جامعة مطروح تقيم الندوة التثقيفية ال87 لقوات الدفاع الشعبي والعسكري    التقنية الحيوية ومستقبل مصر.. رؤية من جامعة القاهرة الأهلية    "الحكومة": تعاقدنا على 274 مشروع سيجرى تنفيذها بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس قريبا    الأمم المتحدة تحذر من نكبة ثانية…طائرات الاحتلال تقصف مجمع ناصر الطبي وتغتال الصحفي حسن أصليح    مسؤول روسي: الهدف الرئيسي لمحادثات إسطنبول إرساء سلام مستدام في أوكرانيا    بيراميدز يتقدم على الزمالك بهدف في الشوط الأول بالدوري المصري    إحالة أوراق المتهمة بإنهاء حياة طفلة وسرقة قرطها الذهبي بالفيوم إلى المفتي    كان بيجمع بطاطس.. غرق شاب أثناء عمله بالمنوفية    «روبرت دي نيرو» يستعد لتكريمه بالسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي 2025    د. أسامة السعيد يكتب: ساعات فى رحاب المجد    هل الصور الفوتوغرافية في البيوت تمنع دخول الملائكة ؟ أمين الفتوى يجيب    الصحة العالمية تحذر من عجز أعداد الممرضين في إقليم شرق المتوسط    وكيل وزارة الصحة يعقد اجتماعًا مع لجنة المعايشة بمستشفى سفاجا المركزي    إلهام شاهين تشارك جمهورها صورًا من على شاطئ البحر في لبنان    حزب الجبهة الوطنية يختار هاني حنا لأمانة العلاقات الخارجية    رئيس الاتحاد الدولي للشطرنج يشكر مصر على استضافة البطولة الإفريقية    وزير الصحة يترأس أولى اجتماعات اللجنة العليا لوضع استراتيجية وطنية شاملة لسلامة المرضى    31 مايو.. عرض الفيلم السنغالي "ديمبا" في نادي السينما الأفريقية    رئيس الوزراء يستعرض جهود تعزيز استدامة جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة    سن الأضحية من الخروف والماعز والبقر.. يكشف عنها الأزهر للفتوى    المرأة الوحيدة في استقبال ترامب.. من هي الأميرة السعودية ريما بنت بندر؟    جامعة برج العرب التكنولوجية تنظم الملتقى الثاني لكليات العلوم الصحية التطبيقية    مسعود معلوف: الذكاء الاصطناعى والطاقة أهم الاستثمار بين أمريكا والسعودية    دار الإفتاء تستقبل وفدًا من أئمة ست دول إفريقية    نائب رئيس الوزراء يترأس اجتماع اللجنة الوزارية لوضع محددات العدالة الاجتماعية لاستحقاق الدعم    "نيويورك تايمز": قبول ترامب للطائرة الفاخرة يتجاوز حدود اللياقة.. ومعلومات عن اطلاق عملة مشفرة لتمويل مؤسسته    قرار عاجل من المحكمة في إعادة إجراءات محاكمة متهمين بأحداث شغب السلام    انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم بمديرية أوقاف كفر الشيخ    أهلي طرابلس الليبي يعلن استمرار حسام البدري مديرا فنيا للفريق    النقل: وسائل دفع متنوعة بالمترو والقطار الكهربائي للتيسير على الركاب    تشميع كافيهات ومطاعم غير مرخصة وبها منتجات منتهية الصلاحية فى العجوزة    فرص عمل بالإمارات برواتب تصل ل 4 آلاف درهم - التخصصات وطريقة التقديم    عدة عوامل تتحكم في الأسعار.. رئيس شعبة الأجهزة الكهربائية: السوق يعاني حالة ركود تصل ل50%    الصحة العالمية: نصف مليون شخص فى غزة يعانون من المجاعة    13 ملعقة بماء الذهب.. مذيعة تتهم خادمتها بالسرقة والنيابة تحقق    براتب 87 ألف جنيه.. تعرف على آخر موعد لوظائف للمقاولات