تحت شعار"أوروبا قوية في عالم يموج بالتحديات"، تتسلم كرواتيا بعد غد الأربعاء الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي خلفا لفنلندا، وتستمر لمدة ستة أشهر في وقت تواجه فيه القارة الأوروبية تحديات جادة وغير مسبوقة على مختلف الأصعدة. وأعلنت الحكومة الكرواتية مؤخرا عن برنامجها لرئاسة الاتحاد الأوروبي، والذي أكدت أنه يعكس أولوياتها الوطنية ويتماشى مع البرنامج الاستراتيجي الجديد للاتحاد الأوروبي في الفترة من 2019 - 2024. ويركز برنامج كرواتيا للرئاسة الأوروبية بالأساس على أربعة محاور، الأول تحقيق تنمية متوازنة لدول الاتحاد الأوروبي وتعزيز التنافسية ومكافحة التغيرات المناخية، بينما يركز المحور الثاني على دعم التواصل بين دول الاتحاد من خلال تحسين البنية التحتية وتوفير منطقة نقل أوروبية واحدة وسوق طاقة متكامل وبنية تحتية عالية الجودة وآمنة للبيانات، فضلا عن تعزيز الروابط بين مواطني دول الاتحاد عن طريق التعليم والثقافة والرياضة. أما المحور الثالث فيركز على تعزيز الأمن الداخلي للاتحاد لضمان المراقبة الفعالة للحدود والقدرة على مواجهة التهديدات الخطيرة، كما تستهدف الرئاسة الكرواتية الدفاع عن السياسة التوسعية المتسقة والفعالة، والهجرة الشاملة والمستدامة، وضمان حماية الحريات والديموقراطية. ويركز المحور الأخير على تعزيز دور أوروبا كلاعب دولي رائد وشريك عالمي للدفاع عن المصالح الأوروبية حيث ترى كرواتيا أن مصداقية الاتحاد تنعكس في اتباع نهج مسئول تجاه جيرانه لضمان استقرار منطقة جنوب شرق أوروبا ونموها، كما تستهدف الرئاسة الكرواتية تعزيز قدرة الاتحاد الأوروبي على الاستجابة والتفاعل في وقت الأزمات. وفي هذا السياق أعلن وزير الخارجية الكرواتي، جوردان جريتش ردمان، أن تولي بلاده للرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي تمثل لحظة تاريخية وتهدف إلى تعزيز مكانة بلاده وتأثيرها على المستوى الدولي، مؤكدا أن البرنامج الذي وضعته حكومته للرئاسة الأوروبية تم إعداده جيدا وأخذ في اعتباره أولويات بلاده. وهذه هي المرة الأولى التي تتولى فيها كرواتيا الرئاسة الدورية الأوروبية، وهي دولة حديثة العهد في عضوية الاتحاد الأوروبي حيث انضمت إليه عام 2013 وكانت آخر دول شرق أوروبا المنضمة إلى هذا التكتل. ومن المنتظر أن تلتحق كرواتيا قريبا بمنطقة شنغن، التي تلغي الحدود بين الدول الأعضاء، وذلك بعد إعلان المفوضية الأوروبية الأسبوع الماضي استيفائها لكافة الشروط اللازمة لعملية الانضمام. وتتسلم كرواتيا رئاسة الاتحاد الأوروبي في وقت تشهد فيه البلاد انتخابات رئاسية حيث من المقرر أن تعقد الجولة الثانية من الانتخابات في الخامس من يناير القادم والتي يتواجه فيها الرئيسة المحافظة المنتهية ولايتها كوليندا غرابار كيتاروفيتش أمام رئيس الوزراء الأسبق زوران ميلانوفيتش المنتمي إلى يسار الوسط والذي تصدر نتائج الجولة الأولى بحصوله على 29,56% من الأصوات، بينما حصلت الرئيسة كيتاروفيتش على 26,75% من الأصوات وحلت في المرتبة الثانية. كما تأتي رئاسة كرواتيا في وقت تمر فيه القارة الأوروبية بالعديد من التطورات المهمة والتي يأتي على رأسها إتمام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو ما يعرف ب"بريكست"، والذي من المقرر تنفيذه في 31 من يناير المقبل، لتبدأ من بعده مرحلة انتقالية تستمر 11 شهرا يتم خلالها التفاوض بين أوروبا وبريطانيا على شكل العلاقات المستقبلية بينهما، وهي مرحلة ليست بالهينة بالنظر إلى حجم القضايا الشائكة التي تربطهما. وينتظر أيضا أن تشهد فترة رئاسة كرواتيا للاتحاد الأوروبي تقديم مجموعة من دول البلقان طلبات انضمام إلى الاتحاد، وهو مطلب يحظى بتأييد كرواتي واضح حيث انتقدت الرئيسة الكرواتية كيتاروفيتش، خلال لقائها مؤخرا مع الرئيس الألباني إيلير ميتا، عدم اتخاذ المجلس الأوروبي قرارا ببدء محادثات انضمام ألبانيا وجمهورية شمال مقدونيا إلى الاتحاد، واصفة ذلك بأنه " قرار خاطئ". وأوضحت أن ألبانيا وشمال مقدونيا، أقدمتا على خطوات في اتجاه تنفيذ الإصلاحات، مؤكدة أن "بلادها طوال رئاستها الدورية للاتحاد، ستفعل كل ما بوسعها من أجل دعم عضوية هاتين البلدين". وتأتي رئاسة كرواتيا ضمن ثلاثية رئاسة الاتحاد الأوروبي والتي بدأت في يناير 2019 برئاسة رومانيا وخلفتها فنلندا في يوليو من العام ذاته واختٌتمت برئاسة كرواتيا المستمرة حتى يوليو 2020، وفكرة الثلاثية أو ما يطلق عليه ال "تريو" بدأت منذ عام 2008 وتعني ثلاث دول تتناوب على الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي خلال 18 شهرا متتابعين، وتضع برنامجا للعمل المشترك لتحقيق أهداف طويلة المدى مما يضمن الاستمرار والفاعلية. وتتمحور أهداف هذه الثلاثية حول تعزيز الترابط الاقتصادي والاجتماعي والإقليمي وبرنامج التنمية المستدامة لعام 2030. ورغم أن الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي قد فقدت الكثير من صلاحياتها بعد سلسلة التعديلات التي أدخلت على معاهدة لشبونة خلال السنوات الأخيرة إلا أنها لا تزال تتمتع باختصاصات مهمة ومحورية على صعيد الاتحاد مثل ترؤس كافة الاجتماعات الوزارية، وعقد الصفقات التشريعية التي تدفع عجلة الاتحاد، فضلا عن لعب دور الوساطة في الاتفاقات بين الدول الأعضاء والمساهمة في بلورة وصياغة السياسات العامة للاتحاد. وتهدف الرئاسة الأوروبية الدورية إلى تعميق دور القادة الأوروبيين في إدارة شئون الاتحاد وتعزيز شعور الانتماء الأوروبي لدى الدولة التي تتولى الرئاسة الدورية.