تدخل قضية “,”بني قريظة“,” في قضايا الخيانة العظمى للوطن، بل في أشد أنواعها جناية وأعظمها جرمًا. وما قضى به الإسلام من القتل فيها هو ما تقضي به كل الشرائع في نظائرها، لا فرق في ذلك بين الشرائع القديمة والحديثة، ولا بين السماوية والوضعية. ولم يحكم الإسلام عليهم بذلك لأنهم يهود، بل لأنهم ارتكبوا تلك الخيانة العظمى في حق وطنهم، وهذا هو حكمه في كل من يرتكب تلك الخيانة في حق وطنه، ولا فرق عنده في ذلك بين مسلم ويهودي ونصراني. كان “,”بنو قينقاع“,” أول من سبق من اليهود إلى نقض عهد المسلمين، فأجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن المدينة في السنة الثانية من الهجرة، فذهبوا إلى “,”أذرعات“,” بالشام، ثم تلاهم “,”بنو النضير“,” فأجلاهم عن المدينة في السنة الرابعة من الهجرة، فنزل بعضهم ب“,”خيبر“,”، ونزل بعضهم ب“,”أذرعات“,”، وبقيت “,”بنو قريظة“,” مخلصة لعهدها، لما كانت تجده قبل الإسلام من بغي هؤلاء اليهود عليها. لم يطل إخلاص “,”بنو قريظة“,” للعهد، وكان سلوكهم في التحالف مع المشركين أعداء الإسلام تجسيدًا عمليًا لكل ما تعنيه كلمة الخيانة الوطنية من معنى، دون نظر إلى الانتماء الديني: “,”وهنا جاء وقت النظر في قضيتهم، لأنهم قوم أجرموا في حق وطنهم، وارتكبوا جناية الخيانة العظمى بالانضمام إلى جيش أعدائه، وكانت أول قضية من نوعها في الإسلام، ولها خطورتها من جهة فظاعة الجناية، ومن جهة العدد الكثير الذي سيحكم عليه فيها، وكانوا يبلغون نحو ستمائة رجل“,”. وقد كان في إمكان النبي صلى الله عليه وسلم أن يعفو عن “,”بني قريظة“,” وأن يفعل معهم مثل ما فعل مع “,”بني قينقاع“,” و“,”بني النضير“,”، ولكنه فعل ذلك مع “,”بني قينقاع“,” و“,”بني النضير“,” فانضموا إلى أعدائه من المشركين، ووصل بهم الأمر إلى تفضيل الشرك على التوحيد، ثم أتوا بتلك الجموع لغزو المدينة والقضاء على المسلمين، ولولا لطف الله بهم لقضوا عليهم، فكيف بعد هذا يعفو عن “,”بني قريظة“,”؟ وكيف يتركهم لينضموا إلى أعدائه ويعودوا إلى غزوه في جموع أكثر وأعظم“,”؟.. لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. وقد ذكر بعض مؤلفي عصرنا أن شدة الحكم على بني قريظة ترجع إلى غدرهم في غزوة الأحزاب والأعداء محيطون بالمدينة، ثم ذكر أنه مع هذا هو حكم التوراة في الإصحاح العشرين من سفر التثنية.