصوصا مع تطور الوضع الداخلى فى سوريا، تنشيطا لحالة الاستقطاب الجهادى المذهبي، حيث نشأت العديد من الفصائل والتنظيمات على أسس مذهبية، وتنشطت حركة الجهاد الشيعى فى مقابل الجهاد السني، وحاربت قوات حزب الله والحرس الثورى الإيرانى وكتائب طائفية عراقية من عصائب أهل الحق وأبو الفضل العباس وفيلق بدر وغيرها دفاعا عن المراقد المقدسة فى سوريا. ويتسق الخطر الناشئ عن الاستقطاب المذهبى مع تحذيرات صدرت من عدد من الحكام العرب منذ سنوات، منهم الملك عبدالله الثانى فى عام 2004 الذى كان قد حذر من الهلال الشيعي، وأيضا الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى تحدث مؤخرا عن مخطط يهدف إلى «تقسيم المنطقة على أسس دينية وعقائدية وعرقية».
ووضحت ظاهرة الاستقطاب المذهبى بشكل وثيق مؤخرا فى العراق، فعلى مدى السنوات الماضية لم تحظ حكومة نورى المالكى برضا المراجع الشيعية، ورفضت مراجع النجف التقاء المالكي، ولكن ما إن أعلنت داعش عن سيطرتها على مناطق بالعراق، حتى أعلن الشيعة العراقيون اصطفافهم خلف المالكى وحكومته، بل دعا المرجعية الشيعية الاكبر آية الله على السيستانى إلى الجهاد. ففى 13 يونيو أصدر السيستاني، فتوى بوجوب حمل السلاح للجهاد دفاعًا عن المقدسات وضد من سماهم الإرهابيين فى العراق داعيا أتباعه بوجوب الانضمام إلى قوات الأمن تحت قيادة المالكي. وتتابعت فتاوى المشايخ الشيعة فى العراق بوجوب الجهاد ضد من سمتهم الإرهابيين، ونقلت صور عديدة لمشايخ دين شيعة حملوا السلاح عملًا بالفتوى وحثًّا للناس على حمل السلاح والانضمام إلى قوات الأمن دفاعًا عن المقدسات.
الجهاد المذهبي
وعلى الرغم من أنه لم تحدث حتى الآن مواجهات كبرى على أساس المذهب، ولم تتطور الظاهرة على نحو مقلق، إلا أن الأخطر هو بداية تفاعل القواعد السنية والشيعية مع هذه الحالة. ففيما يتعلق بالتنظيمات الجهادية السنية، فإنها تعطى أولوية لمقاتلة العدو القريب على العدو البعيد، وحينما سئل تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش»، عن عدم قتالهم إسرائيل وقتالهم لأبناء العراق وسوريا، قالوا إن الله لم يأمرنا بقتال إسرائيل أو اليهود حتى نقاتل المرتدين والمنافقين، وأحالوا الجواب إلى أبى بكر الصديق الذى وفقا لهم «قدم قتال المرتدين على فتح القدس» واستشهدوا بصلاح الدين الأيوبى الذى قال: «لا أقاتل الصليبيين وظهرى مكشوف للشيعة». وبشكل عام، فإن الاستقطاب المذهبى هو تابع لقضايا وخلافات أخرى كثيرة على الأرض، فلم يكن تنظيم داعش يحقق ما أعلن عنه دون سند أرضى من قبائل السنة فى العراق، وهو ما أوجد أرضية مجتمعية للتنظيم بحصولهم على دعم مسلحى العشائر و«المجالس العسكرية». وهو أمر لا يمكن تصور حدوثه فى أى بلد آخر دون توافر أسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية مهيئة ومشجعة.
وفى ضوء الاتجاهات والقضايا الأربع السابقة، يتوقع أن يمر النظام العربى بمرحلة من عدم الاستقرار الإقليمي، التى سيكون أساسها الصراعات المتقاطعة بين قوى الدولة وقوى اللادولة فى العالم العربي، وتتمثل معضلته الرئيسية فى أن قوى اللادولة تجد سندا من تحالفات مركبة مع قوى الدولة، ومع قوى إقليمية ودولية مختلفة، وهو ما يمكن أن يطيل أمد الصراع. ومن المرجح أن تنتهى هذه الحقبة من عمر النظام العربى بفقدان بعض الدول وجودها ونشأة كيانات على أنقاضها أو كيانات بينية من أجزاء من دول عربية مختلفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.