وقفنا في طابور طويل مكون من 15 فرداً، لكي نحصل على أسطوانة بوتاجاز من المستودع، وحينما جاء دوري كانت الكمية التي قرر المسئولون عن المستودع تم بيعها، والحقيقة أن ما لا يقل عن 75% من الأسطوانات التي يحصل عليها المستودع غير موجود من الأساس، الأمر الذي دفعني للبحث عن أنبوبة، وذهبت إلى معظم مناطق محافظة القاهرة، وبعدها لمحافظات مصر من الصعيد إلى آخر مصر، وسألت مسئولين عن الأزمة ولماذا حدثت من الأساس وما سبل عدم تكرار الأزمة مرة أخرى؟. قابلنا، محمد شريف، مالك مستودع أسطوانات بوتاجاز، بشبرا مصر، الذي قال إن أسباب أزمة أسطوانات البوتاجاز وظهور السوق السوداء يرجع إلى مزارع الدواجن، التي تستخدم الأسطوانات في عمليات التدفئة داخل المزارع، التي تحتاج لما لا يقل عن 10 أسطوانات في اليوم. ومن هنا بدأنا عملية البحث عن أحد أسباب الأزمة وهي "مزارع الدواجن"، واستكمل صاحب المستودع حديثة قائلاً: "السبب الثاني يرجع إلى الفترة بين وصول أول دفعة من الغاز للبلاد من الخارج ووصول الدفعة الأخيرة، في هذه الفترة تحدث الأزمة، مرجعاً السبب إلى نقص المخزون الاستراتيجي للبلاد من أسطوانات البوتاجاز بسب الاستخدام السيئ لحكومة "المحظورة" في وقت الأزمات للمخزون. وقررنا شد الرحال خارج القاهرة للتعرف على ما إذا كانت الأزمة قاصرة على العاصمة أم أن المحافظات تعاني هي الأخرى من نفس الأزمة، فتحدثنا مع "أحمد فهمي"، مسئول مستودع أنابيب بالعجيزين بطنطا، في محافظة الغربية، الذي قال إن أسباب الأزمة ترجع إلى "مزارع الدواجن" وهي المسبب الأكبر للأزمة، مشيرا إلى أن أقل مزرعة تستهلك في اليوم الواحد ما لا يقل عن 60 أسطوانة بوتاجاز في عملية التدفئة في اليوم الواحد، ويتم بيع الأسطوانات للمزارع من خلال بعض المستودعات بما لا يقل عن 40 جنيهاً، قبل أن تصل الأسطوانات للمستودع وتصل للمزرعة مباشرة، والأمر الذي أدى إلى ظهور السوق السوداء ورفع سعرها بشكل جنوني وقت الأزمات، والسبب الثاني عدم وجود غاز طبيعي ببعض القرى التابعة للمحافظة. وأضاف "فهمي" أن السبب الآخر هو بيع الأسطوانات "بكوبونات" تصدر مع بطاقات التموين، مؤكداً أن هناك الكثير من المواطنين بالقرى والمراكز ليس لديهم بطاقات تموين من الأساس فكيف يتم عمل كوبون لهم، وتم العمل بنظام الكوبونات بداية من الشهر الحالي، لافتاً إلى أن ارتفاع سعر الأنبوبة من 2,75 قرش إلى 8 جنيهات شكل عبئاً على المواطن البسيط والفلاحين البسطاء". وذهبنا إلى محافظة البحيرة، وهناك قابلنا "أحمد كمال"، مواطن من محافظة "البحيرة"، الذي تحدث قائلا: "إن أنبوبة البوتاجاز وصل سعرها إلى أكثر من 50 جنيهاً خلال الأزمة الأخيرة، مشيراً إلى أن بيع أسطوانات البوتاجاز لغير مستحقيها من مزارع الدواجن غير المرخصة بسعر كبير أدى إلى ارتفاع سعرها، وساعد على انتشار السوق السوداء بالمحافظة. واستكمل، إن عدد مزارع الدواجن "بالبحيرة" زاد بشكل كبير الفترة الأخيرة، موضحا أن غياب الرقابة والفساد ساعد على تفاقم الوضع، وأن هذه المزارع تنشأ على الأراضي الزراعية، الأمر الذي يعد تعدياً صارخاً على الأراضي الزراعية الخصبة بالبحيرة، لافتاً إلى أن المزارع صغيرة الحجم تستهلك ما يقرب من 10 أسطوانة بوتاجاز في اليوم، ومتوسطة الحجم تسع 400 دجاجة، تستهلك ما لا يقل عن 20 أسطوانات بوتاجاز باليوم، وكبيرة الحجم تسع إلى 800 دجاجة تستهلك 40 أنبوبة بوتاجاز في اليوم الواحد، في الوقت الذي تحتاج الأسرة الواحدة المكونة من 5 أفراد 2 أسطونة بوتاجاز في الشهر الواحد. وبالصدفة البحتة قابلت عاملا بمصنع تجميع الغاز "بقوسنا" محافظة المنوفية، من أكبر مصانع