عبدالرحمن بدوي، أشهر الفلاسفة العرب في القرن العشرين، لم تكن حياته سوى أطوار تختلف بعض البعض، يغترب مرة، ويشعر بالدفء تارة أخرى، يسارع الأفكار والفلسفة فتنتصر عليه مرة، ويهزمها في السباق مرات أخرى، سباقٌ خاضه مع الفلسفة منذ بواكير حياته، ابن دمياط الذي كانت حياته المزدحمة تشبه أفكاره، حيث وُلد لوالدٍ ثري لديه من الأبناء 21 ولدًا، بدأ ابن العمدة حياة بين جدران جامعة فؤاد الأول يدرس الفلسفة في كلية الآداب قسم الفلسفة، تفوُّقه جعله محل نظر عميد الأدب العربي طه حسين، الذي أوفده في بعثة لألمانيا وإيطاليا ليتقن الإيطالية والألمانية، بعد تخرُّج "بدوي" وحصل على درجة "الممتازة" في الليسانس، عُين معيدََا بالجامعة، ناقش طه حسين رسالته في استغراب ودهشة؛ لأنها كانت من نوع خاص لم يتطرق إليها الفلاسفة العرب في هذا الوقت، وليس هذا فحسب، بل قال العميد في مناقشته له: "لأول مرة نشاهد فيلسوفًا مصريًّا"، من هنا بدأت الأطوار الفكرية والفلسفية ل"بدوي"، حيث ناقش مشكلة الموت في الوجود وعلاقتها مع الزمن. ظل حياته يدرس ويناقش الوجود وهو يعادي كل الافكار السائدة، وليس هذا فحسب، بل تجاوز كل ما هو ممنوع في المجتمع الشرقي والذي يحظر مناقشته، وعلى مدى ستين عامًا يُدلي بنظرياته الفلسفية، كانت فلسفته الوجودية تصطدم بالفكر الإسلامي، ودخل في صراعات في هذا الأمر، لكن في آخِر حياته انتهج شكلًا آخر وبدا مدافعًا عن الإسلام بعدما عاش في اغتراب وغربةٍ عنه بأفكاره، كتب الفيلسوف المصري قبل وفاته أهم الكتب التي تحدثت عن القرآن في عصره، حيث أصدر كتاب "دفاع عن القرآن ضد منتقديه"، و"دفاع عن محمد صلى الله عليه وسلم ضد المنتقصين من قدره"، ورغم ما قدّمه له طه حسين فإنه كان شديد الانتقاد له، قال في آخِر حديثٍ له متحدثًا عن الرافعي وطه حسين: "أن الرافعي الأديب الكبير المظلوم الذي يمتلك قدرات ومؤهلات أدبية وفكرية خارقة، وصاحب قلم رشيق، وخيال خصب، وعبارات مبتكرة، وكتابات توزن بميزان الذهب، بينما نجد على النقيض أعمال طه حسين الضاربة فى اتجاه معاداة الإسلام واللغة العربية، والدعوة إلى الفكر الغربي، ثقافة وأدبًا". رغم أنه كان معاديًا لكثير من الأفكار في المجتمع الإسلامي، فإنه قال: أتمنى أن يمد الله في عمري لأصحح الكثير من الأفكار الخاطئة في الإسلام، لكنه توفي قبل أن يتم العام.