منذ أكثر من ثلاث سنوات والمنطقة العربية تعاني تنامي ظاهرة العنف اللامحدود، لدرجة أنها أصبحت غارقة في مرض سرطاني يدعى «الإرهاب»، سرعان ما اشتعل في عدة مناطق عربية وإقليمية كاشتعال النار في الهشيم، ليترك آثاره السلبية على المجتمعات والقيم الإنسانية التي نشأ بها وليشكل في الوقت ذاته تهديدا كبيرا على أمن المجتمع الدولي بلا تمييز. ويعتقد خبراء صينيون وأجانب أن عملية مكافحة الإرهاب تحرز تقدما كبيرا نسبيا في السنوات الأخيرة وتلعب الصين دورا بارزا في هذه المكافحة، لكنهم يرون أن نفوذ الإرهاب لا يزال في اتساع مع مواجهة عملية مكافحته لتحديات جديدة ولابد للمجتمع الدولي من بحث الأسباب الجذرية لظهور الإرهاب وتطوره ونبذ سياسة المعايير المزدوجة. -- مكافحة الإرهاب تواجه تحديات جديدة بدأت التنظيمات المتشددة تتشكل بعد أحداث 11 سبتمبر وتمركزت في منطقة الشرق الأوسط وخلقت مناطق جهاد لها هناك، ومن هذا الباب أنشئ تنظيم (داعش) وغيره من التنظيمات المتطرفة التي استغلت الوضع الثائر للشعوب في العالم العربي والشرق الأوسط. ويرى خبراء صينيون أنه مع تطور الإرهاب، بدأ وضع مكافحته يواجه تحديات جديدة في ظل العولمة وحالة عدم الاستقرار بالمنطقة. وفي هذا الصدد، قال تيان ون لين الباحث بشئون الشرق الأوسط في معهد الصين للدراسات الدولية المعاصرة إن نفوذ التنظميات الإرهابية الدولية لم يتقلص وإنما يواصل انتشاره في العالم بأسره. وأوضح أن ميل تلك التنظيمات إلى عدم التمركز في أماكن محددة حتى تتعاظم قدرتها على الاختباء ولجوئها إلى مناطق نائية كما يفعل تنظيم القاعدة بإقامته لمعسكرات تدريب في المناطق القبلية على الحدود الأفغانية الباكستانية يعكس مدى حالة التعقيد التي تعترى عملية مكافحة الإرهاب حاليا. وعلاوة على ذلك، قال السيد تيان إن الأوضاع المتوترة في الشرق الأوسط تتيح فرصا لاتساع نفوذ الإرهاب حيث تحالف الإرهاب مع الجماعات المتطرفة لتتشكل شبكة عالمية من التهديد الإرهابي، لافتا إلى أن الحرب السورية والتوترات العراقية يمثلان تربة خصبة لنمو الجماعات المتطرفة واتساع نطاق نفوذها. وأكد لي قوه فو، الباحث بمعهد الصين للدراسات الدولية، أن أعداد الشباب التي بدأت تنخرط في صفوف الإرهابيين تتزايد بوتيرة سريعة في ظل ما تعيشه شعوب بعض الدول من حالة استياء نتيجة انخفاض مستوى المعيشة وارتفاع معدل البطالة على نحو دفع الشباب إلى اعتناق الأفكار المتطرفة. وأوضح لي أن أشكال الإرهاب وأساليبه لا تتوقف عن التغير، حيث طرقت الجماعات الإرهابية باب الإنترنت وغيره من وسائل التكنولوجيا الفائقة للترويج للأفكار المتشددة والتحريض على العنف والتخطيط للأنشطة الإرهابية. --لا للمعايير المزدوجة في مكافحة الإرهاب ونظرا للأوضاع الحالية التي تواجهها جهود مكافحة الإرهاب، فقد أعرب الخبراء الصينيون عن اعتقادهم أن المجتمع الدولي عليه أن يدرك حجم تعقيد تلك الأوضاع ويتخذ إجراءات أكثر فعالية لدفع تنفيذ عملية المكافحة هذه، مضيفين أن الصين يمكن أن تعزز التعاون مع مصر في مجال مكافحة الإرهاب. وقال تيان ون لين إن الولاياتالمتحدة ينبغي أن تتخلى عن انتهاج سياسة المعايير المزدوجة في مكافحة الإرهاب، مشيرا إلى أن الولاياتالمتحدة ادعت أنها تسعى لتشكيل تحالف دولي واسع النطاق، لكنها استبعدت عند اختيار الحلفاء الدول التي لا تلبي مصالحها. وشدد على أن انتهاج المعايير المزدوجة لن يساعد على التوصل إلى توافق في الآراء، بل إنه قد يزيد التنظيمات الإرهابية غطرسة ما سيترك آثارا سلبية على عملية مكافحة الإرهاب. وأشار تيان إلى أنه لابد للمجتمع الدولي من البحث في الأسباب الجذرية لظهور الإرهاب وتطوره، مؤكدا أن الوسائل العسكرية لن تكفي في مكافحة الإرهاب رغم ما لعبته من دور مؤقت في كبح الجماعات الإرهابية وإضعافها، حيث من الصعب القضاء عليها تماما. ولفت إلى أن الأوضاع في العراق وسوريا وليبيا تكشف الآن أن الإرهابيين أصبحوا أكثر تطرفا وحصلوا على مزيد من فرص التدريب حتى مع شن حرب واسعة النطاق على الإرهاب، موضحا أن شبح الإرهاب يطل برأسه من جديد لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة، ومن ثم لابد من تحقيق تنسيق بين مكافحة الإرهاب وتنمية الاقتصاد وحل الصراعات على نحو مناسب في المنطقة، ودفع التبادلات بين مختلف الثقافات وتعزيز التفاهم واستخدام وسائل متعددة مثل السياسية والاقتصاد والدبلوماسية للقضاء على الأسباب الجذرية لظهور الإرهاب. وصرح لي قوه فو بأن مكافحة الإرهاب عليها أن تحترم القانون الدولي وتجعل الأممالمتحدة تلعب دورا قياديا، موضحا أنه مع سيطرة تنظيم داعش على بعض المناطق في العراق وسوريا، يكمن السبيل الفعال لضرب الإرهابيين في محاربته في الدولتين في آن واحد، ولهذا ينبغي على المجتمع الدولي تعزيز التنسيق والتعاون تحت قيادة الأممالمتحدة. وأكد لي أنه في ظل ما تعانيه مصر من أنشطة إرهابية وخاصة في سيناء وما تشهده الصين أيضا من أعمال إرهابية، يمكن أن تعزز الصين التعاون والتنسيق مع مصر في مكافحة الإرهاب وتعملان معا للقضاء على الإرهاب وإحلال السلام في المنطقة. ولاشك أن الصين تلعب دورا بارزا في مكافحة الإرهاب ونشر ثقافة السلام والتآخي بين الشعوب وتسعى إلى نبذ سياسة العنف، حسب قول الخبراء الصينيين والأجانب. فيرى لي شاو شيان، نائب رئيس معهد الصين للدراسات الدولية المعاصرة، أن اتساع نفوذ التنظيمات الإرهابية والأوضاع المتوترة يشكلان تهديدا ضخما للمصالح الصينية . وأضاف أن الصين ستتعاون عن كثب أيضا مع الدول العربية وخاصة مصر، في دفع عملية مكافحة الإرهاب.