أكد الدكتور حسين عبدالبصير مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، أن المشكلة الأساسية فى عملية بيع الآثار المصرية المنهوبة عدم احترام صالة مزادات «كريستيز» فى بريطانيا للمواثيق الدولية، والقوانين، سواء كانت القانون المصرى للآثار رقم 117 لعام 1983، أو حتى الاتفاقية الدولية لمنظمة اليونيسكو والصادرة عام 1970، والتى تنص على ضرورة عودة القطع الأثرية التى تم تهريبها، أو سرقتها، وعودتها إلى بلادها الأصلية. وتابع عبدالبصير: «لا شك أن القطع الأثرية التى تم بيعها مؤخرًا تعود للحضارة المصرية القديمة، ومنها رأس تمثال «توت» المصنوع من «الكروتزيدية» لرب الشمس «أى رأس الرب آمون» وفى نفس الوقت لم تستطع صالة المزادات أن تقدم سندًا حقيقيًا، أو ما يثبت من وثائق تثبت ملكيتها لها، وتاريخه أو من قام بشراء هذا الأثر، وأعتقد أن مصر لن تصمت بشأن آثارها المنهوبة، وسوف تأخذ موقفا قويا ضد صالة «كريستيز» -السيئة السمعة- والتى عرف عنها عدم احترام الاتفاقيات أو المواثيق الدولية. وأشار عبدالبصير قائلًا: «هناك عدد من التدابير التى يمكن أن تتخذها مصر كرد فعل عما حدث، فى إطار الحفاظ على التراث المصري، ومنها أن يتم تكليف محام دولى لمقاضاة صالة كريستيز، وتأجيل أو إلغاء معرض مقتنيات «توت عنخ آمون» فى بريطانيا، أو يتم إعادة النظر فى إقامته، وأن يتم وقف عمل البعثات البريطانية العاملة فى الأراضى المصرية. أما عن حق مصر فى استرداد القطع الأثرية المهربة ما قبل إصدار قوانين الآثار فقال: «إنه وفقًا لاتفاقية اليونسكو فلا يمكن استرجاع القطع الأثرية، وهذا ما حدث مع رأس نفرتيتى والتى خرجت من البلاد بعد اكتشافها بطرق التحايل عن طريق البعثة الأثرية، وأنه لا بد من العودة لتتبع ملكية الأثر، وتتبع نقل ملكيته، مؤكدًا أن هذه المزادات تعطى نوعا من الشرعية للآثار المهربة، أو التى تم خروجها بطرق غير شرعية أو عن طريق الإهداء، ويجب أن يتم تفعيل الاتفاقيات بين الدول بشأن الآثار المصرية». وعن الإجراءات التى يجب اتباعها بشأن الرقابة على الموانئ والمطارات قال: «إنه يجب العمل على تشديد الرقابة على جميع الموانئ، والمطارات والطرود التى تخرج من مصر، كما يجب تطوير أدوات البحث والأجهزة الرقابية بها، والاستعانة بأحدث التقنيات التكنولوجية، لأن محترفى تهريب الآثار أصبحوا يتفننون فى تهريبها، وبشتى الطرق». وبدوه، ثمن الباحث الأثرى بسام الشماع جهود وزارة الآثار ومجهوداتها بشأن وقف بيع بعض القطع الأثرية بقاعة مزادات «كريستيز» فى بريطانيا وغيرها، مؤكدًا «الآثار» أدارت هذا الملف بامتياز حيث اتخذت كافة التدابير التى يجب اتباعها فى مثل تلك الحالات، سواء من تقديم بلاغ للنائب العام، أو مخاطبة وزارة الخارجية المصرية، وتبليغ السفارة المصرية ببريطانيا». وتابع الشماع: «بالرغم من كل المجهودات إلا أن صالة كريستيز تعنتت ومضت فى عملية بيع رأس الرب الأسطورى آمون والمصنوع من الكروتزيديه، بالرغم من فشلها فى إظهار الأوراق الرسمية الخاصة بملكيته، وهذا لا ينكر خروج القطع الأثرية بطرق غير شرعية، ولهذا قمت أنا ومجموعة من الشباب بتدشين حملة بعدة لغات أجنبية تحت شعار «أوقفوا بيع آثارنا»، حيث بدأ المتطوعون من مصر ومن جميع أنحاء العالم بالترويج لهذه الحملة والتى من شأنها استرجاع الآثار المصرية المنهوبة والتى خرجت بطرق التحايل والتهريب». وعن كيفية الحد من تهريب وبيع الآثار المصرية بالخارج أكد «الشماع» أن هناك العديد من الطرق والأساليب التى تساعد فى استرجاع الآثار والتى خرجت بطرق غير شرعية، ومنها أن تهدد مصر بالانسلاخ من اتفاقية اليونسكو، والتهديد، مثلما حدث من قبل بعض الدول. مؤكدًا على أن المصريين لا يجب أن يدفعوا ضريبة بعض القرارات الفردية التى اتخذها بعض رؤساء مصر أو حكامها فى الفترات السابقة، والذى أخذوا قرارات وصفها بالهوجاء بشأن إهداء بعض الآثار المصرية لبعض الدول الأجنبية حيث قال: «لو كان الأمر بيدى لكنت حاسبت هؤلاء الحكام تاريخًيا» فالآثار المصرية هى ملك للمصريين ولا يحق إهداؤها لأى دولة أو أى شخص مهما حدث. وعن اتفاقية اليونسكو لعام 