لقد أثرت الأوبئة على بناء الحضارات المختلفة على مر التاريخ البشرى، وكان للعديد من هذه الأوبئة آثار متفاقمة، راح ضحيتها عدد كبير من سكان العالم؛ وبالتالى أهدر جزء كبير من الثروة البشرية التى تمثل موردًا مهمًا من موارد تحقيق التنمية الاقتصادية، كما استنزفت مبالغ كبيرة لمواجهتها، وفيما يلى عرضًا قدمته د.جيهان عبدالسلام، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، لأكثر أوبئة أصابت العالم، وأثرت سلبًا على عملية التنمية الاقتصادية لدول العالم: طاعون جستنيان (541 – 750 م) شهد عهد جستنيان الأول، إمبراطور الإمبراطورية البيزنطية في القرن السادس الميلادي اندلاع الطاعون الدبلى الذى يُعرف الآن باسم (طاعون جستنيان)، وقتل هذا الوباء ما بين 30 مليونا إلى 50 مليون شخص، وهو ما يساوى نصف سكان العالم فى هذا الوقت؛ نتج عن هذا الوباء توقف حركة التجارة بشكل كبير مما أضعف من تلك الإمبراطورية، وسمح للحضارات الأخرى باستعادة الأراضى البيزنطية في السابق فى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأجزاء من آسيا. الموت الأسود (1347 – 1351م): انتشر الطاعون الدبلى في جميع أنحاء أوروبا خلال الفترة ( 1347-1351 م)، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من 25 مليون شخص عبر دول أوروبا وآسيا، كذلك الصين حيث يعتقد أنها كانت منشأ المرض. وقد نتج عن هذا الوباء العديد من الآثار السلبية الذى جعل الدول الأوروبية تستغرق نحو أكثر من 200 عام للعودة إلى مستواها قبل عام 1347. الجدرى (القرنين الخامس عشر والسابع عشر): دخل الأوروبيون عددًا من الأمراض الجديدة عندما وصلوا لأول مرة إلى قارات الأمريكتين في عام 1492؛ وكان أحد هذه الأمراض هو مرض الجدرى، وهو مرض معدٍ يقتل نحو 30٪ من المصابين به؛ وخلال هذه الفترة أودى الجدرى بحياة ما يقرب من 20 مليون شخص، أى ما يقرب من 90 ٪ من السكان فى الأمريكتين. وقد ساعد هذا الوباء الأوروبيين في استعمار وتطوير المناطق التي تم إخلاؤها في الأمريكتين واستغلالها اقتصاديًا، حيث تم استغلال الثروة المعدنية مثل الفضة والذهب، مما أدى إلى تضخم هائل داخل الإمبراطورية الإسبانية، وهو ما أشار إليه المفكر الاقتصادى الكبير جون ماينارد كينز، في كتابه بعنوان «ثورة الأسعار» عام 1930، الذى شكل بعد ذلك نقطة تحول حاسمة فى تشكيل الرأسمالية الحديثة. الكوليرا (1817 – 1823): بدأ ظهور وباء الكوليرا لأول مرة في مدينة جيسور بالهند، ثم انتشر فى معظم أنحاء الدولة والدول المجاورة لتودى بحياة الملايين؛ وقد حاول طبيب بريطانى يدعى (جون سنو) التوصل إلى سبل مختلفة لمنع انتشار هذا الوباء، وفى عام 1854 توقف انتشار المرض عن طريق عزل مصدره إلى مضخة مياه معينة فى حى سوهو في لندن. وقد وصفت منظمة الصحة العالمية الكوليرا بأنها «الوباء المنسى»، وأكدت أنه تفشى للمرة السابعة فى دول العالم، حيث كانت البداية في عام 1961، ثم استمر في الظهور بين فترة وأخرى حتى يومنا هذا. كما أفادت التقارير، أن الكوليرا تصيب 1.3 مليون إلى 4 ملايين شخص كل عام، وتتراوح الوفيات السنوية بين 21 و143 ألفا؛ ونظرًا لأن الكوليرا ناتجة عن تناول طعام أو ماء ملوثين بجراثيم معينة، فإنها تلحق الضرر بأغلبية ساحقة بالبلدان التي ينتشر بها عدم المساواة في توزيع الثروة والافتقار إلى التنمية الاجتماعية وأغلبها الدول النامية والفقيرة. الإنفلونزا الإسبانية (1918-1919): تفشى وباء الإنفلونزا الإسبانية بين (1918-1919)، وأصاب نحو 500 مليون شخص أو ثلث سكان العالم في أوائل القرن الحادى والعشرين، حيث كان مسئولًا عن قتل أكثر من 50 مليون شخص على مستوى العالم. وفي وقت تفشى المرض، كانت الحرب العالمية الأولى على وشك الانتهاء، ولم يكن لدى سلطات الصحة العامة سوى عدد قليل من البروتوكولات الرسمية للتعامل مع الأوبئة الفيروسية، مما ساهم في تزايد تأثيرها، ومع