بالسعودية    مجلس الشيوخ يفتح أبوابه لشباب العالم ويؤكد أن مصر قلب الجنوب النابض    وزير الثقافة يزور الكاتب صنع الله إبراهيم ويطمئن محبيه على حالته الصحية    رئيس الوزراء يتابع إجراءات طرح إدارة وتشغيل مشروع "حدائق تلال الفسطاط"    الأكاديمية الطبية العسكرية تفتح باب التسجيل ببرامج الدراسات العليا    المشدد سنة ل3 أشخاص بتهمة حيازة المخدرات في المنيا    أمينة الفتوى توضح سنة الاشتراط عند الإحرام    «بتهمة تزوير معاينة بناء».. السجن سنتين لمهندس تنظيم بمركز مغاغة في المنيا    تحديد موعد مشاركة الجفالي في تدريبات الزمالك    غلق 138 محلًا لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    "الصحة": إنقاذ سائحين من روسيا والسعودية بتدخلات قلبية دقيقة في مستشفى العجوزة    وزير الصحة يؤكد على التنسيق الشامل لوضع ضوابط إعداد الكوادر الطبية    استلام 145 ألف طن من القمح المحلى بمواقع التخزين بالصوامع والشون فى بنى سويف    رئيس «اقتصادية قناة السويس»: توطين الصناعة ونقل التكنولوجيا هدف رئيسي باستراتيجية الهيئة    مصرع شاب غرقا فى حوض مياه بالشرقية    جدول مواعيد امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة أسيوط جميع الصفوف    الخارجية الإسرائيلية: لا نزال نعمل على الوصول لاتفاق آخر مع حماس    موعد مباراة الأهلي والترجي التونسي في نهائي كأس السوبر الافريقي لكرة اليد    ولي العهد السعودي في مقدمة مستقبلي ترامب لدى وصوله إلى الرياض    الشرع: قد نبني برجا لترامب لتخفيف العقوبات.. والأخيرد يرد: سنوافق    حكم تسوية الصف في الصلاة للجالس على الكرسي.. دار الإفتاء توضح    تشكيل المصري المتوقع لمواجهة فاركو بالدوري    الدوري السعودي يقترب.. موعد تتويج الاتحاد المحتمل وأمل الهلال الوحيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسباب الحرب عند النبي
نشر في الفجر يوم 02 - 11 - 2015

سوف نعرض في السطور التالية للأسباب التي أدت إلى حروب النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليتضح لنا عن يقين أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبدأ أحدًا بحرب ولا قتال، وإنما دُفِعَ إلى ذلك دفعًا، فما هي أسباب حروب النبي المصطفى؟
حروبه صلى الله عليه وسلم مع المشركين:
نعلم جميعًا أن المشركين هم أكثر من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، بل إنهم لم يكتفوا بالإيذاء فطردوا المسلمين من مكة التي هي وطنهم الذي وُلِدُوا وتربوا فيه، واستولوا على ممتلكاتهم من الأموال والبيوت، ومع هذا كله لم يفكر الرسول صلى الله عليه وسلم طوال إقامته في مكة أن يعتدي على أحد من المشركين مع ما كان له من عزة ومنعة؛ فهو صلى الله عليه وسلم من أرقى عائلة في مكة، ومن أعز بطون قريش، وصاحب النسب والشرف، إلا أن له رسالةً ساميةً يريد أن يؤديها، فكان صلى الله عليه وسلم يتحمل الإيذاء إلى أبعد الحدود، ويحثُّ أصحابه على الصبر، وعدم مقابلة السيئة بمثلها، إلا أن قريشًا تمادت في غيّها وضلالها وكبريائها فكان لابد من وقفات حازمة ترد للمسلمين بعض حقوقهم المسلوبة وأموالهم المنهوبة، وهذا من دون شك أمر لا ينكره عاقل، ولا يعارضه صاحب رأي سديد.
