في تراث الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسي، كنوز وجواهر لا ينبغي للأجيال الجديدة أن تجهلها، نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، في محاولة لتحقيق التواصل الضروري والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت. 56 – صفي الدين الحلي " وإذا ذكرت التائبين عن الطلا لا تنس حسرتهم على أوقاتها " التوبة، عن الخمر وغيرها، لا تعني النجاة من مشاعر الحسرة والحنين إلى لذة تقترن بأوقات وذكريات التحقق والنشوة ومعانقة السعادة الصافية. قلائل من البشر هم القادرون على التوبة النقية الخالصة، تلك التي تعني النسيان الكامل ومحو الماضي بكل ما يصاحبه من ملذات. يبدأ الخلل دائما من أحادية الرؤية، حيث التركيز غير المنطقي على مرحلة التوبة وحدها، وإهمال ما يعتمل في أعماق التائبين من مشاعر مختلطة مضطربة. إنهم بشر، ومثل هذا النمط السطحي من التعامل لا يجدي في فهم الإنسان الذي لا يمكن اختصاره في لونين لا ثالث لهما، الأبيض والأسود، واختزال تجاربه الثرية في مفردتين، الصواب والخطأ. كثيرة هي الألوان التي لا غنى عنها لاكتمال اللوحة، أما المصطلحات الأخلاقية سابقة التجهيز فإنها نسبية مراوغة بالضرورة، يستحيل الإمساك بها وتوهم أنها الحقيقة المطلقة واليقين الذي لا تشوبه شائبة. يتسم بيت صفي الدين بالبساطة والابتعاد عن التفلسف وادعاء الحكمة الزائفة، ولفرط سلاسة مفرداته يبدو كأنه يهمس لواحد من أصدقائه المقربين بضرورة الانتباه إلى الجانب المهمل من اللوحة، هناك حيث الأعماق التي لا يلوح ما فيها لمن يقنعون بالفصل الجديد في حياة متعددة الفصول. عاشق الطلا قد يعتزل ويتوب، لكنه يبقى مسكونا بالحنين إلى ذكريات لا تُستعاد إلا بالخيال وحده.