مدرسة الشهيد مصطفي يسري، كل ما تريد معرفته عن لجنة الرؤساء وكبار رجال الدولة    إثيوبيا تحب الاحتفاظ بأكبر قدر من المياه وتسبب مخاطر لدول المصب| مسئول سابق يكشف    أخبار مصر: صرف مرتبات شهر نوفمبر، انطلاق التصويت في المرحلة الثانية لانتخابات البرلمان، سبب زيادة العدوى بالفيروسات التنفسية، انخفاض درجات الحرارة    وزيرة التنمية المحلية تلقى كلمة مصر أمام الدورة ال11 لمؤتمر منظمة الأمم المتحدة بالرياض    أسماك القرش في صدارة جدول أعمال مؤتمر عالمي حول الحياة البرية    أمريكا وأوكرانيا تتفقان على تغيير مسودة خطة السلام    تضرر أكثر من 11 ألف شخص في سبع ولايات بماليزيا جراء الفيضانات العارمة    إعلان حالة الطوارئ في الإسكندرية استعدادا لتقلبات الأحوال الجوية    شوربة كريمة صحية بدون كريمة، وجبة خفيفة ومشبعة ولذيذة    بعد واقعة أطفال الكي جي| 17 إجراء من التعليم تجاه المدارس الدولية والخاصة في مصر    أخبار متوقعة ليوم الاثنين الموافق 24 نوفمبر 2025    اسعار السمك البلطى والبورى اليوم الإثنين 24نوفمبر 2025 فى اسواق المنيا    «الداخلية»: بدء انتشار عناصر الأمن بمحيط لجان انتخابات مجلس النواب    زيلينسكي يرد على انتقادات ترامب بأسلوب يثير التساؤلات    اللجنة العليا للحج تكشف أساليب النصب والاحتيال على الحجاج    الأرصاد تحذر: شبورة مائية كثيفة تصل لحد الضباب على الطرق السريعة والزراعية    «مبروك رجوعك لحضني».. «مسلم» يعود ل يارا تامر    اليوم.. انطلاق تصويت المصريين بالداخل في المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب    أسعار النفط تواصل خسائرها مع بدء محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا    مستشار الرئيس لشئون الصحة: لا فيروسات جديدة في مصر.. ومعدلات الإصابة بالإنفلونزا طبيعية    ردد الآن| دعاء صلاة الفجر وأفضل الأذكار التي تقال في هذا الوقت المبارك    أدعية المظلوم على الظالم وفضل الدعاء بنصرة المستضعفين    بعد إصابة 18 شخصا في أسيوط.. البيطريين: ليس كل كلب مسعورا.. وجرعات المصل تمنع الإصابة بالسعار    تامر حسني يعود إلى مصر لاستكمال علاجه.. ويكشف تفاصيل أزمته الصحية    ديفيد كاميرون يكشف إصابته بسرطان البروستاتا    هل يوجد علاج للتوحد وما هي أهم طرق التدخل المبكر؟    النائب إيهاب منصور: خصم 25% عند السداد الفوري للتصالح.. وضرورة التيسير وإجراء تعديلات تشريعية    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 24 نوفمبر في القاهرة والمحافظات    في الذكرى الثامنة لمجزرة مسجد الروضة الإرهابية.. مصر تنتصر على الظلام    بعد واقعة مدرسة سيدز.. عمرو أديب لأولياء الأمور: علموا أولادكم محدش يلمسهم.. الشر قريب دائما    سيف الجزيري: سعداء بالفوز على زيسكو ونسعى لمواصلة الانتصارات    حاله الطقس المتوقعه اليوم الإثنين 24نوفمبر 2025 فى المنيا    حفيدة الموسيقار محمد فوزي: لا علاقة مباشرة بين العائلة ومتسابق ذا فويس    دراسة تحذر: تصفح الهاتف ليلاً قد يزيد من خطر الأفكار الانتحارية    ترامب: قناتا «ABC» و«NBC» من أسلحة الحزب الديمقراطي    محامي "مهندس الإسكندرية" يطلب تعويض مليون جنيه وتوقيع أقصى عقوبة على المتهم    مسلم ينشر أول فيديو بعد رجوعه لزوجته يارا    الزمالك يعلن تفاصيل إصابة دونجا.. جزع في الركبة    نتيجة وملخص أهداف مباراة ريال مدريد ضد إلتشي في الدوري الإسباني    بكام التفاح الاخضر ؟...... تعرف على اسعار الفاكهه اليوم الإثنين 24 نوفمبر 2025 فى المنيا    مدرب الزمالك يكشف سر استبدال جهاد أمام زيسكو.. وسبب استبعاد محمد السيد    د.