تأتي غزوة بدر الكبرى لتمثِّل أُولَى الصدامات الحقيقية بين المشركين والمسلمين، وإذا تدارسنا أسباب هذه المعركة في هدوء ورويَّة لوجدنا أن المسلمين قد دُفِعُوا إليها دفعًا، وأنه لم يكن في نيّتهم القتال، وإنما اضطرهم المشركون من قريش إليه.
فأهل مكة الكافرون هم الذين بدءوا بإيقاع الظلم على المسلمين، ولم يكن الظلم ظلمًا واحدًا، بل كان ظلمًا متعددًا مُرَكبًا، فظلم في الجسد بالتعذيب والحرق والإغراق والقتل أحيانًا، وظلم في المال بمصادرته بدون وجه حق واغتصابه بالقوة, وظلم في الديار بالطرد منها وأخذها، بل بيعها وأكل ثمنها, وظلم في النفس والسمعة بالسب والقذف وتشويه السمعة، وظلم في الحرية بالحبس والعزل عن المجتمع.
فماذا يفعل المسلمون لرفع هذا الظلم؟!
لقد اضْطُرّ المسلمون للهجرة وترك الديار والأموال والأهل وكل شيء، وكانت هجرتهم مرتين إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، ولم يتركهم كفار مكة يعيشون حياتهم في أمان هناك، بل طاردوهم وحاصروهم وراسلوا مشركي المدينة ويهودها لاستئصال المسلمين تمامًا من على وجه الأرض!
ماذا يجب أن يفعل المسلمون إزاء هذه الأفعال؟!
هل ينبغي على المسلمين أن يسلِّموا رقابهم ورقاب أولادهم لسيوف قريش؟ أم كان عليهم أن يحملوا متاعهم وعيالهم إلى بلد آخر؟!
إنَّ أي عاقل أو حر لن يجد أمامه سبيلاً إلا المقاومة لدفع الشر، وقمع الفساد، وهذا ما فعله المسلمون.. ولمَّا لم تكن لهم طاقة بغزو مكة، واسترداد ثرواتهم المنهوبة فكَّروا في مهاجمة قوافل مكة التجارية المارة على طريق المدينة.. لقد كانت محاولة لرفع – ولو جانبًا – من الظلم الواقع على كواهلهم منذ سنوات.
ثم إنها حالة حرب حقيقية، وليس هنا مجال لأن يقول أحدٌ إن المسلمين يُغِيرُون على الآمنين من قريش، فهذه حرب معلنة بين دولة المدينة المسلمة ودولة مكة الكافرة، وكلا الطرفين يستحل دم ومال الآخر، وكلا الطرفين يضرب مصالح الآخر، وهذا عُرْفٌ في الحروب متعارف عليه في كل الأزمان والأماكن، وليس من ابتكار المسلمين، كما أن الإسلام دين واقعي، يرد القوة بالقوة، ويُشهِرُ السيف في وجوه من أشهروا سيوفهم عليه.
إنهم يلومون المسلمين؛ لأنهم هاجموا قوافل قريش التي استولت على أموالهم وديارهم!
ألم يكن من الأجدر بهم أن يلوموا قريشًا التي سلبت المسلمين كل ما يملكون ظلمًا وعدوانًا!
خرج المسلمون فعلاً لمهاجمة القافلة، ولكن شاء الله عز جل أن يتمكن أبو سفيان قائد قافلة قريش من الهرب بها، وأرسل إلى مكة يستدعي النجدة، وجاءت قريش بألف من الجنود لقتال المسلمين، وخرج على قيادة الجيش كل زعماء مكة تقريبًا، وجعلوا على رأس الجيش أبا جهل، فرعون هذه الأمة، وفي الطريق علم المشركون بنجاة قافلتهم وأموالهم؛ فرأى عدد منهم الرجوع، وعدم الانسياق إلى الحرب؛ وكان منهم عتبة بن ربيعة والأخنس بن شريق، وآخرون، لكن أبا جهل حمَّس الناس، وصمم على البقاء بالجيش عند بدر ثلاث ليالٍ؛ ينحرون الإبل، ويشربون الخمر، وتغني القيان حتى تظل العرب تهاب قريشًا.
