على مدى يومين ماضيين، سلط العالم العربي أنظاره على مدينة مراكش المغربية والعاصمة العراقيةبغداد، حيث شهدت المدينتان في آن واحد مؤتمرين هامين، أحدهما الدورة ال31 لمجلس وزراء الداخلية العرب والآخر المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب ،بتركيز على موضوع رئيسي واحد هو "مكافحة الإرهاب". ورأى خبراء صينيون أن المؤتمرين عقدا في وقتهما تماما، إذ تواجه الدول العربية تحديات أمنية كبيرة تتمثل في اتساع موجة الإرهاب في بعض الدول العربية, سواء في مصر بواسطة تنظيم الإخوان الإرهابي, أو في العراق بواسطة جماعة داعش, فضلا عن استمرار العنف وسقوط آلاف القتلى في سوريا, وعدم استقرار الأوضاع الأمنية في ليبيا واليمن. وأكد الخبراء الصينيون أن انعقاد المؤتمرين أرسل إلى الداخل والخارج رسالة قوية بأن الدول العربية تأخذ مسألة مكافحة الإرهاب مأخذ الجد وتعتزم تعزيز التعاون الأمني إقليميا ودوليا وتحصين المنطقة من مخاطر الإرهاب لضمان أمن واستقرار الشعوب العربية، لافتين في الوقت نفسه إلى أهمية إزالة التربة الخصبة لنمو الوباء الإرهابي واتخاذ إجراءات لتحسين مستوى حياة الشعوب وتجفيف منابع الإرهاب من خلال معالجة أسبابه. أوضاع مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط لا تدعو إلى التفاؤل وأشار ما شاو لين خبير شؤون الشرق الأوسط إلى أن أوضاع مكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة لا تدعو إلى التفاؤل، إذ أنه منذ الحرب ضد الإرهاب بتوجيه الغرب بعد حادث "11 سبتمبر" حتى الآن، لم تهدأ الأعمال الإرهابية فحسب، بل تتصاعد وتيرتها بشكل أشد في بعض الدول والمناطق، ولا سيما بعد ما يسمى ب"الربيع العربي" وتدهور الأوضاع السياسية والأمنية في عدد من الدول العربية، وهي الأوضاع التي أدت إلى تصاعد منحنى الإرهاب من ناحية وتعقيد طرق مكافحته من ناحية أخرى. وأرجع ما شاو لين أسباب تفاقم الإرهاب في المنطقة إلى اضطرابات مرتبطة بالنزاع السياسي، مشيرا إلى أن بعض الدول في المنطقة تفقد الجبهة الموحدة لمكافحة الإرهاب تدريجيا، الأمر الذي أوجد تربة خصبة ومناخا ملائما للمجموعات المتشددة لتنظيم صفوفها. ومن جانبه، توقع تيان ون لين المحلل السياسي من المعهد الصيني للعلاقات الدولية المعاصرة أن تظل التهديدات الإرهابية قائمة على المدى القريب في ظل المتغيرات الكبرى التي تحيط بالعالم العربي. وأوضح أن بعض الدول العربية، مثل مصر وتونس واليمن وليبيا، لاتزال في مرحلة انتقالية صعبة، فلا يمكن للحكومات المركزية أن تركز جهودها الكاملة على محاربة الإرهاب. كما تساعد المشاعر المتزايدة من خيبة الآمال وعدم الارتياح لدى الشعوب المجموعات المتشددة على نشر أفكارها المتطرفة وتجنيد أعضاءها. وأشار تيان ون لين إلى أن تيار "الإسلام السياسي" يقوي من القوى الدينية المتطرفة، إذ أن القوى الإسلامية في بعض الدول العربية التي شهدت تغيرات كبرى، مثل تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، تزداد قوتها،الأمر الذي يساعد على انتشار التيار الفكري الديني المتطرف وزيادة نفوذ القوى الدينية المتطرفة. وعلى الرغم من أن بعض الدول العربية، مثل مصر والإمارات والسعودية والكويت، عملت على قمع نفوذ جماعة الإخوان المسلمين منذ عام 2013 ، بما في ذلك إجراءات إدراج الجماعة كمنظمة إرهابية، لكن الرياح المعاكسة تزداد مع إمكانية ركوب تلك القوى الخطر في حالة اليأس. وأكد تيان ون لين أن تنظيم القاعدة ضعف إلى حد كبير بعد مقتل زعيمه الروحي بن لادن، لكنه لم يهزم تماما، وعاد تهديده مرة أخرى وهناك مجموعات وفروع تنتمي إليه تترسخ في أماكن أخرى مثل اليمن والعراقوسوريا والصومال ومالي، لذا فمن الصعوبة بمكان حل هذه الأزمة على الأمد القصير، إذ أن نفوذ الجماعات الإرهابية بدأ يتزايد في المنطقة ويشكل تهديدا ضخما لشعوبها. معايير الولاياتالمتحدة المزدوجة إزاء الإرهاب شجعت على تطوره شنت الولاياتالمتحدة حربا على الإرهاب من خلال الطريقة العسكرية بعد حادث "11 سبتمبر"، وتوغلت بشكل طائش في دول سيادية تختلف ثقافاتها وتقاليدها تماما عنها، ولعبت لعبة "الكر