حماد عبدالله يكتب: "بكْرّة" النكَدْ "بكْرَّة" !!    ترتيب الدوري الإسباني.. برشلونة يقلص فارق النقاط مع ريال مدريد    ضبط تشكيل عصابي خطف 18 هاتفًا محمولًا باستخدام توكتوك في الإسكندرية    مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 24نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    عمر هريدى: رمضان صبحى اعترف بواقعة التزوير.. ويتهرب من أداء الامتحانات    مجدى طلبة: تجربة جون إدوارد ولدت ميتة والزمالك أهدر فلوسه فى الديون    بولسونارو يبرر إتلاف سوار المراقبة الإلكتروني بهلوسات ناجمة عن الدواء    البرهان ينفي انتقادات أمريكية بسيطرة الإخوان على الجيش السوداني    رئيس مياه القناة يعقد اجتماعا لمتابعة جاهزية فرق العمل والمعدات الحيوية    نقيب المأذونين ل«استوديو إكسترا»: الزوجة صاحبة قرار الطلاق في الغالب    اللجنة العليا للحج: 2 مليون جنيه غرامة والحبس سنة لسماسرة الحج    ريمون المصري يدعو المنتجين لتقديم أعمال سينمائية عن التاريخ المصري القديم    برلماني: المشاركة الكبيرة للمصريين بالخارج في الانتخابات تمثل رسالة وطنية    المصري يواجه كايزر تشيفز الليلة في الكونفدرالية.. بث مباشر وتغطية كاملة    موعد ميلاد هلال شهر رجب 1447 وأول أيامه فلكيا . تعرف عليه    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فانصروا الوطن يرحمكم الله !؟    القمة النارية بين آرسنال وتوتنهام الليلة.. موعد المباراة القنوات الناقلة والتفاصيل الكاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"صوم يونان".. الكنائس الشرقية تصوم ثلاثة أيام تذكارًا للنبي
نشر في البوابة يوم 18 - 02 - 2019

داعش تمحى آخر آثار مدينة نينوى العظيمة فى تل «التوبة» العراقية
البابا شنودة: «يونان» قصة صراع بين الذات الإنسانية والله
الأنبا غريغوريوس يشرح وجه الشبه بين الرمز والمرموز إليه فى قصة يونان
«الباعوثا» يجمع الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية.. وصوم التوبة يسبق صيام القيامة ب15 يومًا
بدأت الكنائس القبطية الأرثوذكسية والكاثوليكية صوم يونان أو صوم باعوثا، بحسب الكنائس الشرقية، ويستمر 3 أيام (الإثنين والثلاثاء والأربعاء)، ويصوم المسيحيون الأيام الثلاثة تشبهًا بيونان النبي. ويعتبر صوم يونان لدى الأرثوذكس من أصوام الدرجة الأولي، والتى لا يجوز فيها أكل السمك، وهو صوم يسبق صوم القيامة ب15 يومًا، وتقام القداسات الإلهية بالكنائس على مدار أيام الصوم الثلاثة.
قرون عديدة تنفصل بين ذهاب يونان النبى إلى مدينة نينوى لدعوتهم للتوبة، ودخول تنظيم القاعدة «داعش» إلى المدينة التاريخية ونشر الدمار والفساد بين شوارعها ومساجدها وكنائسها، وقتل أهالى المدينة وسبى نسائهم.
شاهد على أطلال نينوى
تعد مدينة «نينوى» العراقية من أشهر وأعظم المدن فى العصور القديمة، لذلك وصفها الكتاب المقدس «المدينة العظيمة»، ونينوى التى تعد آخر عواصم الإمبراطورية الأشورية، تقع فى الجانب الشرقى من مدينة الموصل الحالية، وتقبع آثارها تحت ركام الأتربة التى تجمعت عليها لتخفى معظمها عن الأنظار، خلال أكثر من أربعة وعشرين قرنًا من الزمان.
وفى أعرق شوارع الموصل التاريخية التى شهدت توبة شعب بأكمله، يقع مسجد وضريح «يونس النبي»، أو «يونان»، وبداخله بقايا العاصمة الأشورية نينوى، التى كانت تقوم على تل التوبة.
