يحتل الإنشاد الدينى مكانة جليلة ومهمة فى المجتمع المصرى والعربى، ويعد أبرز الفنون الغنائية التى اشتهرت مؤخرًا فى دول العالم كافة، حيث يتناول المنشدون والمبتهلون مدح الرسول الكريم وآل بيته وصحابته، والتغنى بمواقفهم وخصالهم وأفعالهم. ولم يتوقف الإنشاد الدينى على منشدين مسلمين بل شاركه فيه أقباط أيضًا وحمل تاريخ الإنشاد أسماءهم. وللإنشاد الدينى أصول تاريخية ترجع لعصر النبى الكريم، فهناك قصة تؤكدها كتب التراث بأن بلال بن رباح كان يتغنى بصوت عذب عند المناداة بالأذان، الأمر الذى تطور للتغنى بالأشعار الإسلامية بعد ذلك فى الشام ومصر والعراق. كما تشير كتب التراث الإسلامى إلى أن أشعار حسان بن ثابت كانت حجر الأساس للمنشدين، الذين بحثوا أيضًا عن موضوعات أخرى للتغنى بها كالتمسك بالقيم الإسلامية والدعوة إلى توحيد الخالق. وبالوصول إلى عهد الأمويين أصبح للإنشاد أصول وقوالب وقواعد وإيقاعات وجب الالتزام بها، حيث شجع عبدالملك بن مروان الفنانين فبرزت عدة أسماء منهم، أهمام كان إبراهيم بن المهدى وأخته عَليَّة، وأبوعيسى صالح، وعبدالله بن موسى الهادي. وفى عهد الفاطميين تطور فن الإنشاد الديني، وأصبح هناك احتفال كبير برأس السنة الهجرية، وبليلة المولد النبوى الشريف، وليلة أول رجب، وليلة الإسراء والمعراج، وليلة أول شعبان ونصفه، وغرة رمضان، ويوم الفطر، ويوم النحر. ويشهد العصر الحالى بروز العديد من الأسماء فى مجال الإنشاد الدينى والابتهالات والتواشيح، منها النقشبندى، طه الفشنى وعائلته، محمد الهلباوى وولده، ياسين التهامى وعائلته، تلك الأسماء التى اعتاد على سماعها أجيالًا مختلفة من الشعب المصرى والعربي، وذاع صيتها حتى وصل للعالم أجمع، والى جانب ذلك ظهر منشدون مسيحيون ولمعت أسماؤهم فى مجال الابتهالات الإسلامية. منشدون أقباط رصدت «البوابة» أسماء ثلاثة منشدين مسيحيين اشتهروا فى مصر بالتغنى والإنشاد للرسول الكريم والصوفية الإسلامية. مكرم المنياوى أول هؤلاء الفنانين الراحل مكرم المنياوى الذى يعد من أقدم وأشهر المنشدين الذائع صيتهم خلال فترة الستينيات، حيث تمكن فى شبابه من إحياء العديد من الموالد بكل محافظات وقرى مصر، ف «المنياوى» ترك مهنة الخياطة التى ورثها عن أبيه وبدأ فى الاتجاه للغناء والترنيم فى موالد القديسين والأعياد المسيحية، ثم بعدها جذبته نغمات الإنشاد الدينى والابتهالات الإسلامية التى بدأ فى غنائها حتى برع فيها وأصبح من أشهر المسيحيين الذين يمدحون رسولنا الكريم من خلال تقديم المواويل والقصص الشعبية مرتجلا الألحان والكلمات. اشتهر «المنياوى» بنشر روح السلام والتسامح والوحدة الوطنية من خلال مدح سيدنا الرسول والسيدة العذراء والمسيح معًا، وكان عاشقًا لسماع القرآن الكريم بصوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد والشيخ محمد صديق المنشاوى، وقدم فنونه بالعديد من الموالد الشعبية فى الحسين وطنطا والمنيا وأسيوط، بجانب تقديمه حفلات بدار الأوبرا المصرية، بالإضافة إلى سفره ومشاركته فى المديح والابتهالات بفرنسا والعراق. صليب صوفي يعد الفنان صليب فوزى أول مطرب مسيحى عربى يمزج بين التواشيح والابتهالات الإسلامية وبين الألحان والترانيم القبطية من خلال مشروعه الموسيقى «صليب صوفى» ذلك المشروع الذى لم يتعد عمره خمس سنوات ولكنه حقق شهرة وانتشارا واسعا حتى وصل الأمر إلى إذاعة أغانيه أحيانًا داخل الإذاعة الداخلية بمحطات مترو الأنفاق، حيث يقوم فيه «فوزى» بإعادة إحياء اللغة القبطية القديمة المستخدمة فى الترانيم الكنسية التى اندثرت بعد 600 عام من التداول، وذلك من خلال دمجها مع أسماء الله الحسنى والأشعار والمديح الصوفى للمتنبى والحلاج، فهذا المشروع يعمق لنظرية العشق الإلهى الخالص مهما كانت ديانة مستمعه، ويسعى لنشر روح السلام والتسامح بين قطبى الأمة العربية من مسلمين ومسيحيين. يعتمد مشروع «صليب صوفى» الموسيقى على الحالة وليس الكلمات، فالفرقة تقدم رؤية جديدة وغريبة معتمدة على ابتكار ألحان عصرية تجمع بين الموسيقى الشرقية القديمة والألحان الغربية الحديثة خاصة موسيقى الجاز، بهدف دعم أسس المحبة والسلام ونشر روح التسامح بين الأديان. ومن المفارقات التى شهدها محبو الابتهالات والإنشاد الدينى فى مصر، هى حصول الشاب مينا عاطف على جائزة أول جمهورية من وزارة التعليم العالى عام 2016 فى مسابقة الإنشاد الدينى الإسلامى، ثم حصل على نفس الجائزة مرة أخرى عام 2018، ذلك الشاب التى كانت جوائزه من قبل من الكنيسة فقط، فهو حاصل على جائزة أفضل صوت بمهرجان كنيسة السيدة العذراء بالزيتون، والعديد من الجوائز المدرسية والكنسية فى مجال الترانيم والتسبيح. مينا عاطف الصدفة وحدها قادت مينا عاطف إلى طريق الإنشاد وجعلته من أشهر المنشدين الإسلاميين الشباب، حيث تقدم لمسابقة الغناء فى الجامعة حالما بأن يصبح مشهورا ويأخذ فرصته فى الغناء، وهناك فقط اكتشف أنها مسابقة للإنشاد الدينى فقدم أغنية «قل للمليحة فى الخمار الأسود»، فأصاب الذهول لجنة التحكيم وطلبوا منه أن يقدم ترنيمة مسيحية فغنى لهم ترنيمة «مين أحن منك» فصفق له الجميع فرحين به، وبعد فترة اتصلت به إدارة المسابقة لتبلغه أنه قد حاز المركز الأول بالمسابقة. عشق «عاطف» الغناء منذ صغره فكان دائمًا ما يقدم التسابيح والترانيم داخل كنيسته، وعندما قرر أن يسير فى طريق الإنشاد الإسلامى شجعته عائلته التى أكدت معه أن الترانيم الكنسية والابتهالات الإسلامية وجهان لعملة واحدة، وطريقة واحدة للتقرب إلى الله راغبين فى الحصول على محبته ورضائه، وكان والده دائم الاستماع لابتهالات الشيخ النقشبندى خاصة «مولاى إنى ببابك».