1970 بشأن الآثار وكيفية استرجاعها أكد «الشماع» أنه يجب تعديل هذا البند والذى ينص على أن الآثار التى تم تهريبها بطرق غير شرعية لا بد من استعادتها وعودتها إلى موطنها الأصلي، وأن يتم تغيير الجزء المتعلق ب«غير الشرعية» ويصبح مكانها بأى طريقة كانت حتى نستطيع المطالبة بحقنا فى آثارنا المنهوبة، متسائلًا: «كيف لنا أن نطالب بشكل شرعى أو قانونى بآثار تم تهريبها بشكل غير قانونى أو شرعي؟». مستكملًا: «على مصر أن تغضب، وأن تظهر أنيابها، وأعتقد أنه من السهولة على مصر، أن تطالب بطريقة شرعية، كل ما لها من آثار حول العالم، وأن تطلب من الدول مثل اليمن وليبيا، والعراق، وسوريا والتى تتعرض آثارهم وتراثهم للنهب والسلب، بأن يتضامنوا معها لتغيير اتفاقية اليونسكو، وأن يكون هناك إصرار حقيقى، ومطالبة من اليونسكو للمساعدة فى استرداد كل ما تم خروجه بشكل غير شرعي، كما يتم إعطاء الحق للشعوب فى أن تدلى برأيها فى عملية إهداء الآثار، ووقف جميع البعثات البريطانية التى تقوم بالتنقيب فى الأراضى المصرية، مؤكدًا أن التهديد بطرد أو إيقاف البعثات البريطانية سيكون له أثر كبير، حيث إنهم لن يطيقوا البُعد عن الرمال الذهبية المصرية، وعلى وزارة الآثار مسئولية كبيرة فى عملية اختيار البعثات وإعطائها التصاريح بالتنقيب وذلك وفقًا للأيدلوجية الفكرية وليس الجنسية فقط». وعن الحلول التى يراها - من وجهة نظره - بشأن استرجاع الآثار المصرية قال: «هناك عدة اقتراحات تدعم الملف المصرى بشأن الآثار المصرية المهربة والتى يتم بيعها، مثل أن تقوم نقابة المرشدين السياحيين بالاتفاق مع وزيرة السياحة بالحديث عن الآثار المصرية التى يتم تهريبها وبيعها ضمن برنامج الإرشاد السياحي، وحث السائحين بالضغط على مجالس العموم فى بلدانهم بضرورة استرداد الآثار المصرية، والمطالبة بضرورة مقاضاة صالة المزادات أمام المحكمة الدولية، ووقف صالة كريستيز عن بيع آثار الدول، بالإضافة إلى استغلال كأس الأمم الأفريقية وعمل مستنسخ كبير لرأس «الإله آمون» التى تم بيعه، وعرضه فى نهائى أمم أفريقيا لتعريف العالم بأن مصر ستظل تطالب بحقها فى الآثار، وأن تقوم شركة مصر للطيران بطباعة صورة الرأس على تذاكرها ويكتب عليها عودة الآثار المصرية، والمطالبة بوقف بيع تراث الدول». واختتم الشماع متسائلًا: «أين السفير البريطانى جون كاسن والذى أحب مصر، وموقفه من بيع آثارها وتراثها بأحد الصالات المشبوهة، واقترح الشماع عمل فيلم لا تتجاوز مدته ال 30 ثانية بعنوان: «أوقفوا بيع الآثار» ويتم عرضه فى المطارات ورحلات الطيران، ليعلم العالم كله أن مصر لن تصمت إزاء تراثها وموروثها الثقافى والحضاري، حتى لا نفاجأ بوجود آثارنا ببعض المتاحف لدول لا يوجد لديها ولا تاريخ ولا حضارة». فيما أكد الدكتور أحمد بدران أستاذ الآثار المصرية بكلية الآثار جامعة القاهرة «أن الآثار المصرية التى خرجت قبل إصدار القوانين والمواثيق الدولية المنظمة للآثار لن تعود، وذلك وفقًا لاتفاقية اليونسكو والتى صدرت عام 1970. وأكد بدران أن ما أعلنته صالة «كريستيز» للمزادات بشأن ملكية رأس تمثال آمون، هو مجرد كلام مرسل، ومن الممكن الطعن عليه بكل سهولة، حيث إنها قالت إن الرأس كانت مملوكة لأحد أمراء النمسا الأمير «بيل هليم» فى ستينيات القرن الماضي، ومن ثم انتقلت الملكية لتاجر نمساوى فى عام 1973، وفى عام 1983 تم بيعها لتاجر ألمانى من ميونخ، وفى نفس العام تم بيعها لتاجر ألمانى يدعى «روسان» وأن القطعة قد تم عرضها فى معرض عام بألمانيا فى يوليو عام 1984 ولم تعترض الحكومة المصرية وقتها، وبالرغم من هذا لم تثبت الصالة أى أوراق ثبوت حقيقية لملكيتها لرأس آمون، أو باقى القطع الأثرية المصرية». وعن أحقية مصر فى استرداد القطع الأثرية أكد أستاذ الآثار أن القطعة لو كانت قد خرجت بعد 1970، فلنا الحق فى استردادها، وذلك وفقًا لبنود اتفاقية اليونسكو والتى تقضى بأنه «لا يُسمح بتصدير أو استيراد المنتجات الثقافية بطريقة غير قانونية»، حيث إن السجلات الموجودة فى الآثار هى الفيصل فى تلك القضية، وإن لم تكن قد تم تسجيلها فمصر لها كل الحق فى استرداد هذه القطع.