«تل التوبة» يحوى بقايا وأطلال نينوى، وقد أورد هذا المكان سفر يونان الذى يرجح تاريخ كتابته نحو 785-760 ق. م تقريبا، وقد حوى السفر سردا للحادثة الخاصة بالنبى يونان الذى كان سابقا للنبى عاموس، وفى أثناء حكم يربعام الثانى أقوى ملوك إسرائيل (793-753 ق. م) كانت أشور ألد أعداء إسرائيل وهزمتها فى عام 722 ق. م.
ورغم توبة نينوى لم تدم كثيرا، فقد دمرت المدينة فى عام 612 ق. م، يرى أن (تل التوبة) مر بأدوار تاريخية، كان فى السابق معبدا أشوريا وحتى الآن تحتوى أنفاق تحت التل على نقوش ورموز أشورية، ليصبح بعدها ديرا تسميه المراجع العربية باسم دير يونان بن امتاى أو دير يونس.
وفى الضريح، بحسب المصادر التاريخية، يوجد رفات رئيس الأساقفة حنا نيشوع الأول، الذى أنشا الدير فى القرن الرابع الميلادى على إثر انتشار المسيحية بمدينة نينوى المندثرة منذ القرون المسيحية الأولى، فيما تؤكد مصادر أخرى أن الضريح يعود إلى يونس بن أمتاي، أحد الرهبان، وليس النبى يونان المذكور فى العهد القديم.
وذكر الرحالة ابن بطوطة (703 - 779ه) هذه التلة باسم تلة النبى يونس، عندما قدم إلى الموصل، حيث أورد ذلك فى كتابه تحفة النظار (وفى التل بناء عظيم ورباط فيه بيوت كثيرة ومقاصر ومطاهر وسقايات يضم الجميع بابا واحدا، وفى وسط الرباط بيت عليه ستر حرير وله باب مرصع يقال إنه الموضع الذى به موقف يونس عليه السلام ومحراب المسجد الذى بهذا الرباط يقال إنه كان بيت متعبده عليه السلام. وأهل الموصل يخرجون فى كل ليلة جمعة إلى هذا الرباط يتعبدون فيه)، ولا يعرف تحديدا تاريخ بنائه، ولكن ذكره أبى زكريا الأزدى المتوفى من سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة.
وبانتشار الإسلام فى المدينة تحول الدير إلى جامع فى القرن العاشر، وكان آخر ذكر للدير ورد سنة 923 م والجامع الذى دمره تنظيم الدولة الإسلامية لا يرى اتجاهه نحو مكة شأنه شأن الجوامع الإسلامية، لكن اتجاهه نحو الشرق تماما مثل كل كنيسة قديمة.
وكان 24 يوليو 2014 تاريخا فارقا فى «تل التوبة» بعد تفجير داعش للمسجد الذى كان يحظى بمنزلة خاصة عند أهالى الموصل، ضمن الحملة التى شنها لهدم كل المساجد التى تتضمن أضرحة.
قصة صراع
يقول البابا الراحل شنودة الثالث، إن قصة يونان النبى هى قصة صراع بين الذات الإنسانية والله. ويونان النبى كان إنسانا تحت الآلام مثلنا، وكانت ذاته تتعبه.
ونتأمل هنا صراع ذاته مع الله، الذى يريد أن يسير فى طريق الله، ينبغى أن ينكر ذاته، يجحدها وينساها، ولا يضع أمامه سوى الله وحده.
ومشكلة يونان النبى أن ذاته كانت بارزة ومهمة فى طريق كرازته، وكانت تقف حائلا بينه وبين وصية الله، ولعله كثيرا ما كان يفكر فى نفسه هكذا: «ما موقفى كنبي، وكرامتي، وكلمتي، وفكرة الناس عني؟ وماذا أفعل إذا اصطدمت كرامتى بطريقة الله فى العمل؟» ولم يستطع يونان أن ينتصر على ذاته، كلفه الله بالذهاب إلى نينوى، والمناداة بهلاكها، وكانت نينوى عاصمة كبيرة فيها أكثر من 120000 نسمة، ولكنها كانت أممية وجاهلة، ولكن يونان أخذ يفكر فى الموضوع: سأنادى على المدينة بالهلاك، ثم تتوب، ويتراءف الله عليها فلا تهلك. ثم تسقط كلمتي، ويكون الله قد ضيع كرامتى على مذبح رحمته ومغفرته. فالأفضل أن أبعد عن طريقه المضيع للكرامة.