وكما رأينا كان بإمكان جيش قريش أن يرجع وألا يحارب أو يدخل في قتال مع المسلمين خاصة بعد نجاة القافلة، ولكن إصرار بعض قادتها على الحرب هو الذي ورّطهم في القتال، ودارت معركة من أشرس المعارك في تاريخ الإسلام انتهت بهزيمة ساحقة للمشركين، وقتل سبعين من قادتهم، وأُسِرَ سبعين آخرين، وتحصيل قدر من الغنائم عوَّض المسلمين عن بعض أموالهم المسلوبة.
ورغم ما أصاب قريشًا في بدر؛ فإنها لم تتعظ، ولم تتراجع عن غيِّها، بل تمادت فأوقفت التصرف في قافلة أبي سفيان التي أفلتت في بدر لتجهيز جيشٍ بأموالها لحرب المسلمين، ولم تكتف قريش بتجهيز الجيش من داخل مكة بل بدأت تستنفر القبائل المحيطة بها للمساعدة لها، وكونت قريش بالفعل جيشًا كبيرًا، وهنا اضطر المسلمون لخوض الحرب مرة أخرى؛ دفاعًا عن أنفسهم، وعن الدولة الإسلامية، فكانت غزوة أحد.. وجاءت قريش بجيش قوامه ثلاثة آلاف مقاتل، وكان قائدهم أبا سفيان، ومعه: صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وخالد بن الوليد، وغيرهم، وكان معهم ثلاثة آلاف بعير؛ ومائتا فرس، وسبعمائة درع، وأشعلت قريش حربًا إعلامية ضخمة تحفِّز الناس على حرب المسلمين، وقاد هذه الحرب الإعلامية أبو عزة الجمحي.
وخرج المسلمون للمشركين في سبعمائة مقاتل، ودارت المعركة المشهورة التي انتهت بالمصاب الأليم الذي أصاب المسلمين، واستشهد من المسلمين سبعون على رأسهم حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه-، وقامت قريش بالجريمة الشنعاء، إذ مثَّلت بجثث الشهداء المسلمين، مخالفةً بذلك كل الأعراف والقيم، ووضح للجميع مدى الحقد والكراهية التي يحملها المشركون في قلوبهم للمسلمين.
وكان من الممكن أن تكتفي قريش بهذه المعركة، وتكون في مقابل معركة بدرٍ، لكنَّ مشركي قريش أبوا إلا أن يستأصلوا المسلمين من المدينة بشكل نهائي، وجمّعت قريش -وبمعاونة اليهود- عشرة آلاف مقاتل، وتحزّبوا جميعًا، وكان الهدف الأوحد لهم هو إنهاء الوجود الإسلامي تمامًا من المدينة، وتحرّكت هذه الحشود الهائلة لتحيط بالمدينة التي يقطنها المسلمون، واضطر المسلمون لبذل جهود جبَّارة لحماية أنفسهم من الشر المحدق بهم، فحفروا خندقًا حول المدينة، لئلا يستطيع الجيش المهاجم الدخول إليهم، ومع هذا فقد حاول بعض المشركين اقتحام الخندق لقتال المسلمين، وكان لابدّ من مواجهة ذلك التحالف الضخم الآتي لاقتلاع دولة الإسلام، فكانت غزوة الأحزاب.
فهل يُلامُ المسلمون على دفاعهم عن المدينة، وقتالهم للمشركين، وقد جاء المشركون بهدف الاستئصال الجذري لهم، وإبادتهم بشكل جماعي؟!!