والفر" باستخدام الآلات العسكرية الحديثة مع تنظيم القاعدة، ويبرهن الواقع على أن هذا القرار ليس حكيما في أصله. والآن، مع انسحاب الولاياتالمتحدة من أفغانستانوالعراق، أصبح عصر "11 سبتمبر" على وشك الدخول إلى التاريخ، إذ أنه من الصعب أن تواصل طريقها في "الحرب ضد الإرهاب". وأشار ما شاو لين إلى أن اعتماد الولاياتالمتحدة المفرط على القوة العسكرية في حملة مكافحة الإرهاب فشل في اقتلا ع قواعد الإرهاب، ليس هذا فحسب، بل عمل على تغذية وإثارة المشاعر المعادية للولايات المتحدة والغرب، بالإضافة إلى نشر التطرف في الدول والمناطق المحيطة. وأشار تانغ تشي تشاو الخبير في معهد غربي آسيا وشمالي إفريقيا في أكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية إلى أن استمرار الولاياتالمتحدة في تبنى معايير مزدوجة في حملتها لمكافحة الإرهاب ، لا يضع عدالة جهود مكافحة الإرهاب محل شك فحسب، بل عمل على تقويض التنسيق والتعاون الدوليين. وحتى الآن، لم ينخفض عدد الهجمات الإرهابية التي دبرها ونفذها الإرهابيون على الإطلاق ، ويبدو أن هناك المزيد من محاولات الهجوم الإرهابي والخطط الإرهابية. وأكد تانغ تشي تشاو أن إصرار الولاياتالمتحدة وبعض الدول الغربية على تبني معايير مزدوجة إزاء مكافحة الإرهاب نابع في الحقيقة من تحاملهم المتأصل ضد دول المنطقة وغطرسة تدفعهم للاهتمام بمصالحهم فقط، ما يؤكد تدخلهم في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. الوقاية" من الإرهاب أهم من "اقتلاع جذوره" ولفت تيان ون لين إلى أن مقتل أسامة بن لادن لم ينه التهديدات الإرهابية. وهذا يدل على أنه من المستحيل تجنب وقوع الهجمات الإرهابية تماما. ويشبه مكافحة الإرهاب بعلاج المرض. إذ أن الفيروسات موجودة ولايمكن القضاء عليها تماما، لكن على الأقل يمكننا أن نتخذ إجراءات فعالة للوقاية منها. وأوضح أن ذلك يعنى انه لابد من إزالة التربة الخصبة لتفشي الوباء الإرهابي ، ويمكننا أن نبني مجتمعا لا يخضع للقوى الإرهابية، من خلال تحديد إستراتيجية شاملة للوقاية من الأعمال الإرهابية ، وإيلاء اهتمام كبير بتطوير الاقتصاد، وبذل جهود حثيثة بغية رفع مستوى معيشة الشعوب، من أجل القضاء على الفقر الذي يعد أحد أسباب صناعة الإرهاب. وأشار إلى تيا ون لين إلى أن معظم عدد السكان في الشرق الأوسط من الشباب، ويعتبر هؤلاء من الفئات الرئيسية للتجنيد من قبل المجموعات المتطرفة والإرهابية، ولو تمكن هؤلاء الشباب من تلقي المزيد من الفرص في المجالات السياسية والاقتصادية، سوف يندمجون في مجتمعات دولهم، بعيدا عن إغراء التيارات المتطرفة وبالتالي تجفيف منابعها. الصين قطب مهم في مكافحة الإرهاب وقال ما شاو لين إن الإرهاب عدو عالمي عانت الصين منه أيضا. وأشار إلى الهجوم الإرهابي الأخير الذي وقع في محطة القطار بمدينة كونمينغ وأدى إلى مقتل 29 مواطنا وإصابة 146 آخرين وقبله حادث الميدان السماوي "تيان آن مين". وأكد ما شاو لين أن هذه الهجمات الإرهابية ضد المواطنين قد تجاوزت حد الصراعات العرقية أو الدينية، مشددا على أن مثل تلك الأعمال الإجرامية والإرهابية لا يمكن أن تسمح بها أي دولة بموجب حكم القانون، وتتعارض أيضا مع تعاليم الدين الإسلامي الذي يؤكد على السلام وقيمة الحياة الإنسانية. وأشار تانغ تشي تشاو إلى أن التناغم الاجتماعي والاستقرار أساسيان للمصالح الأساسية للدولة والشعب، ولن يسمح الشعب الصيني للإرهاب بتقويض حياته السعيدة وازدهار الدولة. وأكد أن الصين هي قطب مهم في مكافحة الإرهاب، وتتمتع بخبرات وافرة في هذا المجال. ولكن لا يمكن لأي دولة أن تكافحه بمفردها، فهو يتطلب معايير مشتركة وتعاون من الدول الأخرى. لذا تتعاون الصين مع بعض الدول والمنظمات بشكل جيد. وأضاف أن التبادلات الاقتصادية الصينية مع دول الشرق الأوسط تزداد، والاستقرار والأمن في الشرق الأوسط يخدمان المصالح الصينية، لذلك فلا يمكن أن تقف الصين مكتوفة الأيدي بعيدا عن نزاع الشرق الأوسط. وتحتاج الصين إلى تعزيز التعاون والتنسيق مع حكومات دول الشرق الأوسط ودعمها في مكافحة أعمال العنف الإرهابية، وهو ما يصب في مصلحة الطرفين.