للعقيدة الإسلامية أثر بالغ فى نفوس معتنقيها لسماحتها وملاءمتها للنفس البشرية، وهو الذى انعكس بشكل كبير على الفنون فى شتى مجالاتها، كان أبرزها العمارة الإسلامية. فعلى مدار شهر رمضان المبارك تأخذكم «البوابة» فى رحلة بين مساجد مصر وأضرحتها، لنتعرف على تاريخ نشأتها، وتأثيرها الروحانى فى قلوب مُرتاديها. يمتاز مسجد الشيخ عبد القادر الدشطوطى بباب الشعرية، بتصميمه المعمارى الفريد، وشيد المسجد فى العام 924 هجريًا، وكان الشيخ الدشطوطي، من أكابر الأولياء، كان له نفحات وبركات، وكانت يسمى بين الأولياء ب «صاحب مصر» فكان مهيبًا معظما عند الملوك والأمراء وكانت رسالته لا ترد. فكان الشيخ الدشطوطى معروفًا ومحبوبًا عند الناس وكانت تأتيه النذور من كافة أنحاء القطر فينشئ بها المساجد والجوامع والخوانق، كما كان يشير على الملوك والسلاطين بإقامة الجوامع والمساجد، كما أشار على السيدة خوند أصلباى زوجة السلطان قايتباى بإقامة الجامع الذى يقع على مدخل قنطرة الوداع بمدينة الفيوم، وعندما دنا أجله أكثر البكاء والتضرع إلى الله، وكان يقول للبناء الذى أمره السلطان قايتباى ببناء قبة له، «عجل فى البناء فإن الوقت قد قرب فمات وبقى منها يوم فكملت البناء بعده، ودفن فى قبره وأوصى ألا يدفن عليه أحد، كما أوصى أن يعمل فوقه وجانبه مجاديل حجر حتى لا يتسع القبر لأحد معه». ويصف على مبارك جنازة الشيخ الدشطوطى قائلًا «وارتجت القاهرة لوفاته، ونزل لجنازته ملك الأمراء العثمانية والأمير قايتباى الدودار والقضاة الأربعة، وأعيان الناى وخرجت جنازته من بيت المعلم حسن الصياد المهندس خارج باب الشعرية، ورفعت له الأعلام على جنازته وحضر أطفال المكاتب وعلى رؤوسهم المصاحف ومشوا حول جنازته واستمروا حتى وصل إلى مسجده، حيث دفن هنا فى العام 924 هجريًا وذلك بعد استيلاء العثمانيين على حكم مصر بسنة واحدة». ويقع جامع الدشطوطى بشارع بورسعيد بالقرب من ميدان باب الشعرية، وما يزال المسجد محتفظًا بجزء كبير من البناء الأصلى الذى يرجع إلى القرن الخامس عشر الميلادي، وقد بنى المسجد على شكل المدارس المتعامدة، فهو يتكون من صحن مربع الشكل يتوسط المسجد، ومغطى بسقف خشبى وبه فتحة مربعة «شخشيخة» ويحيط بالصحن أربعة إيوانات أعمقها إيوان القبلة الذى يتقدمه ثلاثة عقود نصف دائرية محمولة على عمودين. وإلى جانب إيوان القبلة من الجهة الجنوبية توجد غرفتان معقودتان ومفتوحتان على الإيوان وتحتويان على نوافذ قنديلية مغشاة بزجاج معشق ومتعدد الألوان، كما يقابل إيوان القبلة إيوان مماثل فى الجهة الغربية ويحتوى على دكة المبلغ، ويوجد فى الجانب الشمالى من جدار الإيوان الغربى ثلاث حنيات مغلقة يعلوها حنيات أخرى، مما يدل على أن هذا الجزء من المسجد كان يتصل ببناء خلف هذا الإيوان، وتم اقتطاعه من المسجد الآن، وبنى مكانه منزل. أما الإيوان الشمالى والجنوبى فهو أصغر من الإيوانين السابقين، وحُليت فتحتهما المطلة على الصحن بكرادى خشبية جميلة ويحتوى الإيوان الشمالى على ست نوافذ تطل على شارع جانبي، أما الإيوان الجنوبى فيحتوى على باب يؤدى إلى طرقة تنتهى إلى مدخل المسجد الرئيسى الذى يطل على شارع بورسعيد. كما يحتوى المسجد على ضريح الشيخ عبد القادر الدشطوطى والذى يوجد فى الركن الشمالى الشرقى للمسجد، وهو عبارة عن غرفة مربعة يدخل إليها من الإيوان الشمالي، وفى أركان المربع توجد حنية واحدة كبيرة حولت المربع إلى مثمن أقيمت فوقه قبة مرتفعة، وقد فتحت فى حوائط الضريح الأربعة نوافذ قنديلية مماثلة للتى بالغرفتين المطلتين على إيوان القبلة وهذه النوافذ غشيت بالزجاج المعشق.