ثم بلغَ الرسولَ صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجمعون له ويعدون عدتهم لغزو المدينة المنورة، فكان لابدّ من تفادي ما حدث قريبًا في الأحزاب، وذلك بتوجيه ضربة قوية لبني المصطلق، توقِف تحرّكاتهم، وتحمي المدينة منهم.
وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجه إلى مكة يريد أداء العمرة، ولم يُرِد القتال أبدًا، ويثبت ذلك كلامه صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: «وَاللَّهِ لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إِلَى خُطَّةٍ يَسْأَلُونِي فِيهَا صِلَةَ الرَّحِمِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا».
ولقد استقبل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو مفاوض قريش، وكان صلى الله عليه وسلم أرغب ما يكون في موادعة القوم، مع كونه قادرًا على تحكيم السيف، وإنزال خصومه على منطقه الذي آثروه مذ صَدُّوه عن البيت، وتكلم سُهَيْلٌ فأطال، وعرض الشروط التي يتم في نطاقها الصلح، ووافق عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يَبقَ إلا أن تُسجَّل في وثيقة يمضيها الطرفان. ورغم ما في هذه الشروط من إجحافٍ ظاهرٍ اعترض عليه الصحابة، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم آثر الموادعة، لأنه صلى الله عليه وسلم يريد تَجَنّبَ القتال، وعدم الدخول في حروب..
وكان ينبغي بناءً على بنود الصلح أن يدخل من شاء في حلف النبي صلى الله عليه وسلم أو في حلف قريش، وتُطبَّق عليه أحكام الصلح، وقد دخلت قبيلة خزاعة في حلف المسلمين، ودخلت بنو بكر في حلف قريش، ولكنَّ بكرًا الموتورة من خزاعة بفعل ثأر قديم بيَّتت رجالاً من خزاعة، وقتلوهم؛ فلما استجار الخزاعيون بالحرم انتهكت بنو بكر حُرمَة البيت، وقتلتهم بداخله، وقد شارك في ذلك العديد من فرسان قريش!
واستنجدت خزاعة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكان حقًّا عليه أن يفي بعهده وينصر حلفائه، ويعاقب قريشًا التي نقضت العهد؛ فكان فتح مكة. فهل يُلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حربه لمن نقض عهده، وقتل حلفاءه؟!
وبعد فتح مكة أكل الغلُّ قلوب قبيلة هوازن؛ فجمعوا الجموع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وظنُّوا أنهم قادرون على إطفاء نور الله هز وجل، وإخماد جذوة الحق، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم وصلته الأخبار فتجهز هو والمسلمون للقائهم، وخرجوا إليهم في سهل حنين، فكانت غزوة حنين.
هذه هي حروبه صلى الله عليه وسلم مع المشركين، ما كانت إلا اضطرارًا، وما بدأها أبدًا، ولكنَّهم دائمًا كانوا يبدءون، وما ظلمهم لحظةً واحدة، ولكنهم كانوا دائمًا يظلمون، وبرغم كل ذلك لم يكن متشفيًا فيهم أبدًا، ولا حاقدًا عليهم، بل كان يتحين الفرص للعفو، ويُكثر من قبول الأعذار، ولا يجعل الحرب إلا آخر دواءٍ.. ولم يكن هذا مرةً أو مرتين في حياته، بل كان كذلك على الدوام، فأي حروبٍ مع المشركين -بعد أن شرحنا أسبابها- كان من الممكن أن يتجنبها؟ وأي المعارك كان من الممكن ألا يخوضها؟!