وهكذا وجد سفينة ذاهبة إلى (ترشيش)، فنزل فيها وهرب. لم يكن يونان من النوع الذى يطيع تلقائيا. إنما كان يناقش أوامر الله الصادرة إليه، ويرى هل توافق شخصيته وذاته أم لا.
لكن مهما هربت من الوصية ستجدها تطاردك حيثما كنت ترن فى أذنيك وتدور فى عقلك، وتزعج ضميرك، إن كلمة الرب قوية وفعالة، ومثل سيف ذى حدين، وتستطيع أن تخترق القلب والعقل وتدوى فى أرجاء الإنسان.
هرب يونان إلى (ترشيش) ونسى أن الله موجود فى ترشيش أيضا. وركب السفينة وهو يعلم أن الله هو إله البحر كما أنه إله البر أيضًا. ولم يشأ الله أن يصل يونان إلى ترشيش وإنما أمسكه فى البحر وهيج الأمواج عليه وعلى السفينة كلها. والعجيب أن يونان كان قد نام فى جوف السفينة نوما عميقًا، وتمركز حول ذاته وشعر أنه حافظ على كرامته فنام نوما ثقيلًا. وتصرف ركاب السفينة بحكمة وحرص شديدين، وبذلوا كل جهدهم الفنى وصلوا كل واحد إلى إلهه وألقوا قرعا ليعرفوا بسبب من كانت تلك البلية فأصابت القرعة يونان.
الوحيد الذى لم يذكر الكتاب أنه صلى كباقى البحارة. كان يونان وحتى بعد أن نبهه أو وبخه رئيس النوتية لم يلجأ إلى الصلاة. كأن عناده أكبر من الخطر المحيط به.
أما مشيئة الله فكانت لا بد أن تنفذ، هل تظن يا يونان أنك ستعاند الله وتنجح هيهات لا بد أن تذهب مهما هربت، ومهما غضبت. إن الله سينفذ مشيئته سواء أطعت أم عصيت، ذهبت أم هربت. ألقى يونان فى البحر، وأعد الرب حوتا عظيما فابتلع يونان. «يا يونان صعب عليك أن ترفس مناخس». إن شئت فبقدميك تصل إلى نينوى، وإن لم تنشأ فستصل بالبحر والموج والحوت. بالأمر، إن لم يكن بالقلب.
وفى جوف الحوت وجد يونان خلوة روحية هادئة ففكر فى حاله. إنه فى وضع لا هو حياة ولا هو موت. وعليه أن يتفاهم مع الله، فبدأ يصلى إنه لا يريد أن يعترف بخطيئته ويعتذر عنها وفى نفس الوقت لا يريد أن يبقى فى هذا الوضع. فاتخذ موقف العتاب وقال: «دعوت من ضيقى الرب فاستجابني... لأنك طرحتنى فى العمق... طردت من أمام عينيك».
فى كل هذا لم تكن مشيئة يونان موافقة لمشيئة الله، ولم يكتف يونان بهذا بل عاتب الله وبرر ذاته وظن أن الحق فى جانبه. فصلى إلى الله وقال: آه يا رب أليس هذا كلامى إذا كنت بعد فى أرضي. لذلك بادرت بالهرب إلى ترشيش لأنى علمت أنك إله رؤوف ورحيم.
وفى تلك الحالة القلبية الخاطئة تكلم يونان كما لو كان مجنيًا عليه وقال: آه يا رب؟ وكيف ظن الحق فى جانبه قائلًا: أليس هذا كلامى وكيف برر هروبه قائلا: لذلك بادرت بالهرب.. لم يقل ذلك فى شعور بالندم أو الانسحاق بل فى شعور من له حق، وقد رضى بالتعب صابرًا! عجيب هو الإنسان حينما يجامل نفسه على حساب الحق، ويرفض الاعتراف بالخطأ مهما كانت أخطاؤه واضحة. على أن الله استخدم فى علاجه أربعة أمثلة من مخلوقاته غير العاقلة التى كلفت بمهام صعبة وأدتها على أكمل وجه دون نقاش: «الأمواج» التى لطمت السفينة حتى كادت تغرق، «الحوت» الذى بلع يونان، «الشمس» التى ضربت رأسه فذبل، «الدودة» التى أكلت اليقطينة.
وجلس يونان شرقى المدينة ليرى ماذا يحدث فيها. كما لو كان ينتظر أن يعود الله فيهلك الشعب كله إرضاء لكرامة يونان، وأعطاه الله درسا من كل تلك الكائنات غير العاقلة التى كانت أكثر تنفيذًا لمشيئته من هذا النبى العظيم الذى لم يتركه الرب بل هداه إلى طريقه.