مرور الوقت أدى البحث العلمى إلى فهم كيفية حدوث الوباء وكيف يمكن الوقاية منه، مما أدى إلى الحد من تأثير تفشي فيروسات مشابهة للأنفلونزا بعد ذلك. أنفلونزا هونج كونج أو H3N2 خلال (1968-1970): بعد مرور خمسين عامًا على الإصابة بالأنفلونزا الإسبانية، انتشر فيروس آخر للأنفلونزا وهو (H3N2) في جميع أنحاء العالم، وتشير التقديرات إلى أن عدد الوفيات العالمية بسبب هذا الفيروس بلغ نحو مليون شخص، منهم نحو 100 ألف منهم في الولاياتالمتحدة. وعلى الرغم من أن(H3N2) لم يكن قاتلًا مثل تفشى أنفلونزا عام 1918، إلا أنه كان معديا بشكل كبير، حيث أصيب 500 ألف شخص فى غضون أسبوعين من أول حالة تم الإبلاغ عنها في هونغ كونغ. فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز (1981 - حتى الآن): تعرف العالم على فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز قبل 40 عامًا، ولا يزال هذا المرض يصيب الناس ويقتلهم حتى يومنا هذا، وفي عام 1981 أصيب 75 مليون شخص بفيروس نقص المناعة البشرية، وتوفى منهم نحو 32 مليون شخص، وينتقل هذا المرض عن طريق طريق الاتصال الجنسى أو نقل الدم. يعتبر فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز وباء مستمر لا يزال يؤثر على ملايين الناس كل عام؛ وعلى الرغم من عدم وجود علاج لمرض الإيدز، إلا أنه يمكن للأدوية المضادة للفيروسات القوية السيطرة على فيروس نقص المناعة البشرية وإبطاء تقدمه بشكل كبير، مما يتيح لشخص مصاب أن يعيش حياة أطول. وما زال التأثير السلبي لفيروس نقص المناعة البشرية على الاقتصاد العالمي قيد الدراسة خاصة في أفريقيا، حيث إنها تعتبر القارة التي تضم أكبر نسبة من حالات الإصابة بفيروس الإيدز في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين. السارس (2002 – 2003) يعتبر مرض سارس أو المتلازمة التنفسية الحادة، مرض يسببه أحد الفيروسات السبعة التاجية التي يمكن أن تصيب البشر؛ ففى عام 2003، نشأ وتفشى هذا المرض في مقاطعة قوانغدونغ الصينية، وسرعان ما تحول إلى وباء عالمى، حيث انتشر سريعًا إلى 26 دولة، وأصاب ما يزيد قليلًا على 8000 شخص وقتل 774 منهم. وكانت عواقب وباء السارس لعام 2003 محدودة إلى حد كبير بسبب استعداد قوى من جانب السلطات العالمية لحماية الصحة العامة، حيث تم عزل المناطق المتأثرة وعزل الأفراد المصابين؛ وتجدر الإشارة هنا إلى أن العلماء الذين يدرسون فيروس كورونا الجديد، وجدوا أن تركيبته الوراثية مطابقة بنسبة 86.9٪ لفيروس السارس. أنفلونزا الخنازير أو H1N) 2009-2010) ظهر نوع جديد من فيروس الأنفلونزا في عام 2009، حيث أصاب نحو 60.8 مليون شخص في الولاياتالمتحدة، ويطلق على هذا الفيروس أيضا «أنفلونزا الخنازير»، لأنه ينتقل من الخنازير إلى البشر، ويختلف H1N1 عن فيروس الأنفلوانزا العادية فى أن 80 ٪ من الوفيات المرتبطة بالفيروس حدثت فى أشخاص تقل أعمارهم عن 65 عاما فى الأغلب. وأثبتت الدراسات أن نحو 70 ٪ إلى 90 ٪ من الوفيات الناجمة عن تفشى أنفلونزا الخنازير تكون من بين الأشخاص الأكبر من 65 عامًا، وقد أظهر H1N1 مدى سرعة انتشار الوباء الفيروسى فى القرن الحادى والعشرين، مما يشير إلى أن هناك حاجة إلى استعدادات إضافية لكي يستعد المجتمع العالمي بشكل أسرع في المستقبل لمواجهة مثل تلك الفيروسات. الإيبولا (2014-2016) كان فيروس الإيبولا، الذي كانت تسميته على اسم نهر قريب من تفشى المرض لأول مرة فى غينيا، محدودًا في نطاق انتشاره مقارنة بأغلب الأوبئة الحديثة، ولكنه فيروس مميت بشكل كبير؛ وقد بدأت قصته فى قرية صغيرة فى غينيا فى عام 2014، وانتشر إلى مجموعة من الدول المجاورة فى غرب أفريقيا؛ وقد أدى الفيروس إلى قتل 11 ألف حالة، من أصل 29 ألف مصاب، وتركزت معظم الحالات فى غينيا وليبيريا وسيراليون؛ وقدرت تكلفة مواجهة إيبولا بنحو 4.3 مليار دولار في البلدان الثلاثة المذكورة.