حروبه صلى الله عليه وسلم مع اليهود
لم يختلف اليهود كثيرًا عن المشركين، فبعد أن عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفَّى بعهدهم، وأحسن معاملتهم، ما كان منهم إلا الإساءة، ونكران الجميل، ومحاولة تشكيك المسلمين فيما يعتقدونه من الحق، وقد صبر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا، وتغاضى عن الكثير من أخطائهم، ولم يعاقبهم عليها رغم فداحتها، إلا أن الأمر بلغ حدًا لا يُطاق، وأصبح من الحكمة بمكان أن يتمّ اتخاذ موقف حازمٍ إزاء ما يفعله اليهود، فلقد بدأت قبائلهم في نقض العهود الواحدة تلو الأخرى، فقام يهود بني قينقاع بفعلٍ فاحشٍ تمالئوا فيه على الاعتداء على شرف امرأة مسلمة، كانت تشتري من سوقهم بعض حاجتها، كما اجتمعوا على قتل رجل مسلم.
واليهود بهذا الفعل الفاحش، وهذه الجريمة النكراء، أصبحوا ناقضين لعهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قبل الرسول صلى الله عليه وسلم بإجلائهم وهو على استطاعة تامة أن يقتلهم جميعًا، وما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم من قبول الاكتفاء بإجلائهم عن المدينة يُعَدُّ عفوًا عظيمًا عن أناسٍ يستحقون القتل لنقضهم العهد، واعتدائهم على حرمات المسلمين، وتمالئهم على ذلك.
ولم يؤاخذ الرسول صلى الله عليه وسلم طوائف اليهود الأخرى بفعل إخوانهم من بني قينقاع، مع أنه كان بالإمكان إجلاؤهم أيضًا، فجميعهم ينتسب إلى دين واحد، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن إلى من بقي من طوائف اليهود، ومع ذلك قابل يهود بني النضير هذا الإحسان بالإساءة، فحاولوا الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم وقتله، فبينما كان يجلس بينهم، ذهب أحدهم ليلقي صخرة من أعلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم!!
إن الخيانة التي تسري في دماء اليهود قد دفعتهم إلى هذه الجريمة التي لا عقاب لها إلا القتل جزاءً وفاقًا، ومع ذلك فقد حقن رسول الله صلى الله عليه وسلم دماءهم - بعدما مكَّنه الله عز وجل من رقابهم، وقذف في قلوبهم الرعب – وأجلاهم خارج المدينة، وتلك رحمة غير مسبوقة، ونادرة الحدوث من غير المسلمين في التاريخ البشري..
ولم يعاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة مع بني النضير، ولم يؤاخذهم بجرم إخوانهم الذين أرادوا قتله، فقد كانوا على عهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يدافعوا مع المسلمين ضد أي عدوٍّ يهاجم المدينة، ولكن بنو قريظة خانوا المسلمين في أشد المواقف حرجًا، فقد راسلوا الأحزاب المتجمّعةَ حول المدينة، والآتية من مكة وما حولها لغزو المدينة واستباحتها، وتأكد الرسول صلى الله عليه وسلم من صحة هذا الأمر.. فعن سعيد بن المسيب رحمه الله -في سياق قصة الأحزاب -: فبينما هم كذلك إذ جاءهم نعيم بن مسعود الأشجعي، وكان يأمنه الفريقان، كان موادعًا لهما، فقال: إني كنت عند عيينة بن حصن وأبي سفيان إذ جاءهم رسول بني قريظة: أن اثبتوا فإنا سنخالف المسلمين إلى بيضتهم.. أي أن اليهود يعِدون الأحزابَ إن خرج المسلمون إلى قتالهم أن يعتدي اليهود على نساء المسلمين وذراريهم وأموالهم وهو معنى مخالفة المسلمين إلى بيضتهم.
فهي إذن خيانة عظمى من هذه الفئة التي كانت على عهد وميثاق مع الدولة الإسلامية، ثم هي في أحلك الظروف تنقض العهد، وتتعاون مع العدو المهاجم من خارج الدولة. فسبب غزوهم هو نقضهم للعهد الذي كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم في أحلك الظروف وأصعبها على المسلمين، فهل يدَّعي أحدٌ بعد ذلك أن العقاب الذي أنزله النبي صلى الله عليه وسلم بهم فيه شيء من الإجحاف أو الظلم؟ وماذا لو تمَّ لهم ما أرادوا من غدر وخيانة للمسلمين؟ إن مصير المسلمين في هذه الحالة – من دون شك – هو القتل والتشريد وضياع المال والولد والأهل..