وجه الشبه بين الرمز والمرموز إليه
وحول وجه الشبه بين الرمز والمرموز إليه فى «صوم يونان»، يقول الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمى بالكنيسة الأرثوذكسية، فى هذا الجزء قائلًا: إن يسوع (لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى، هكذا يكون ابن الإنسان لهذا الجيل) وقال: (لأنه كما مكث يونان ثلاثة أيام وثلاث ليال فى جوف الحوت، كذلك يمكث ابن الإنسان ثلاثة أيام وثلاث ليال فى جوف الأرض).
كان يونان النبى آية لأهل نينوى، لأنه بمناداته وإنذاره لهم بالغضب الإلهى على خطاياهم، صدقوه وأطاعوه، وتابوا عن خطاياهم وتابوا إلى الله، صائمين ضارعين بصلوات وابتهالات، وبكاء ودموع، فأشفق الله عليهم، ورفع غضبه عنهم، وأوقف قضاءه بهلاكهم، فنالوا الخلاص والنجاة، وعبروا من الموت إلى الحياة.
قال الكتاب المقدس: فقام يونان وانطلق إلى نينوى بحسب قول الله فابتدأ يونان يدخل المدينة، ونادى وقال بعد 40 يومًا تنقلب نينوى. فآمن أهل نينوى بالله، ونادوا بصوم ولبسوا مسوحا من كبيرهم إلى صغيرهم. وبلغ الكلام ملك نينوي، فقام عن عرشه، وألقى عنه حلته، والتف بمسح وجلس على الرماد. ونودى وقيل فى نينوى عن أمر الملك وعظمائه قائلًا: لا تذق الناس ولا البهائم ولا البقر ولا غنم شيء، ولا ترع ولا تشرب ماء. وليلتف الناس والبهائم بمسوح، وليصرخوا إلى الله بشدة، ويتوبوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذى بأيديهم، لعل الله يعود ويندم ويرجع عن اضطرام غضبه فلا نهلك. فلما رأى الله أعمالهم، أنهم تابوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذى قال إنه يصنعه بهم، ولم يصنعه.
كان يونان النبى آية لأهل نينوي، لأنه بمناداته صار الهدي، وتمت المعجزة، معجزة العبور من حال إلى حال. فقد تبدل الضلال إلى رشد، والعقوق إلى تقوى الله، والعصيان إلى طاعة الله وخضوع، والجحود والكفران إلى إيمان وغفران.. فكان يونان لأهل نينوى آية وخلاصا. جاء نذيرا فصار بشيرًا. أو قل كان يونان كما يدل اسمه (حمامة) سلام وخير. فإن الاسم (يونان) هو الصيغة السريانية والعربية للاسم العبرى (يوناه lonah) ومعناه (حمامة) ويكتبه الإغريق يوناس «lonas».
فى عمل الهداية كان يونان النبى رمزًا إلى يسوع المسيح (الكلمة) الذى نزل من السماء فى صورة (ابن الإنسان) (صائرًا فى شبه الناس). جاء ينادى ببشارة ملكوت الله قائلا: (قد تم الزمان، واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل). وجعل (يسوع يبشر قائلا: (توبوا فقد اقترب ملكوت السموات).
وكما تصالح أهل نينوى مع الله بتوبتهم، فرحمهم الله، ورفع غضبه عنهم، هكذا على صعيد البشرية كله، صالحنا المسيح له المجد مع العدل الإلهى بعمل الفداء الذى كفر به عن خطيئة آدم وكل بنى آدم الذين أخطأوا فى آدم، (لأنه هو سلامنا الذى جعل الاثنين واحد، ونقض حائط السياج المتوسط أى العداوة، صانعا سلامًا، مع الله بالصليب، قائلًا العداوة به. فجاء وبشركم بالسلام أنتم البعيدين والقريبين).
على أن المشابهة بين يونان والمسيح، امتدت إلى ما هو أبعد من المناداة، امتدت إلى المشابهة به فى قبره، وخروجه من القبر حيًا. كان يونان فى السفينة هاربًا من وجه الله، فلما حدث نوء عظيم فى البحر وعرف البحارة من «يونان» أنه بسببه حدث هذا النوء العظيم، أخذوا يونان وطرحوه فى البحر، فوقف البحر عن هيجانه، وأما الله فأعد حوتا عظيما ليبتلع يونان، فكان يونان فى جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، ثم أمر الرب الحوت فقذف يونان إلى البر.
