كثيرون من المصريين، للأسف، خصوصا فى الإعلام المصرى ما زالوا يعيشون وهم الانتصار للثورة السورية، دون أن يدروا أن هذه الثورة تمت سرقتها، تماما على نحو ما سرق الإخوان وحلفاؤهم من السلفيين ثورة 25 يناير. ربما يكون سبب ذلك أن السرقة «الإخوانية - السلفية» لثورة 25 يناير كانت واضحة وظاهرة، لأن الإخوان نجحوا فى اقتناص السلطة فى لحظة فارقة من حياة الثورة فى غيبة من كل القوى والأحزاب المدنية الديمقراطية وقبلها القوى الثورية، فى حين أن سرقة الثورة السورية من جانب القوى والحركات الإسلامية نفسها تقريبا ليست ظاهرة، لأن النظام فى سوريا لم يسقط، وتمكن من الصمود، لكن لم يعد شعار القوى التى تقاتل من أجل إسقاط النظام السورى هو إقامة دولة العدل والحرية وتحقيق «العيش، والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية»، لكن إقامة دولة «الخلافة الإسلامية». لقد توارى ما سمى ب«الجيش السورى الحر»، الذى جرى تأسيسه بدعم عربى «خليجى فى الأساس»، وإقليمى «تركى»، ودولى من منشقين عن الجيش السورى ومتطوعين سوريين وعرب، وأصبحت الغلبة للتنظيمات الجهادية والإرهابية التى يمكن تصنيفها إلى ثلاث مجموعات: أولها «تنظيم القاعدة»، ويمثله فى سوريا ما يعرف ب«جبهة النصرة» التى تخضع لزعامة أيمن الظواهرى مباشرة، وثانيها «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» (داعش)، وثالثها، «الجبهة الإسلامية» التى تضم تحالفا واسعا يجمع تنظيمات عدة أبرزها: «الاتحاد الإسلامى لأجناد الشام» و«جيش المجاهدين»، و«فيلق الشام» و«ألوية الفرقان». وكما توارى وزن ودور «الجيش السورى الحر» أمام سطوة هذه المنظمات الجهادية التى تمارس الإرهاب، تراجع أيضا وزن جماعة الإخوان، وأصبح دورهم هامشيا فى القتال الدائر فى سوريا، الذى لم يعد قتالا ضد النظام السورى فقط، بل قتال، أولا ضد «الجيش السورى الحر» وضد بعضها البعض من أجل فرض السيطرة، ومن أجل فرض مشروعها السياسى، بعد أن أصبح ما يسمونه ب«الجهاد فى سوريا» امتدادا ل«جبهة الجهاد العالمى» الواسعة الممتدة فى دول عربية وإسلامية، وتستقطب عناصر جهادية من كل أرجاء العالم، خصوصا من أوروبا وروسيا. وسط هذا كله كان لا بد أن ينشأ صراع من نوع آخر، وأعنى الصراع بين القوى الداعمة والممولة لهذه المنظمات من ناحية حول من تكون له الغلبة والكلمة العليا فى إدارة شؤون الأزمة السورية وتوجهاتها، وصراع آخر بين هذه القوى الداعمة والممولة وبين تلك المنظمات الجهادية من ناحية أخرى حول من يوجه من، ومن يقود من: الممول والداعم أم من يخوض القتال الداخلى؟ شبكة شديدة التعقيد من «الصراعات البديلة» فرضت نفسها بقوة على الأزمة السورية، وكانت لها مخرجاتها الأشد فداحة على هذه الأزمة. فاستقطاب هذه المنظمات الجهادية لآلاف من العناصر الجهادية من خارج سوريا للقتال داخل سوريا، بعضها من دول عربية وإسلامية، وبعضها الآخر من أوروبا وروسيا وأمريكا، الأمر الذى زاد من مخاوف هذه الدول على أمنها فى حال عودة هؤلاء المجاهدين إلى بلدانهم، كما أن نجاح المنظمات الجهادية التى تمارس الإرهاب فى امتلاك ناصية القتال فى سوريا أدى إلى تحولات فى مواقف أطراف دولية، خصوصا الولاياتالمتحدة وأوروبا بخصوص من سيكون البديل لنظام الرئيس بشار الأسد، وهذه التحولات كانت لها مردودها المباشر على تراجع الدعم العسكرى الأمريكى والأوروبى للمعارضة السورية، وتراجع الحل العسكرى لصالح الحل السياسى، وبالذات من جانب الولاياتالمتحدة، مما أدخل الأطراف العربية الداعمة للمعارضة فى مأزق صعب بعد أن وجدت نفسها مسؤولة مباشرة عن إيجاد حل عسكرى يصعب تحقيقه فى ظل تحول ميزان القوى العسكرى الداخلى لصالح النظام، وفى ظل انشغال المنظمات الجهادية فى حروبها ضد بعضها البعض على نحو ما يحدث الآن بين تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» الموالية للقاعدة، وكذلك «الجبهة الإسلامية» المدعومة بالأساس من السعودية. وصول الأزمة السورية إلى طريق مسدود يفرض على مصر أن تتحرك ليس فقط بدافع المسؤولية المصرية المباشرة عن مستقبل دولة شقيقة يرتبط أمن مصر بأمنها، لكن أيضا لأن الصراع بين المنظمات الجهادية الإرهابية، خصوصا بين تنظيم «داعش» وتنظيم القاعدة ممثلا فى جبهة النصرة بدأ يأخذ أبعادا عربية وعالمية حول من سيكون زعيم «الجهاد العالمى» هل «داعش» أم «القاعدة». تصريحات من يسمى ب«أبو محمد العدنانى»، المتحدث باسم «داعش»، كشفت عن مدى ضراوة الصراع بين «داعش» و«القاعدة» حول من منهما سيقيم دولة الخلافة، ومن سيقود الجهاد العالمى خارج سوريا، لكنها كشفت أيضا حقيقة نيات «داعش» نحو دول عربية وإقليمية مهمة فى مقدمتها مصر والسعودية وإيران. فقد حمَّل هذا «العدنانى» أيمن الظواهرى زعيم القاعدة مسؤولية منع «داعش»، فى فترة خضوعها لزعامة القاعدة، من التمدد والقتال وضرب من سماهم ب«الروافض فى إيران» و«ترك آل سعود فى بلاد الحرمين ينعمون بالأمن مستفردين بعلماء الأمة»، وبسبب القاعدة لم تتدخل «داعش» فى مصر أو ليبيا أو تونس، وظلت تكظم غيظها، وتكبح جماح جنودها على مر السنين. ما يفهم من تطاول قادة «داعش» على القاعدة وزعيمها أيمن الظواهرى أنهم سينفذون ما ظلوا يأملونه على مدى سنوات مضت، أى القتال داخل الدول التى حرموا من القتال والجهاد داخلها ومنها مصر بالطبع، وهذا يفرض علينا سؤالا: هل ننتظر إلى أن يأتى هذا التنظيم الإرهابى هو الآخر ليمارس إرهابه فى مصر؟ وكيف لنا أن نحمى مصر منه: هل من داخل مصر أم من قلب سورياوالعراق ليس فقط أمنيا بل وأيضا سياسيا؟ وهل سنبقى على وهمنا بأن ما يحدث فى سوريا الآن ثورة تستدعى تضامننا أم آن الأوان لنتحرك من أجل إنقاذ سوريا؟ أسئلة مهمة كثيرة ما زالت دون إجابة أو اهتمام.