أما يهود خيبر؛ فقد تحالفوا مع من جاءهم من يهود بني النضير كحيي بن أخطب، وكنانة بن أبي الحقيق، وهَوذة بن قيس الوائلي، وخرج هؤلاء إلى قريش يدعونهم للتجمع والتحزب لاستئصال المسلمين في غزوة الأحزاب، ثم خرجوا إلى غطفان؛ فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلوا لهم تمر خيبر سنة، إنْ هم نصروهم، وأخبروهم أنَّ قريشًا قد تابعوهم على ذلك، واجتمعوا معهم فيه، ثم خرجت يهود إلى بني سليم فوعدوهم المسير معهم إذا خرجت قريش.. لقد كانوا -إذن- العقل المدبر لتحالف الأحزاب ضد المسلمين، وعندما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر قريش وأمِن جانبها بصلح الحديبية تفرَّغ ليهود خيبر وحاربهم.. فهل يُلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حربه لمن حزَّب الأحزاب بغرض إبادة جماعية للمسلمين؟!
حروبه صلى الله عليه وسلم مع النصارى
لم يكن احتكاك النصارى بالمسلمين مبكرًا كما كان الحال مع المشركين واليهود، وذلك لندرة النصارى في منطقتي مكة والمدينة، ولكن مع ازدياد قوة المسلمين وانتشار الإسلام في الجزيرة العربية شعرت القبائل النصرانية -والتي كانت متمركزة في الأساس في مناطق الشمال- بالقلق والريبة، مما دفعها إلى جمع الجموع لمهاجمة المسلمين، وذلك منعًا لقوتهم من التزايد، ولنفوذهم من النمو، وكان أول تجمع نصراني من هذا النوع من قبائل قضاعة وغسان من أهل دومة الجندل، وكانت هذه القبائل تتعرض لقوافل المسلمين المارَّة بمناطقها، بل كان منهم من يريد غزو المدينة، أما الذي كان يُجرِّيء هذه القبائل على هذا العمل الخطير فارتباطها الوثيق بالدولة الرومانية، والتي تُعَدُّ القوة الأولى في العالم في ذلك الوقت، وكانت الدولة الرومانية لا ترضى -بلا شك- عن نموِّ أي قوة منافسة في المنطقة.
وما إن علم الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا الجمعَ يريد أن يهاجم المدينة حتى خرج إليهم، وذلك في ربيع الأول سنة 5 ه، واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة، وجاء الخبرُ أهلَ دومة الجندل فتفرقوا، ونزل الرسول صلى الله عليه وسلم بساحتهم فلم يجد فيها أحدًا، فأقام بها أيامًا، وبثَّ السرايا.
ولما ظهرت تكتلات أخرى تهدف لمحاربة المدينة أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سرية بقيادة عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- إلى قبيلة كلب النصرانية الواقعة بدومة الجندل، وذلك في شعبان سنة 6 ه، وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- بدعوتهم إلى الله تعالى، ومن بين ما قال له: "إنِ اسْتَجَابُوا لَكَ فَتَزَوَّجِ ابْنَة مَلِكُهِمْ" - وذلك كسبًا لمودتهم وتعزيزًا للعلاقات معهم- فسار عبد الرحمن حتى قدم دومة الجندل؛ فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام فأسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي، وكان نصرانيًّا وكان رأسهم، وأسلم معه ناسٌ كثير من قومه، وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ، وقدم بها إلى المدينة. وهكذا نرى حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على التوادِّ والتحابِّ مَع مَنْ حوله، ودعوتهم إلى الله تعالى، والمحاولات المتكررة لإيصال الخير إليهم.