هكذا، بالقياس مع الفارق، صنع اليهود والرومان بالمسيح، حكموا عليه بالموت وصلبوه، فمات بالجسد وهو بلاهوته الحى الذى لا يموت، ودفنوه فى القبر، فظل جسده فى القبر ثلاثة أيام وثلاث ليال، ثم قام فى اليوم الثالث من القبر، والقبر مغلق، وخرج حيا لأنه لم يكن ممكنا للقبر أن يضبطه أو للموت أن يمسكه.
إذن كما حمل الحوت يونان، وكان يونان حيًا فى الحوت على الرغم من أنه فى حكم الميت، فكان الحوت ليونان بمثابة القبر للمسيح الرب، وكما خرج يونان النبى حيًا بعد أن ابتلعه الحوت ثلاث أيام وثلاث ليال، خرج المسيح الرب من القبر حيا من بعد أن ذاق الموت بالجسد.
والفارق مع ذلك عظيم بين يونان وبين المسيح. كان يونان هاربًا من وجه للرب، فأعد الرب له حوتًا عظيمًا ليبتلعه، فدخل الحوت مقهورا، بينما المسيح بذل ذاته للموت بإرادته، فداء عن البشرية.
صوم الباعوثة
الأب نور القس موسى - العراق
باعوثة نينوى كلمة سريانية معناها هو الطلبة أى طلبات نينوى.. هذا الصوم هو أحد الأصوام المهمة فى كنيستنا الشرقية (السريان – الكلدان – الكنيسة الشرقية الأشورية والكنيسة الشرقية القديمة)، حيث إن فى الكنيسة الشرقية العديد من الأصوام، لكن لصوم الباعوثة مكانة مميزة لدى كنيستنا كما للصوم الأربعيني، يبدأ صوم الباعوثة يوم الاثنين الثالث الذى يسبق الصوم الكبير، أى قبل ثلاثة أسابيع من بدء الصوم الكبير، ويستمر ثلاثة أيام، حيث تغص الكنائس بالمؤمنين الذين يتقاطرون إليها من كل صوب لإقامة الفرائض الدينية والرتب المختصة بهذه الأيام تكفيرًا عما اقترفوه من الذنوب. وتستغرق تلك الصلوات معظم النهار وقسمًا معتبرًا من الليل. وفى يومنا هذا تدوم الصلاة من الصباح حتى الظهر وتنتهى بإقامة الذبيحة الإلهية.
ومن الأسباب الداعية إلى هذا الصوم، هى إحياء ذكرى توبة أجدادنا فى نينوى على يد النبى يونان. ولهذا وضع آباؤنا اسم نينوى على هذه الباعوثة، لأنها نشأت لأول مرة فى تلك البقاع، وهذه بالتأكيد ليست السبب الرئيسى لهذا الصوم، لكن الكتاب والمؤرخين يرون أن هناك سببا آخر، وهو بالتأكيد الصحيح أنه فى سالف الزمان حدث فى مدينة كرخ سلوخ (كركوك حاليا) موت جارف حصد الكثير من الناس، وكان أُسقف تلك البلاد هو مار سبريشوع. فجمع رعيته ودعاهم لإقامة الباعوثة فلبوا دعوته، فصام الجميع حتى الأطفال والأغنام ولبسوا جميعًا المسوح، فدفع الله عنهم ذلك الغضب.
ولما علم الجاثليق حزقيال (570-581) بالأمر كتب إلى جميع المراكز التابعة لجاثليقية المشرق ليصوموا ويصلوا ثلاثة أيام، وحدد أن يبدأ هذا الصوم يوم الإثنين قبل بدء الصوم الكبير بعشرين يومًا، وأطلق عليها باعوثة نينوى تشبهًا بأهلها الذين آمنوا وتابوا فقبل الرب توبتهم وأبعد غضبه عنهم.
باختصار الباعوثة كانت موجودة قبل هذه الحادثة، لكنها لم تكن فرضًا. إلا أن المسيحيين كانوا يمارسونها كلما اشتدت عليهم أزمة أو فاجأتهم كارثة من الكوارث، وهذا ما تؤكده ميامر مار افرام الملفان. وحتى يومنا هذا لا يزال هذا الصوم يستمر ثلاثة أيام، يتم فيه التأكيد على الانقطاع عن الزفرين والصيام حتى الظهر فى أيام الباعوثة الثلاثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.