تعبئة أسطوانات البوتاجاز بالمحافظة، فأكد أنه يوجد تعليمات صارمة للعاملين بعدم شحن الأسطوانات بشكل كامل، صادرة من مدير "المجمع"، مشيرا إلى أن هذا يؤدي إلى زيادة عدد الأسطوانات وتباع للجمهور ويزداد المكسب. وذهبنا مسرعين لمصطفى نبيل، مواطن من "بركة السبع" بمحافظة المنوفية، الذي قال إن أصحاب المزارع اتفقوا مع مسئولي مستودعات البوتاجاز بشراء الأسطوانات المدعمة بسعر أكثر من السعر الأصلي يصل إلى 40، و50 جنيهاً للأسطوانة الواحد، مقابل توفيرها لهم بالكميات المطلوبة، مؤكداً أنهم يستخدموا الأسطوانات في عملية التدفئة للدواجن بدلاً من الكهرباء التي تطلب أموال كثيرة لدفع فاتورة الكهرباء. وذهبنا إلى "محافظات الصعيد" جنوب مصر، وأكد إبراهيم محمد، مسئول بمستودع أسطوانات بوتاجاز، بمركز بني مزار بمحافظة المنيا، أن هناك أزمة في أسطوانات البوتاجاز بالمحافظة، مشيرا إلى أن سعر الأسطوانة وصل ل90 جنيهاً للأسطوانة الواحدة، مؤكدا أن مزارع الدواجن أحد أهم الأسباب لنقص الأنابيب بالمحافظة. وأشار مصطفى أمير، مواطن بمركز الوقف، بمحافظة المنيا، كان يشاركنا الحوار، إلى استمرار أزمة نقص الأسطوانات البوتاجاز حتى الآن، مؤكدا وصول سعرها ما بين 25 إلى 50 جنيها للأسطوانة، وأن المواطن يحجز الأسطوانة قبل أنا يحصل عليها بأسبوعين، وأن الأسرة تستهلك في الشهر الواحد 3 أسطوانات. وأضاف أمير، أن أسباب الأزمة ترجع لعدة عوامل أولها نقصها بالمستودعات، وتوقف مصنع "قفط" لأسطوانات البوتاجاز عن العمل، هو من أكبر المصانع بقناة، ومزارع الدواجن، وتردد أنباء تفيد بأن المحظورة تشتري الأسطوانات وتلقيها على الجبل حتى تزيد من الأزمة والمعاناة. وأكد خيري محمد، مواطن بمحافظة أسوان، أن هناك أزمة شديد في الأسطوانات بالمحافظة، مشيرا إلى أن سعر الأسطوانة في السوق السوداء وصل إلى 30 جنيهاً. وأضاف محمد، من محافظة "أسوان"، يوجد ما لا يقل عن 400 مزرعة دواجن، وهي في تزايد مستمر حتى اللحظة مختلفة الأحجام ومنها ما يتكون من 5 أدوار، وتستهلك المزرعة الواحدة ما لا يقل عن 20 أنبوبة بوتاجاز في اليوم الواحد، وهى من ضمن الأسباب المكونة للازمة و ظهور السوق السوداء لأسطوانات البوتاجاز. وبعد جولتنا بالمحافظات قررنا مقابلة أحد الخبراء في هذا المجال وكان الدكتور عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن، بغرفة القاهرة التجارية، الذي أكد خلال حديثه معنا عن أعداد مزارع الدواجن التي تستخدم أسطوانات الغاز خلال المراحل المختلفة لعملية تربية الدواجن، أن أعداد مزارع الدواجن في مصر حسب آخر إحصائية قامت بها وزارة الزارعة لعام 2012 بمصر بلغ 28380 ألف مزرعة على مستوى الجمهورية في كافة المحافظات. وكشف رئيس شعبة الدواجن بغرفة القاهرة، أن مزارع الدواجن التي تعتمد على أسطوانات الغاز تمثل 70% من هذه المزارع، الأمر الذي يعني أن 19866 ألف مزرعة تستخدم أسطوانات الغاز من إجمالي المزارع الموجودة على مستوى جمهورية مصر العربية. وأوضح السيد، أن أصحاب مزارع "الدواجن" طالبوا كثيراً وزير البترول الحالي والسابق، بتوفير حصة لهم نظراً للصعوبات التي يعانون منها في الحصول عن أسطوانات الغاز، مشيرا إلى أنهم تلقوا وعوداً من "وزير البترول" الحالي بتوفير تلك الحصة، ولكن دون جدوى حتى الآن، مضيفًا أن هذا الحل ليس لصالح أصحاب المزارع فقط، لكن هذا الأمر سوف يساهم في حل الأزمة المتكررة سنوياً مع حلول موسم الشتاء بمعاناة البيوت المصرية من توفير أسطوانة الغاز، وارتفاع أسعارها وظهور السوق السوداء. فإذا ما طبقنا ذلك الكلام بكلام المهندس هيثم فتحي، مالك مزرعة دواجن، ونائب