ثم حدثت أزمة شديدة عندما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفدًا من الدعاة المسلمين إلى مشارف الشام يعلِّمون الناس مباديء الإسلام؛ فوَثَبَتْ عليهم جموع العرب الموالين للروم فقتلتهم جميعًا في مكان يُسمَّى (ذات أطلاح)، وكانوا خمسةَ عشرَ داعيًا، واستطاع رئيسهم النجاة بأعجوبة..
وكذلك لمَّا بَعثَ الرسول صلى الله عليه وسلم الحارثَ بن عُمَير الأزدي إلى ملك بُصرَى بكتاب؛ نزل مؤتة فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني -وكان الغساسنة الذين يدينون بالنصرانية ويتبعون الدولة البيزنطية- فقال: أين تريد؟ فقال: الشام، قال: لعلك من رسل محمد؟ قال: نعم. أنا رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأُمِر به فأُوثِقَ رباطًا، ثم قدمه فضرب عنقه صبرًا. فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر فاشتد عليه، وندب الناس فأخبرهم بمقتل الحارث ومن قتله.
ولم يكن أمام المسلمين إزاء هذه الحوادث إلا أن يردعوا الروم وأشياعهم حتى لا يعاودوا ما فعلوه مرةً أخرى. فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم حملة تأديبية من ثلاثة آلاف مقاتل أخذت طريقها إلى الشام، بَيْد أن الروم كانوا قد استعدوا بجيش كثيف لقاء هذه الكتيبة من المؤمنين، فجمعوا نحو مائتي ألفٍ من رجالهم، ومن انضم إليهم من قبائل لخم وجذام والقين وبهراء وبلي. ومع الفارق المهول بين أعداد المسلمين والرومان إلا أن المسلمين خاضوا هذه معركة مؤتة الشرسة، فقُتِلَ قادتُها الثلاثة على التعاقب؛ زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، وانسحب خالد بن الوليد بجيشه إلى المدينة.
وهنا يثور التساؤل: هل كان مطلوبًا من المسلمين أن يصمتوا على قتل رسلهم، وإهانة كرامة دولتهم، حتى لا يُتَّهَموا بأنهم يسعون إلى القتال دائمًا؟!!
وبعد مؤتة بعام تجمَّع الرومان ومن شايعهم من قبائل العرب النصرانية (أمثال: لخم، وجذام، وعاملة، وغسان) مرَّة أخرى في منطقة البلقاء (الأردن حاليًا) يريدون دولة الإسلام، وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم أن هناك تجمعاتٍ للرومان ومن حالفهم بهدف القضاء على المدينة المنورة.. فقرر أن يخرج إليهم في شمال الجزيرة العربية. وبالتالي خرج الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه على رأس أعظم جيوشه، وأقرب خاصته؛ ليلقى أعتى قوة في العالم, وذلك حتى يحفظ دماء شعبه، فكانت غزوة تبوك المشهورة، وأَلقى اللهُ الرعبَ في قلوب قادة الروم وجنودهم، وأتباعهم من نصارى العرب؛ ففرُّوا خائفين لا يلوون على شيء، وليس من الممكن أن يُطلَب من المسلمين أن يُغمِضوا أعينهم، ويتعامَوا عن المؤامرات التي تُحاكُ ضدهم.
هذه هي ملابسات الحروب التي خاضها الرسول صلى الله عليه وسلم مع المشركين، ومع اليهود والنَّصارى، وقد ظهر لنا من خلالها أنه صلى الله عليه وسلم لم يبدأ أحدًا فيها بعدوان، بل كان يرد بها عدوانًا واقعًا، أو وشيك الوقوع؛ لأن الحرب في الإسلام ليست أول ما يلجأ إليه المسلمون لحل خلافاتهم مع أعدائهم، بل هي دومَا -كبينَّا- آخر الدواء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.