لم أستسغ طعامًا بعد الإفطار كطعام بريطانيا على سبيل المثال، ومرَّ عليَّ وقت كنت فيه أظن أن طعام أهل الهند هو أسوأ طعام على وجه الأرض، وحدث أن أخبرت بهذا الظن أحد المهندسين من الهند، فاستاء أشد الاستياء وقال لى: المطعم الهندى معروف، وهو واحد من أفضل المطاعم في العالم على الإطلاق، وفيما يبدو أنك أكلت طعام أهل الجنوب أما أهل الشمال فطعامهم أطيب وألذ طعام، وعلى أية حال فإننى أدعوك لتناول وجبة الغداء معى يوم الجمعة القادم، سأجعل من يطبخها لك شيفًا هنديًا يعمل بأحد أفخر الفنادق، ستكون الوجبة إن شاء الله «برياني»، قلت: أوافق بشرط أن يطبخها الشيف أمامى لعلها تعجبنى فأصنعها فيما بعد بنفسى في بيتى، قال: إن ذلك ولا ريب يسرنى. كان ذلك قبل أن يطل علينا الشيفات من نوافذ القنوات الفضائية، وقبل أن تملأ وصفاتهم لصناعة الوجبات الشبكة العنكبوتية، والواقع أن الطعام الهندى كان حتى ذلك الوقت يقف كغصّة في حلقى، إذ كنت اضطر في بعض الأحيان لمجاملة بعض الهنود إن دعونى إلى طعام، وكنت إن توقفت عن الأكل بحجة أنى شبعت بينما حقيقة الأمر أن نفسى عنه تعاف قالوا لى: يسرنا أن تستمر معنا في تناول طعامنا ونرجو أن تطيب خاطرنا فنحن مثلك مسلمون ولسنا من السيخ أو الهندوس.. فكنت أستمر كرد فعل لقولهم في تناول طعامهم الملون والمشطشط ذى الروائح المنفرة والمذاقات المقززة. لما ذهبتُ إلى صديقى في الموعد المحدد يوم الجمعة ملبيًا الدعوة وجدته والشيف في انتظارى لصناعة وجبة البريانى أمامى، وبينما كنا في المطبخ طلبت من صديقى ورقة وقلمًا، فلما جاء إليَّ بهما وضعتهما على المنضدة وقررت ألا أستخدمهما.. ذلك لأنى علمت من الشيف الهندى أنه يستخدم أكثر من خمسة وعشرين نوعًا من التوابل في صناعة وجبة البريانى، وهو أمر إن فعلته ذات يوم فسينفد ولا ريب مخزون ما لديَّ من صبر. بعد أن تناولنا الوجبة قلت لصديقى: صدقت يا عزيزى فهذه الوجبة من أروع ما أكلت في حياتى، والآن فقط أستطيع أن اعترف بالمطبخ الهندى، فسُرَّ الشيف وصديقى بكلامى، واستطردت قائلًا لهما: أنتما مدعوان على وجبة مصرية عندى يوم الجمعة القادم، سأصنعها لكما بنفسى ولن أستخدم فيها الأرز البسمتى ذا الحبة الرفيعة، وإنما سأستخدم فيها أرزًا هنديًا حبته عريضة. أنا بالطبع لم أكن أجرؤ على أن أقدِّم لهما هذه الدعوة، إلا إذا كنت قادرًا في هذا المعترك الدولى، على رفع علم المطبخ المصرى مرفرفًا في سماء المطبخ العالمى، كما فعلا هما بعلم مطبخهما الهندى، فالواقع أننى أستطيع صناعة بعض الوجبات المصرية بمهارة شيفات القنوات الفضائية، يعترف لى بذلك بعض أصدقائى بينما تنكره زوجتى.. وذلك ليس فقط كما يقول المثل لأن زمار الحى لا يطرب، وإنما أيضًا لأنها ولا ريب شيف أكبر ويصنع الطعام بصورة أفضل، والاعتراف بالحق فضيلة. أعددت لهما صنفين مصريين من الطعام، أولهما برام أرز بلحم الدجاج معمر، وثانيهما خلطة محشى معمرة باللحم الأحمر حتى تروق لهما لكونها لطعام الهند أقرب، وكنت قد اكتشفت حبة الأرز الهندى العريضة قبل قبولى لدعوة صديقى بأيام قليلة لما لم أجد في السوق الأرز المصرى أو الأسترالى العريض الحبة، فاضطررت لأن أشترى منها وأنا أوجس مما اشتريته خيفة، ليس فقط لجهلى بها وإنما أيضًا لشدة رخص ثمنها، وهى حبة حجمها وأبعادها ثلاثة أضعاف حجم وأبعاد حبة الأرز المصرى أو الأسترالى العريضة.. والعجيب أن كوب الأرز من تلك الحبة لا ينضج إلا إذا أضفت إليه كوبي ماء لا كوبًا واحدًا، كما هو الحال في حبة الأرز المصرية أو حبة الأرز الأسترالية الأقرب شكلًا وطعمًا للأرز المصري!، والحق أن طعمها أعجبنى وحلمت بأن تُزرع نبتتها في مصر بلدى. لما أتيانى قدمت لهما طعامى، فقال الشيف: هذه أول مرة آكل فيها الأرز العريض الحبة بشهية!، وقال صديقى: لقد أثبتّ لنا أن طعامكم المصرى في ذات مستوى الطعام الهندى إن لم يكن أرقى، فشعرت بالعلم المصرى يرفرف فوقنا!، وسألتهما عن اسم تلك الحبة فذكروا لى اسمها الذي للأسف نسيته - وقالوا لى: إن موطنها في الهند مدينة كيرلا. لا تتعجب يا عزيزى القارئ من متن وحشو هذا المقال، فلقد كتبته لسببين: ثانيهما أننا في رمضان وهو شهر يكون الناس فيه أكبر همها هو الطعام، أما أولهما فهو أننى أود أن ألفت نظر المسئولين المعنيين، إلى أن في مدينة كيرلا بالهند يزرع أرز من النوع العريض الحبة طعمه أجمل، وفى الطبخ أوفر.. لعلهم يدخلونها مصر كما أدخلوا لمبات الليد.