رأي خبراء ومحللون سياسيون صينيون إن الجيش الأمريكي ذاق طعم النجاح والفشل في آن واحد عندما شن يومي الجمعة والسبت الماضيين حملة مزدوجة "لمكافحة الإرهاب" في ليبيا والصومال، إذ نجح في توقيف عضو تنظيم القاعدة المطلوب أبو أنس الليبي بالعاصمة طرابلس ، فيما أخفق في اعتقال أو قتل إرهابي شيشاني في حركة "الشباب المجاهدين" استهدفه في الصومال. ويرى المحللون الصينيون، في تقارير بالصحف المحلية وتليفزيونية اليوم الاثنين تضمنت تعليقات سياسية بشأن التوجهات الأمريكية بشأن هذه الإشكالية، أن "الحملة، التي جاءت بعد أسبوعين فقط من الهجوم على مركز التسوق، ويستغيت، في كينيا، كشفت عن رد فعل سريع، ولكنهم استبعدوا في الوقت نفسه توقعات مبالغ فيها لتأثير هذا "النجاح الرمزي"، وأنه نظرا لتضارب البيانات من جانب واشنطنوطرابلس بشأن شرعية وعدالة الحملة الأمريكية في دول المنطقة، فثمة ما يشير إلى استمرار الإشكالية الأخلاقية المتمثلة في استهداف الولاياتالمتحدة لشخص خارج الحدود الأمريكية في إطار "مكافحة الإرهاب ".. هل هو "إرهابي أم مواطن؟"، على حد قول المحللين الصينيين. ويضيف المحللون الصينيون أن "الليبي" يشبه إلى حد كبير زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن ويعتبر قائدا كبيرا داخل التنظيم منذ انضمامه إليه في السودان، كما حظي بإعجاب بن لادن شخصيا"، هكذا وصف محلل عسكري أمريكي، أبو أنس الليبي، واسمه الأصلي نزيه عبد الحميد الرقيعي، الذي تتهمه واشنطن بالمسؤولية عن تفجير السفارتين الأمريكيتين في تنزانيا وكينيا عام 1998، حيث لقي توقيف الليبي ترحيبا حارا لدى وسائل الإعلام الأمريكية، إذ ترك تفجير السفارتين، والذي يعد من أشد حوادث العنف ضدالأمريكيين خارج أراضيهم، جرحا غائرا لا ينسى بالنسبة للشعب الأمريكي، إذ تسبب في مقتل 224 شخصا. وفي السياق، قال تشاو لينغ، الخبير العسكري الصيني في جامعة الدفاع الوطني الصينية، إن نجاح عملية توقيف أبو أنس الليبي "يضع نهاية" لهذه القضية التاريخية و"يضمد جرح الشعب الأمريكي، فيما أضاف هوا لي مينغ، سفير الصين السابق لدى إيران والخبير بشؤون الشرق الأوسط، إن الحملة، التي جرت وسط معارضة مستمرة بين المواطنين الأمريكيين لأي عملية عسكرية خارج البلاد، كشفت عن عزم إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما المضي قدما في هذا الصدد، متوقعا أن "تستمر الموجة الجديدة من العمليات العسكرية الأمريكية لمكافحة الإرهاب وتتوسع إلى دول أخرى". ويرى هوا أن "الحملة تمت على خلفية الهجوم على مركز التسوق، ويستغيت، في العاصمة الكينية نيروبي، وقد تدشن مرحلة جديدة من عمليات أوسع نطاقا وأكثر دقة في أفريقيا، وبعد توقيف الليبي، تطلع محللون إلى الحصول على "معلومات دقيقة" وربما هي مفتاح للوصول للهيكل تنظيم القاعدة نظرا لأنه من خبراء التكنولوجيا في تنظيم القاعدة . من جانبه قال وو جين هواي، خبير شؤون مكافحة الإرهاب بالجمعية الصينية لنزع السلاح ومنع التسلح، إن الطبيعة الجديدة للجماعات الإرهابية تتمثل في هيكل "قاعدي" وليس "هرميا"، بمعنى أن الجماعات الفرعية يمكنها العمل بدون "الزعيم الأكبر".. مشيرا إلى إلى أن العملية التي تمت في ليبيا ما هي إلا "نجاح رمزي آخر" بعد قتل بن لادن، موضحا أن "التوقعات بتحقيق اختراق كبير مبالغ فيها". وأشار التقرير الصيني بعد سقوط مروحية أمريكية طراز "بلاك هوك" في الصومال عام 1993، خففت واشنطن عملياتها العسكرية في هذا البلد الغارق في فوضى إلى حد كبير، ولذا، تعد العملية