زار رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، روسيا في 6- 7 ديسمبر الحالي، والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الحكومة دميتري مدفيديف وشخصيات رسمية روسية أخرى. وعلى الأغلب جرى الحديث مع الضيف التركي حول مجموعة متنوعة من الموضوعات، بما في ذلك مصير المحطة الكهروذرية الروسية في تركيا (أنقرة وعدت بتوفير أفضل الظروف المواتية لها)، وبناء خط نقل الغاز "التيار التركي" (لأجله صدر مؤخرًا قانون خاص في تركيا ) وجرت خلال الزيارة مناقشة إمكانية التعامل المتبادل بالعملات الوطنية. وذكر رئيس الحكومة الضيف أن العمل جارٍ من أجل رفع كل القيود المفروضة على التجارة المتبادلة وخاصة المتعلقة بدخول الخضار والفاكهة التركية إلى روسيا، موسكو حتى الآن سمحت بدخول بعض البضائع والمنتجات ومن بينها الحمضيات. وقال بن علي يلدريم معلقًا على وضع العلاقات الثنائية: "هدفنا ليس إعادة العلاقات إلى مستوى خريف 2015 بل جعلها أفضل من ذلك". يجب القول إن العلاقات الروسية– التركية في خريف 2015 وقبل إسقاط القاذفة الروسية كانت مشحونة بنقاط سلبية وإيجابية في آن. من بين السلبية– النزاع في سوريا وكذلك موضوع قره باغ والقرم. ومن بين الإيجابية وجود تجارة متبادلة ومشاريع اقتصادية استراتيجية. هناك علامات إيجابية ظهرت مؤخرًا في موضوع القرم بين موسكووأنقرة، وخاصة بعد زيارة وفد تركي رفيع المستوى شبه الجزيرة الروسية المذكورة ضم أعضاء من حزب العدالة والتنمية الحاكم. على ما يبدو، سيصبح من الممكن الاتفاق مع الأتراك على خفض مستوى الدعم للإرهابيين من تتار القرم التابعين لمنظمة "المجلس" في مقابل احترام المصالح الثقافية والاقتصادية لأنقرة في شبه جزيرة القرم. وبالنسبة للوضع في جنوب القوقاز (النزاع بين أرمينيا وأذربيجان) سيكون الاتفاق أصعب، من دون حل النزاع في منطقة قره باغ (وهو أمر لا يبدو قريبًا)، أقصى ما يمكن أن يقوم به الطرفان هو الاتفاق على عدم تأجيج الصراع هناك. ويعتبر النزاع السوري النقطة الأكثر صعوبة وتعقيدًا في العلاقات الروسية التركية وهو الذي كان سبب "الخيانة" التركية في خريف 2015. لقد رفضت تركيا الاعتراف بالمصالح الروسية في سوريا ومناقشة سير عمليتها العسكرية في سوريا مع موسكو (يجب القول إن الكرملين أجرى منذ صيف 2015 مباحثات حول ذلك مع جميع الأطراف المعنية)، ما دفع موسكو للعمل والتصرف مع الأخذ بعين الاعتبار فقط الحد الأدنى من مصالح تركيا وجرى خلال ذلك تبادل" الغزَل" مع الأكراد السوريين والقضاء على المسلحين المُوالين لتركيا في سوريا والعمل لإنقاذ الرئيس السوري وكذلك وفقًا للمزاعم التركية انتهاك المجال الجوي التركي في بعض الأحيان. ونتيجة كل ذلك معروفة؛ إسقاط مقاتلات تركية لقاذفة روسية فوق سوريا. لكن أنقرة ولحسن الحظ أدركت لاحقًا أن موقفها افتقد للطابع البنّاء ولذلك قررت تصحيح العلاقات مع موسكو. وعلى ما يبدو تم خلال اللقاء الأخير بين بوتين وأردوغان وضع المعايير اللازمة للحل الوسط المطلوب بشكلٍ يسمح للجانبين بالتعايش السلمي نوعًا ما في المجال السوري. ومن بين ثمار هذا التعاون يمكن ذكر سماح موسكو ودمشق وطهران للقوات التركية بدخول شمال سوريا لوقف تمدُّد الأكراد (خاصة أن أكراد سوريا اختاروا التحالف مع الأمريكان الذين خانوا العهد معهم لاحقًا). وقال رئيس الوزراء التركي: "أصبح من الممكن الآن بناء سوريا جديدة، مع الحفاظ على سلامة ووحدة أراضيها ووضع دستور جديد للبلاد يأخذ بالاعتبار مصالح جميع المجموعات العرقية التي تعيش في هذه الدولة". والأمر هنا ليس في أن تركيا لا ترغب في ضم أرض جديدة، ولكن مجرد الاستيلاء على قطعة من سوريا سيعني دفن الاستراتيجية التركية للاستيلاء على الشرق الأوسط من خلال القوة الناعمة. إذن وجود القوات التركية في شمال سوريا يعني حاليًا العمل للقضاء على الميليشيات الكردية ومنع إنشاء حكم ذاتي كردي في شمال سوريا. ولتنفيذ هذه المهام لم تمنع تركيا الجيش السوري من تنفيذ عملية تحرير حلب، ووفقًا لبعض التقارير، منع الأتراك وحدات الجيش السوري الحر من المشاركة في العملية التركية "درع الفرات" من التوجه إلى حلب لمساعدة الجماعات المسلحة المحاصَرة في حلب الشرقية. بالإضافة إلى ذلك، وكجزء من الصفقة، تخلت تركيا عن فكرة إسقاط بشار الأسد رغم أن أردوغان لا يزال بين الحين والآخر يصدر تصريحات حول ذلك، قال الرئيس التركي قبل فترة إن الهدف من عملية أنقرة في شمال سوريا تحرير البلاد من ديكتاتورية بشار الأسد، ولكن ما إن "رفع الكرملين حاجبيه" حتى قام الأتراك بلحس هذه الكلمات. لقد أعلن بن علي يلدريم لوسائل الإعلام الروسية "أن عملية "درع الفرات" لا علاقة لها بما يحدث في حلب ولا ترتبط بتاتًا بتغيير النظام في سوريا. هذه العملية لها هدف وحيد وهو القضاء على جميع العناصر الإرهابية المتواجدة في المنطقة وخاصة عناصر داعش". أما حجم التعاون الروسي التركي في القضية السورية فسيتضح بعد تحرير حلب، عندما سيضطر الجيش السوري لمعالجة موضوع المسلحين المتحصنين في محافظة إدلب. من المعروف أن الجماعات المسلحة في إدلب تتلقى الدعمين المادي والمالي من الأتراك، وإذا كانت أنقرة مهتمة حقًّا باستقرار الوضع في سوريا (أي التوصل إلى تفاهم حول مسألة حماية مصالحها في هذا البلد مع موسكو ودمشق وطهران)، فلن يتدخل الأتراك ولن يعوقوا عملية القضاء على السرطان المسلَّح في إدلب. من المحتمل أن يتم بحث هذا الموضوع خلال القمة الروسية التركية المقبلة.