أنهت درسها بالرابعة عصرًا مُحتضنة كُتبها فى طريقها للمنزل؛ تنوى قضاء الليل على مكتبها لتستعد لامتحان الغد؛ فمن شأنه أن يحدد مصيرها، فتلتحق بالثانوية العامة وتُحلق بحلمها الذى يسمو لجراحة قلب، وكعادتها الرياح تسير بعكس ما تشتهى أنفسنا؛ فهُدمت أحلامها على مدخل المنزل بطلاق والديها، وكان للقدر رأى آخر فى قصتها؛ فخبأ لها دربًا كان وسيلة لوصولها إلى العالمية. انفصل والداها، وأصبحت على أعتاب الضياع بعدما تنصل الوالد من التزاماته اتجاه أبنائه، لتنتهى مشكلاتهم الأسرية على أبواب المحاكم؛ وتقول «ندى أحمد» البالغة من العمر 26 سنة: «تنصل والدانا من جميع واجباتهما تجاهنا، فتوقف أبى عن الإنفاق علينا، ورفضت أمى الوصاية، لينتهى الأمر بى وبأخى فى بيت الأب وزوجته بعد قرار من المحكمة؛ فمنعنى أبى من استئناف دراستى بالثانوية العامة، رغم حصولى على مجموع 97 بالمئة؛ فألحقنى بالتعليم الصناعى لأُنهى درب علامى سريعًا؛ فلا أكون عبئًا عليه؛ وأتمكن من مساندة زوجة أبى بأعمال المنزل، ليتوفى الله أبى بنفس يوم حصولى على شهادة الدبلوم». تزداد الضغوط وتشتد الصراعات التى تُقبل عليها واحدة تلو الأخرى، ينخر المرض جسد والدتها التى انتقلت للعيش معها بعد موت الأب؛ لتصبح هى رجل البيت المسئولة عن تدبيره بالعمل لسد الأفواه المفتوحة؛ فتقول: «عملت إلى السابعة مساء كل ليلة بمصنع ملابس؛ كنت أعمل لورديتين؛ رضيت بالشقى ولكنه لم يرض عنى، تعرضت منذ أول يوم عمل لابتزازات عدة، كُنت فريسة وسط مجموعة من الذكور؛ الذين أخذوا يتراهنون علىّ لأقع فى شباكهم، وقررت ترك العمل والزواج للخلاص من كل هذا، فتزوجت من زميل لى وعدنى بأنه سيعمل قدر المستطاع لمساندة والدتى وأخى، وسيدعمهما لآخر لحظة، فمرت علىّ حينها أفضل سنتين من عمرى». تبلغ الاختبارت أشدها بمرض الأخ هو الآخر؛ ليصبح الزوج عاجزًا عن الإنفاق عليهم خاصة بعدما رزقهم الله بمولودين؛ فتقول «ندى»: «فى أثناء ما كُنت أضع طفلى الثانى، اكتشفت أن شقيقى يعانى مشاكل بالقلب تمنعه من العمل، لتبدأ حينها عقدة أخرى بعدما ظننت أن كل الهموم قد تلاشت بزواجى، لم أنتظر شهرًا وأخذت أفكر بمشروع أتمكن من خلاله معالجة أخى والإنفاق على والدتى وجلب علاجها». لم يكن من الطبيعى أن تولد قصص النجاح داخل رحم الاستقرار، فلا بد من الاختبارات التى تُلقيها الأقدار بدروبنا أن تبلغ أشدها، لم يتخلل اليأس روحها ولم تخش من الخضوع لبيئة العمل من جديد، فتقول «ندى»: «ظللت أبحث عن عمل لشهرين وكل يوم يمضى تسوء فيه حالة أخى عما قبله؛ وفى أثناء تلك الفترة، بدأت تتحسن قدرتى على الطهو، وبدأ كل من يتذوق طعامى يُثنى عليه خاصة حلوياتى؛ حتى جاء يوم وطلبت منى إحدى صديقاتى أن أعد لها كعكة عيد زواجها بمقابل مادى، وذلك عندما علمت بأزمتى المادية، بدأت أفنن لها الكعكة فصنعت سريرًا نائمًا عليه ثلاثتهم؛ هى وزوجها ورضيعها، نالت الكعكة إعجابها فصورتها ووضعتها على موقع «فيس بوك»، ومن يومها بدأت الطلبات تتهافت علىّ؛ ولكن وسط كل تلك الطلبات لم أتمكن من صنع شىء، فلم يكن بحوزتى حينها سوى 50 جنيها، لا تكفى لإعداد شىء، فاقترضت 5 آلاف من جارتى؛ وبدأت فى إعداد الكعك وتشكيله بحسب الطلب والمناسبة، وساعدتنى على ذلك خلفيتى الفنية بالرسم؛ فأرسم كل ما يُطلب منى، ومن ثم أبدأ فى تشكيله بعجينة السكر، فى أثناء تلك الفترة لم تتجنبنى المشاكل بل بالعكس، أخذ العديد من المُحيطين بنا بمحاولات للإيقاع بينى وبين زوجى ليمنعنى من العمل؛ ولكنه لم يفعل وأخذ يدعمنى حتى أوصلنى برفيقه بدولة عربية، ليكون هو مندوب مشروعى بدول الخليج، لأبدأ من يومها الطريق للعالمية الذى وصلت إليه زاحفة».