العسكرية الأمريكية الأخيرة في الصومال الأكبر في سنوات .. ومع إخراج فيلم "بلاك هوك داون" السينمائي الشهير، الذي سجل ذلك الحادث المرعب بالتفصيل، أصبحت الصومال "كابوسا كبيرا" بالنسبة للجنود الأمريكيين وحتى للمواطنين العاديين. وفي هذا الصدد، قال الخبير تشاو إن فشل هذه العملية في تحقيق هدفها النهائي يعود إلى الحذر الشديد في العمل العسكري بهذه المنطقة، مشيرا إلى الأخبار التي أفادت بأن "القوات الأمريكية حاولت تجنب وقوع خسائر في صفوف المدنيين، وانسحبت بعد أن أحدثت بعض الخسائر البشرية في حركة الشباب"، أو "اضطرت للانسحاب قبل التأكد من مصرع الهدف". وأضاف خه لينغ لينغ، المحلل العسكري بقناة "فنغ هوانغ" التليفزيونية الصينية، أن الصومال عادت إلى بؤرة الضوء مجددا بعد كارثة مركز التسوق في كينيا في سبتمبر الماضي، ما أضاف إلى مشاعر القلق إزاء تغلغل الإرهاب من جديد في "المناطق الإرهابية التقليدية" امتدادا من غرب آسيا إلى وسط أفريقيا .. مضيفا أن الصومال تعد "الجبهة الأمامية الشرقية" ل"القوس المضطرب" الممتد من مالي في الغرب ونيجيريا في الوسط والصومال في الشرق. وقال تشاو أن "الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب كانت تركز على منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وتطلب الوضع الجديد منها توسيع الجهود إلى مناطق أوسع وبلدان أكثر فوضى، لاسيما بعد تزايد العناصر الخطرة الخارجة عن السيطرة، وبالإضافة ذلك، رأى تشاو أن خطورة التهديدات الإرهابية ضد الأجانب في المنطقة تصاعدت، مشيرا إلى البيان الصادر عن حركة الشباب المجاهدين المتطرفة بعد كارثة "ويستغيت" والذي جاء فيه أن الهجوم عبارة عن انتقام من العملية العسكرية الكينية في جنوب الصومال، "ولن يكون الأخير". وأوضح التقرير الصيني أن هناك تضارب البيانات بشأن الحملة العسكرية التي شنتها القوات الخاصة الأمريكية في العاصمة الليبية طرابلس، إذ أعلنت واشنطن أن العملية جرت بموافقة الحكومة الليبية، فيما أعلن مكتب رئيس الوزراء الليبي علي زيدان في بيان أنه "منذ سماع النبأ تواصلت الحكومة الليبية مع السلطات الأمريكية وطلبت منها تقديم توضيحات"، مضيفا أن طرابلس "تتابع الأنباء المتعلقة باختطاف أحد المواطنين الليبيين المطلوب لدى سلطات الولاياتالمتحدةالأمريكية بزعم علاقته بتفجيرات السفارة الأمريكية بنيروبي ودار السلام منذ سنوات". وأثار هذا التضارب تساؤلات عن شرعية العملية الأمريكية، وكشف مجددا عن استمرار الإشكالية الأخلاقية في إستراتيجية واشنطن "لمكافحة الإرهاب" والمتمثلة في العمليات أحادية الجانب ضد أشخاص خارج الحدود الأمريكية، وفي هذا الإطار، قال المحلل هوا إن "دول العالم، وفي مقدمتها دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تحتاج في الحقيقة إلى مساعدة خارجية في هذا الصدد نظرا لأنها لا تمتلك التكنولوجيات المتقدمة في قطاعي الاستخبارات والتخطيط العسكري". بدوره، لفت لي وي، مدير مركز أبحاث مكافحة الإرهاب بمعهد الصين للدراسات الدولية، إلى أن "آلية التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب" التي نشأت بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، "موجود بالاسم فقط، وأحيانا تبتعد عن هدفها الأصلي"، مشيرا إلى أن "الأممالمتحدة لا تلعب دورا مناسبا في صياغة الهيكل الواقعي لدفع التنسيق في هذا الصدد"، أما التعاون الإقليمي، والذي يفترض أن يكون طريقة أكثر فعالية في "مكافحة الإرهاب"، فلم يقدم نموذجا ناجعا حتى الآن".