مصطلح السلفية تم استغلاله وأسىء فهمه واستخدامه ممن يزعمون الانتساب إليه، حيث يدعى بعضهم أنهم الوارثون وحدهم للسلف، ومن ثم لا سلفى سواهم، واتِّخاذ السلفيَّة كمنهج خاص ينفرد به الإنسان ويضلل من خالفه من المسلمين ولو كانوا على حق، واتخاذ السلفية كمنهج حزبى فلا شك أن هذا خلاف مع السلفيَّة الحالية، فالسلف كلهم يدعون إلى الإسلام والالتئام حول كتاب الله وسنة رسوله. والمسائل التى تمسك بها المتشددون عديدة منها: «وصف الله بالمكان» من الأشياء التى يصر عليها المتشددون وصف الله بالجهة والمكان، ويزعمون إثبات الفوقية المكانية له سبحانه وتعالى، وهذا الإصرار منهم يتعارض مع ما ينبنى عليه تنزيه الله سبحانه وتعالى، وذلك لما قاله سيدنا على بن أبى طالب: «كان الله ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان»، وقال أبوحنيفة: «قلت أرأيت لو قيل لك أين الله تعالي؟ يقال له: كان الله تعالى ولا مكان قبل أن يخلق الخلق، وكان الله تعالى ولم يكن أين ولا خلق ولا شيء، وهو خالق كل شيء»، وقال الإمام الشافعى «إنه تعالى كان ولا مكان، فخلق المكان وهو على صفة الأزلية كما كان قبل خلقه المكان، ولا يجوز عليه التغيير فى ذاته، ولا التبديل فى صفاته». «انتقاص الأشاعرة» من مصائب هذا التيار أنهم اتهموا الأشاعرة بأنهم فرقة ضالة، وهنا يتجلى فكر الخوارج الذى لا يعبأ بأن يخرج على جماعة المسلمين ينتقصهم ويزعم أنهم على ضلالة ويدعى الحق لنفسه. فعندما اختلف الناس وظهر المبتدعة ممن أساءوا الأدب مع الله ورسوله، وكلهم زعموا أن هذه عقيدة النبى وأصحابه، كان لزامًا على معتقد الحق بعد ظهور الفرق أن يحدد عقيدة النبى وأصحابه كما بينها أبوالحسن الأشعرى، فأبوالحسن لم يبدع فى الاعتقاد، وإنما قرر مذهب أهل السنة والجماعة. ويقول القاضى عياض المالكى عنه: «وصنف لأهل السنة التصانيف، وأقام الحجج على إثبات السنة، وما نفاه أهل البدع من صفات الله تعالى ورؤيته، وقدم كلامه، وقدرته، وأمور السمع الواردة. تعلق بكتبه أهل السنة، وأخذوا عنه، ودرسوا عليه، وتفقهوا فى طريقه، وكثر طلبته وأتباعه، فأهل السنة فى المشرق والمغرب، بحججه يحتجون وعلى مناهجه يذهبون، وقد أثنى عليه غير واحد منهم، وأثنوا على مذهبه وطريقه». «الإفتاء بغير تأهيل» من الحالات التى أحدثها هذا التيار حالة تسمى ب «فوضى الفتاوى»، فالانفتاح العلمى والفكر الإعلامى الذى يعيشه المسلمون اليوم حالة فريدة لم يسبق لها مثيل، ولم يعد بالإمكان تحديد وضبط قنوات التلقى والتوجيه والفتوى، بل بسبب تنوع وسائل الإعلام المشاهد منها والمقروء، ولسهولة التعاطى معها لكل أحد، بات المسلم يسمع الفتوى والتوجيه فى كل مكان، واستغل المتشددون هذه الحالة كما استغلوا إمكاناتهم المادية فى تخصيص كثير من القنوات التى يبثون فيها فتاواهم، وأغلب هؤلاء غير مؤهلين للإفتاء وإنزال الأحكام الشرعية على واقع المسلمين، وإذا اطلع المسلم على حقيقة عملية الإفتاء والشروط والآداب التى ينبغى أن تتحقق فى المفتى يعلم مدى بعد هؤلاء عن التأهيل للفتوى. «تحريم التوسل بالنبى» من طامات هذا التيار المتشدد أنه يحرم التوسل بالنبى فى الدعاء إلى الله، ويتهمون من يفعل ذلك بالشرك، رغم أن التوسل بالنبى مسألة اتفق عليها الفقهاء ومذاهبهم، وقد اتفقت المذاهب الأربعة على جواز التوسل بالنبى، بل استحلال ذلك وعدم التفريق بين حياته وانتقاله، والدليل من القرآن «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِى سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»، و«أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا». «تحريم الصلاة فى المساجد التى بها أضرحة» يحرم المتشددون الصلاة بالمسجد الذى ألحق به ضريح رجل صالح، ويصرحون بوجوب هدم الضريح أو المسجد، وهم بذلك يخالفون إجماع المسلمين ويستفزون مشاعرهم، فالصلاة بالمسجد الذى به ضريح أحد الأنبياء أو الصالحين صحيحة ومشروعة وقد تصل إلى درجة الاستحباب، ويدل على هذا الحكم عدة أدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية وفعل الصحابة، وإجماع الأمة العملى، فيقول الله تعالي: «فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا»، ووجه الاستدلال بالآية أنها أشارت إلى قصة أصحاب الكهف، حينما عثر عليهم الناس فقال بعضهم: نبنى عليه بنيانًا، وقال آخرون: لنتخذن عليهم مسجدًا، والسياق يدل عل أن الأول: قول المشركين، والثاني: قول الموحدين، والآية طرحت القولين بلا استنكار، وطرحت قول الموحدين بسياق المدح. «اعتبار التبرك بآثار النبى والصالحين شركًا بالله» من قضايا المتشددين التى فرقوا بها الأمة وخرجوا عليها، وصفهم التبرك بآثار النبى والصالحين من الشرك، وما يترتب على عدم انتساب هؤلاء للإسلام من شق لجماعة المسلمين وفتن الله أعلم بها. وقال الراغب الأصفهاني: البركة ثبوت الخير الإلهى فى الشيء، وقال ابن منظور: البركة النماء والزيادة، والتبريك الدعاء للإنسان أو غيره بالبركة، ووضع الله بركته فى عدة أماكن، «وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا»، «سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»، «وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ»، «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ»، ويختار سبحانه من الأشخاص من يباركهم فبارك الأنبياء وأهل بيتهم، و«قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ»، و«قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ». ويستحب للمؤمن أن يلتمس بركة هذه الجهات التى ثبتت بركتها من عند الله، فيستحب للمؤمن التبرك بالنبى وآثاره، وقد ثبت ذلك التبرك من صحابة النبى فى حضرته، ولم ينكر عليهم بل ورده عنه إجابته بالتبريك لهم وعليهم. «تحريم الاحتفال بمولد النبى» يخالف المتشددون المسلمين فى فرحهم بذكر ميلاد النبى ويتهمونهم بأنهم على بدعة وضلالة، رغم احتفال هؤلاء المتشددين بذكرى بعض علمائهم وأئمتهم، وعن عمر بن الخطاب قال: «سئل النبى عن صوم الاثنين، قال: ذلك يوم ولدت فيه ويوم بعثت»، وقال السيوطي: «وعمل المولد ليس فيه مخالفات لكتاب ولا سنة ولا أثر ولا إجماع، فهى غير مذمومة كما فى عبارة الشافعى، وهو من الإحسان الذى لم يعهد فى العصر الأول، فإن إطعام الطعام الخالى عن اقتراف الآثام إحسان، فهو إذن من البدع المندوبة».