«حديد على حديد يفعل الله ما يريد»، إياك أن تأخذ ما ترآه من أمور بظاهرها فخلف كل أمر حكاية يطول سردها، الفطن فقط هو من يقرأها جيدًا ويعى الدروس منها، فإذا ما أخبرتك أن عم حسانين عمره 65 عامًا ويلعب حديد، ستندهش وستختلف فى نفس الموضع الأقاويل، بدءًا من أن هذا الرجل «رايق ودماغه فاضى» مرورًا ب«أن الحياة تبدأ بعد الستين»، «انتهاء بالتندر على أيام زمان.. أيام السمنة البلدى ومياه النيل النظيفة»، لكن خلف الرجل حكاية أخرى، حكاية تحمل فى طياتها صراعاً مع الزمن، حكاية جواد يخشى السقوط فى مضمار الحياة ويريد أن يُكمل السباق على قدميه، عم حسانين يظن أن الزمن يمكنه أن يعود، وأن الجسد الذى انحنى سيستقيم ببعض التمارين، وأن اليد التى ارتعشت يمكنها ضرب الجدار وهدمه، جدار الألم والعتمة.. جدار الوجع والريبة. عم حسانين رفض أن يتصور.. أن يكون فى ألبوم حياته صورة للذكرى مع الزمن.. رغبته فى أن تنقطع سيرته بمجرد رحيله.. لم يتذكره أحد وهو على ظهر الأرض فهل سيتذكرونه وهو فى جوفها! بالكاد تكلم الرجل فقال: «أنا كنت عامل يومية رزقى على عافيتى، السنين مشيت بسرعة وسرقتنى ويدوبك اللى كان جاى على أد اللى رايح.. فى وقت من الأوقات البنى آدم بيفكر العافية باقية.. بيغره الزمن وبينسى يشيل لقمة لبكرة.. ويقول فى عقل باله بكرة جاى بخيره وأهى العيال هتشيل.. لكن الزمن ده كل واحد بيشيل شيلته بالعافية، وأنا غلبان بس نفسى عزيزة مش عايز أتحوج لحد حتى ضنايا، عايز أموت وأنا ماشى على رجلى». يلتقط أنفاسه ثم يتابع: «العافية ما بقيتش زى ما هى وإيدى ما بقتش تسعفنى، ففكرت ألعب حديد، أنا كنت بشوف ناس فى المصارعة كبار فى السن زى الرجل أبو شعر أبيض اللى كان بيقطع الفانلة وكان عنده يجى 80 سنة ومتعافى، وغيره من الممثلين، ولما سألت واحد صاحبى على القهوة قالى يا حسانين دول بيروحوا الجيم وبياكلوا كويس علشان كده صحتهم كويسة، فقولت له وأنا كمان هروح الجيم ده ضحك ومصدقنيش، بس أنا جيت وبقيت مواظب وبينى وبينك العصب شد تانى آه بتعب وأحس إن حيلى مهدود يومين بعدها بس حاسس إن الدم بقى يجرى فى عروقى، وبعدين كل ما يتوفر معايا قرش أجيب ربع كيلو لحمة وأسلقه وأشرب شربته، بتجلى الصدر وترم العضم، وفى رمضان باجى بقى بس يوم واحد ألعب نص ساعة بس علشان أقدر أكمل صيام، وربنا يعينى ويحقق لى أمنيتى وأموت زى السجرة واقف على رجلى.. وزى ما بيقولوا حديد على حديد يفعل الله ما يريد.. الشباب شباب القلب وطول ما فينا نفس داخل وطالع أدينا بنحاول نعيش».