جلس الصبى السورى يحدق فى لا شيء، وقد تملكه الذهول والصدمة، ووجهه ملطخ بالدماء الممتزجة بالتراب بعد غارة جوية على مدينة حلب، مما أثار الغضب والقلق على وسائل التواصل الاجتماعى الخميس الماضي. وأثناء جلوسه وحيدًا داخل سيارة الإسعاف حاول الصبي، الذى عرفه الأطباء باسم عمران دقنيش، ويبلغ من العمر أربع سنوات، مسح الدماء من على رأسه غير واعٍ بالإصابة التى لحقت به. وكتبت مستخدمة على موقع تويتر تدعى تشارلين ديفيراتوردا «طفل مسكين. فى عمر حفيدي. لا يمكننى أن أتخيل. لا تغادر الصورة خيالي». وقالت شركة زومف التى تحلل بيانات مواقع التواصل الاجتماعى إن أكثر من عشر تغريدات نشرت كل دقيقة على تويتر. ونشر كثير من التغريدات صورًا للطفل وصورًا للطفل السورى أيلان كردى الذى عثر على جثته على الشاطئ فى تركيا العام الماضي. وجرى تداول تسجيل مصور لأطفال يتم انتشالهم من تحت أنقاض مبنى تعرض للقصف فى حلب على وسائل التواصل الاجتماعى مما أثار حالة من الغضب والإدانة بشأن الحقيقة المفزعة للحرب الأهلية السورية المستمرة منذ خمسة أعوام. وكتب مستخدم على تويتر يدعى مالكولميت «ليس المهم أن تنتشر... المهم ما سيحدث حيال ذلك؟». وكتبت سارة عاصف فى تغريدة أخرى «إذا تحول هذا الطفل المرعوب ذات يوم إلى إرهابي... لمن نوجه اللوم؟» ويظهر عامل إغاثة ينتشل صبيًا صغيرًا من تحت أنقاض مبنى ويضعه على كرسى داخل سيارة إسعاف قبل أن ينطلق عائدًا إلى المكان الذى تعرض للقصف. ويجلس الطفل وحيدًا مذهولًا أمام طفلين آخرين جرى نقلهما إلى سيارة الإسعاف. وانضم إليهم رجل وجهه ملطخ بالدماء. وقال المصور الحر المقيم فى حلب محمد رسلان أبو شيخ الذى كان فى الموقع إن عمال الإنقاذ المدنيين وعمال الإغاثة هللوا لدى انتشال عمران من تحت الأنقاض حيّا مع بقية عائلته المكونة من ستة أفراد. وأضاف لرويترز «كان فى حالة صدمة، ولم يكن حتى يبكى..لقد جعلنا نبكى بينما كان هو صامتًا.. يتابعنا فحسب». وقال رسلان (27 عامًا) ل «وكالة فرانس برس» عبر الهاتف من بيروت، «التقطت العديد من صور الأطفال القتلى أو الجرحى جراء الغارات اليومية التى تستهدف الأحياء تحت سيطرة الفصائل فى حلب». ويضيف: «فى العادة يفقدون وعيهم أو يصرخون لكن عمران كان يجلس صامتًا. يحدق مذهولًا كما لو أنه لم يفهم أبدًا ما حل به». ويعتبر رسلان أن الطفل «يلخص معاناة الأطفال فى حلب الذين يتعرّضون يوميًا للقصف حتى وهم داخل منازلهم». وكان المصور الفوتوغرافى قريبًا من حى القاطرجي، حيث يقطن عمران مع عائلته فى الطابق الأول من أحد المباني، حين تعرض لغارة جوية. وتتعرض الأحياء الشرقية تحت سيطرة الفصائل فى حلب لغارات جوية أدت إلى مقتل المئات منذ العام 2012، تاريخ انقسام المدينة بين أحياء شرقية وأخرى غربية تحت سيطرة قوات النظام. ويوضح المصور «كانت الساعة قرابة السابعة والربع حين سمعت دوى غارة، وتوجهت فورًا إلى مكان القصف»، مضيفًا: «كان الظلام قد حل لكننى رأيت مبنى تدمر بالكامل، وقربه مبنى آخر مدمر جزئيًا» فى إشارة إلى المبنى حيث منزل عائلة عمران. ويروى «كان علينا تخطى ثلاث جثث مع مسعفى الدفاع المدنى قبل دخول المبنى أردنا الصعود إلى الطابق الأول لكن الدرج انهار تماما». وإزاء ذلك، اضطروا للتوجه إلى مبنى ملاصق «وسحب أفراد عائلة عمران الواحد تلو الآخر من شرفة لشرفة». وانتشل المسعفون فى بادئ الأمر عمران ثم شقيقه (5 سنوات) وشقيقتيه (8 و11 عامًا) وبعدها الأب والأم وجميعهم أحياء. ويتابع رسلان، الذى يظهر وهو يلتقط الصور فى شريط فيديو مركز حلب الإعلامي، «عندما وضعوا عمران داخل سيارة الإسعاف، كانت الإنارة جيدة واستطعت التقاط الصور». ويوضح أن الطفل كان «تحت هول الصدمة لأن حائط الغرفة انهار عليه وعلى عائلته» لافتًا إلى أن والده، وبعد إنقاذه رفض التقاط الصور، أو الكشف عن شهرة العائلة. وبحسب رسلان، فإن «هذا الطفل كما سائر أطفال سوريا هم رمز للبراءة ولا علاقة لهم بالحرب». من جهتها، اعتبرت واشنطن أن عمران يمثل «الوجه الحقيقي للحرب». وقال المتحدث باسم الخارجية جون كيربى «يبلغ من العمر خمس سنوات تقريبًا. هذا الفتى الصغير لم يعرف يومًا فى حياته إلا الحرب، والموت والدمار والفقر فى بلاده». وتعيد صورة عمران إلى الأذهان لناحية رمزيتها صورة الطفل عيلان الكردي، اللاجئ السورى ذا الأعوام الثلاثة، الذى جرفته المياه بعد غرقه إلى أحد الشواطئ التركية فى سبتمبر. وتحولت صورته رمزًا لمعاناة اللاجئين السوريين الهاربين فى زوارق الموت باتجاه أوروبا. وتشهد سوريا نزاعًا داميًا بدأ فى مارس 2011 بحركة احتجاج سلمية ضد النظام، تطورت لاحقًا إلى نزاع متشعب الأطراف، أسفر عن مقتل أكثر من 290 ألف شخص، وتسبب بدمار هائل فى البنى التحتية وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.