كل معلومة فى كتاب لاهوتى يمكن أن تغير فكر شخص وحياته الشرق يهتم بالتأمل والمنهج الصوفى الروحانى.. بينما الغرب ينجذب نحو العقلنة شباب اليوم هم آباء المستقبل إن جاز التعبير أتعجب من انتشار كتب المعجزات بين الشعب حالة من النشاط فى مجالات البحوث الكنسية والترجمة اللاهوتية تشهد أروقة الكنيسة القبطية فى الفترة الأخيرة، وظهر على السطح مجموعة من الشباب الذين يحملون على عاتقهم بعث مزيد من الدراسات المسيحية والأصول الآبائية فى حركات تهدف لعودة الروح وكسر حالة التجمد، ومن بين هولاء الشباب تميز المترجم اللاهوتي أمجد مسيحة وديع بشارة، وفى هذا الحوار نتعرف على عالم المترجم اللاهوتي. متى وكيف اكتشفت اهتمامك بالبحث والكتابة فى المجال المسيحي؟ - منذ الصغر وأنا أحب القراءة وأقرأ بنهم أى كتاب يقع بين يديَّ، وكان لأساتذتى فى مدارس الأحد، وأخص بالذكر سامى جرجس فضل كبير فى تزويدى بالكتب المسيحية. بعد المراحل الأولى من الدراسة الجامعية، بدأت فى قراءة الآباء، وبدأت بكتاب ضد الآريوسيين للقديس أثناسيوس الذى جذبنى أسلوبه ومنطقه فى شرح اللاهوت، وكان لهذا الكتاب الفضل الأكبر فى تكوين فكرى العقيدي، ومن بعدها لم أترك كتابًا له أو عنه إلا وقرأته. وبدأت من خلال منتدى الكنيسة العربية أجيب عن بعض الأسئلة التى تأتى من مسيحيين وغير مسيحيين، وبعدها بدأت فى كتابة أولى مقالاتى على المنتدى، ثم على مدونتى الخاصة (التقليد الأرثوذكسي)، ومن هنا بدأت أهتم باللاهوت كأولوية. هل هناك تعريف للمترجم اللاهوتي، وما الذى يميز الترجمة فى هذا المجال عن الترجمات الأخرى؟ - المترجم اللاهوتى يجب أن يكون دارسًا للاهوت، فكل كلمة وكل عبارة يمكن أن تفرق كثيرًا، وكل معلومة فى كتاب لاهوتى يمكن أن تغير فكر شخص وحياته، لذا وجب على المترجم أن يكون شديد الانتباه والحرفية فى اختيار الألفاظ وسرد النص بمنهجية لاهوتية. كما أن لبعض الآباء مصطلحات خاصة وجب تعريفها والإشارة إليها. هل مجالات البحث فى القضايا المسيحية بالغرب هى نفس مجالات الاهتمام بالشرق؟ وكيف تختار ما تترجمه؟ - بكل تأكيد لا، فالشرق منذ البدء يهتم بالتأمل والمنهج الصوفى الروحاني، حتى فى الديانات غير المسيحية وغير السماوية، بينما الغرب ينجذب بالأكثر نحو العقلنة والمنهج الاستدلالى المنطقي، والمقصود بالغرب قديمًا هم المتحدثون باللاتينية، هؤلاء غير المتهذبين بالفلسفة اليونانية وأفكارها، وأختار ما أترجم بناء على ما يحتاجه الشعب المسيحى الناطق بالعربية، وهكذا أيضًا أختار موضوعات أبحاثي، فالمسيحية العربية لم تمر بعصر النهضة حتى، بل توقفت عند القرن العاشر، وما علمت به بعد ذلك نقل مجرد مما تطور فى لاهوت الغربيين، لذا فهم فى حاجة لمعرفة أساسات العقيدة أولًا، لا البحث الأكاديميّ المحض. ترجمت مؤخرا كتاب سوء اقتباس الحقيقة وهو يرد على نقد للإنجيل فما هى مدرسة النقد النصي.. كيف تتعامل معها الكنيسة الشرقية؟ وماذا يعنى الوحى فى المسيحية؟ - النقد النصى أحد العلوم المعروفة فى دراسة المخطوطات عامة، وهدفه الأساسى هو معرفة النص الأصلى الذى كتبه الكاتب الأصلى وتغير عبر الزمن نتاج أخطاء النسخ والترجمة، فهو يحلل النص ويتتبعه فى مراحل مختلفة فى محاولة للوصول للنص الأصلي. وللأسف فى كنيستنا الشرقية لا توجد أدنى معرفة بهذا العلم الهام، أما عن الوحى فى المسيحية فهو استنارة، ناتجة عن تفاعل الروح القدس مع الإرادة البارة للكاتب، وما زال موجودًا فى الكنيسة، لم يقفل عليه بعد بين طيات كتاب. توجد حاليا موجة من الباحثين الشباب الذين يقدمون على الكتابة المختلفة فى المجالات المسيحية.. كيف نشأت هذه الموجة؟ وماذا يميز كتاباتهم؟ وما مستقبلهم؟ وما واجب الكنيسة نحوهم؟ - الأبحاث التى أنتجها شباب فى الفترة الأخيرة هى كنز لكنيستنا القبطية خاصة، وللكنيسة العربية بشكل عام، شباب اليوم هم آباء المستقبل إن جاز التعبير. بحكم عملى كمحرر فأنا أطلع على معظم هذه الدراسات والترجمات قبل ظهورها، وأفاجأ من كم المراجع والمجهود البحثى المبذول فيها. وعلى الكنيسة أن تحتضنهم وترعاهم وتشجعهم بكل الطرق ليستمروا، قبل أن تعتصرهم ضغوطات الحياة، أو تدفعهم القسوة والجمود للهرب خارج حظيرة الحملان، فهم شباب صغار قبل كل شيء، فليخافوا عليهم كرعاة مؤتمنين. هل هناك قراء يواكبون هذا الإنتاج الغزير؟ - يوجد قراء شباب متعطشون للدراسات البحثية القيمة، أعتقد أن تخمة التأملات وقصص المعجزات التى لا تخلو من الخرافة قد أصابتهم وأنهكت عقولهم، خاصة فى عالم السوشيال ميديا المفتوح الآن على كل التعاليم والآراء. وبماذا تبرر انتشار كتب المعجزات بين الأقباط؟ - حقيقة لا أعرف سبب انتشار كتب المعجزات إلى هذا الحد، انتشارها من مؤلفيها طبيعى فهى تدر مبالغ كبيرة وتوزيعها يفوق الخيال، بينما بين الشعب فأنا أتعجب حقًا. أعتقد أن الشعب يقتنيها كبركة من الدير أو أى مزار آخر يذهب إليه، وتوزيعها فى هذه الأماكن ذات الثقة العالية فى نفوس المؤمنين البسطاء هو كارثة حقيقية. على ماذا تعمل هذه الأيام؟ - حاليًا أعمل على مجموعة من الكتب، شارفت على الانتهاء من كتاب ورثة مسيحك، وهو يناقش عقيدة التأله عند الآباء.. ومع صديقى موريس ميخائيل الباحث المتخصص فى دراسات العهد الجديد نترجم كتابًا هامًا عن تاريخ الكنيسة.. وكتابًا آخر لسى إس لويس يناقش قضية الشك وبعض الأعمال الأخرى. أمجد مسيحة وديع بشارة تخرج فى كلية الحقوق جامعة عين شمس، درس بعض الدراسات الحرة فى مركز دراسات الآباء، والمركز الثقافى الفرنسيسكاني، وكلية العلوم الدينية.. وغيرها. قدم «أمجد» للمكتبة المسيحية عددا من الدراسات المهمة، منها كتاب «قصة الحب العجيب»، قراءة فى لاهوت الخلق والسقوط والفداء، يناقش خلاله موضوع الخلاص بنظرة آبائية، ويتحدث عن الخلاص كقصة بدأت منذ خلق الله العالم بالكلمة، ولم تكتب سطورها الأخيرة بعد، فالفداء لا ينحصر فى الصليب كما يعتقد البعض. وكتاب «الثالوث القدوس قبل نيقية» وهذا كتاب فريد من نوعه إلى حد ما، فبالعربية لا يوجد كتاب يناقش هذا الموضوع.. وموضوعه مفهوم الثالوث فى تعاليم آباء ما قبل نيقية، ويبدأ من الكتاب المقدس بعهديه، ثم كتب أبوكريفا العهد الجديد، الكتب المرفوضة، ثم من النصوص الليتورجية، نصوص العبادة، القديمة فقط، بعدها ينتقل بنا الكتاب لشرح الثالوث وفقًا لآباء الكنيسة بترتيبهم التاريخي.. وفى الأخير يناقش الكتاب التعليقات السلبية التى تقال ضد لاهوت بعض آباء ما قبل نيقية.. كما ترجم كتاب «سوء اقتباس الحقيقة، الرد على أستاذ العهد الجديد اللادينى بارت إيرمان، للكاتب تيموثى بول جونز. والكتاب لا يعتمد فقط على الأدلة العلمية والمخطوطات لإثبات صحة الإنجيل، بل يناقش منطق إيرمان النقدى أيضًا.. ويقتبس نصوصًا مطولة من كتب إيرمان، ولا سيما كتابه: سوء اقتباس يسوع.. وأصدر أيضا كتاب «مدخل إلى اللاهوت المسيحي» كتاب لغير الأكاديميين والمتخصصين، يعطى تعريفًا أو مدخلًا لأهم التعاليم اللاهوتية المسيحية، مصحوبة بشروحات مبسطة وتعليقات آبائية.