مدير محطة قطاع عام في شركة تربية دواجن "رافضاً ذكر اسمها"، فإن عدد الأسطوانات المستخدمة يومياً في مزارع الدواجن يتراوح ما بين 10 إلى 12 أسطوانة يوميا،ً في المزرعة الواحدة، أو متوسط ذلك وهو عدد6 أسطوانات يومياً فإذا ما حسبنا عدد تلك الأسطوانات على متوسط الاستخدام فقط يكون عدد الأسطوانات المستخدم يومياً في تلك المزارع "119196" ألف أسطوانة مستخدمة يومياً في تلك المزارع فقط و، إذا ما حسبنا على الحد الأقصى المستخدم سيكون العدد "238392" ألف، وأوضح فتحي، أن المرحلة الأولى من عمر "الدواجن" من سن يوم إلى 20 يوما يكون عدد الأسطوانات المستخدمة من 10 إلى 20 أسطوانة يومياً، ومن سن 20 يوما تصل عدد الأسطوانات المستخدمة إلى 10 أنابيب كحد أقصى، ويرجع السبب إلى أن "الدواجن "تكون قد بدأت في هذه المرحلة العمرية بعملية التدفئة الداخلية، وهذا ما وضعنا في دهشة وحيرة من أمرنا عند سمعانا تلك الأرقام الهائلة المستخدمة يوميا في تلك المزارع في موسم الشتاء، ولعل هذا يجيب على جزء كبير من التساؤلات المطروحة حول أسباب تكرار أزمة الأنابيب مع قدوم فصل الشتاء، في حين أن الأزمة تنتهي بحلول فصل الصيف أو تكون أقل حدة. وذهبنا لوزارة التموين لمعرفة هل هذا السبب الوحيد للأزمة أم هناك أسباباً أخرى، فقال محمود دياب، المتحدث الرسمي لوزارة التموين والتجارة الداخلية، إن السبب في نقص أسطوانات البوتاجاز يرجع إلى تعثر وتأخر وصول بعض سفن المحملة بالغاز المتعاقد عليها من قبل وزارة البترول، مشيرا إلى أن مصر تستورد 50% من احتياجاتها من المواد البترولية، وأن وزارة "لبترول" تضخ أكثر من مليون و 300ألف اسطوانة بوتاجاز في اليوم الواحد. واستكمل دياب حديثة، أن في وقت الأزمة يزداد الطلب ومع نقص الطلب يرتفع على أثرها سعر أسطوانات البوتاجاز، مؤكدا أن مزارع الدواجن تساعد على تفاقم الأزمة بشكل كبير، ولكنها ليست السبب الرئيسي لها، مؤكدا أن الأزمة سوف تنتهي بشكل كامل. وألمح المتحدث، إلى أن في عهد وزير التموين بحكومة "المحظورة" كان في وقت الأزمات يأخذ من الدعم المخصص للمواد البترولية بصفة عامة ويضعه في أسطوانات البوتاجاز، لافتا إلى أن من أول فبراير المقبل سوف يتم العمل بنظام كوبونات البوتاجاز بشكل رسمي على مستوى الجمهورية، وسوف يحصل كل كوبون على أسطوانتين في فصل الشتاء وأسطوانة واحدة في الصيف، وهذا يعتبر حلا مثاليا لمواجهة السوق السوداء. وقررنا معرفة سعر الأسطوانات بالقاهرة وخارجها فذهبت إلى الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، حيث قال أبو بكر الجندي، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إن متوسط سعر أسطوانات البوتاجاز 30 جنيهاً. وكشف لنا رئيس الجهاز، إحصائية بسعر الأسطوانات بمحافظات مصر، في القاهرة خلال من شهر أغسطس لنوفمبرتراوحت من 16 إلى 28 جنيهاً، وفي الإسكندرية 16 إلى 26، ومدن القناة 17 إلى 27 جنيهاً، وحضر بحري من 15 إلى 24 جنيهاً، وريف بحري من 14 إلى 23 جنيهاً، و حضر قبلي من 16 إلى 29 جنيهاً. وذهبنا للتحدث لخبير اقتصادي خيري الفقي، فأكد أن أزمة أسطوانات البوتاجاز الأخيرة لها تأثير سلبي على الاقتصاد بمصر، مؤكداً أن دعم المواد البترولية وصل ل35 مليار دولار، مطالباً بتحويل الدعم العيني لدعم نقدي للمواد البترولية خلال من (5 سنوات إلى 10 سنوات)، حتى لا ترتفع الأسعار بشكل جنوني وتؤثر على الاقتصاد المصري. وأضاف الخبير، أن الحل بالنسبة لأصحاب مزارع الدواجن هو توفير أسطوانات لهم عن طريق كوبونات مخصصة للمزارع الصغيرة فقط، من خلال آليات تضعها الدولة، وتطبقها وزارة التموين والمحافظ بكل محافظة.