رئيس جامعة الأقصر يفتتح مركز خدمة الطلاب ذوي الإعاقة    انعقاد برنامج البناء الثقافي للأئمة والواعظات بمديرية أوقاف المنيا    طرق استرداد تكلفة تذكرة الطيران عن طريق الإنترنت    شكري يستنكر محاولات إسرائيل اليائسة لتحميل مصر مسئولية الأزمة الإنسانية بغزة    الدوري الممتاز، تعادل سلبي بين طلائع الجيش والإسماعيلي في الشوط الأول    أهداف المحترفين في الدوريات الخمسة الكبرى.. مصر 37-1 بوركينا فاسو    تقارير: كريستيانو رونالدو قد يمدد عقده مع النصر حتى 2026    وزير الشباب يناقش مع محافظ القاهرة خطة تطوير المنشآت الرياضية    بث مباشر لمحيط انهيار عقار العطارين في الإسكندرية    أبرزها الكوكايين والذهب، قائمة بالأشياء الأكثر تهريبا في مطار القاهرة    وفاة شقيقة الفنانة معالي زايد    دمياط تتسلم 25 وحدة من وصلات القلب للانتهاء من قوائم الانتظار    طريقة عمل الفول النابت لأكلة مغذية واقتصادية    تنظيم 10 ندوات لمناقشة المشكلات المجتمعية المرتبطة بالقضية السكانية في شمال سيناء    المشدد 3 سنوات ل6 أشخاص بتهمة حيازة أسلحة واستعراض قوة بشبرا الخيمة    جامعة حلوان تنظم ورشة عمل للتعريف باختصاصات عمل وحدة مناهضة العنف ضد المرأة    بعد تصدرها التريند.. تعرف على آخر أعمال فريدة سيف النصر    الأربعاء.. انطلاق فعاليات الدورة الثانية لمعرض زايد لكتب الأطفال    بعد تصدرها التريند.. ما هي آخر أعمال نسرين طافش؟    شكري ردا على «خارجية الاحتلال»: نرفض لي الحقائق.. وإسرائيل سبب الأزمة الانسانية بغزة    5 معلومات عن السيارات الكهربائية في مصر |إنفوجراف    محافظ أسوان يكلف نائبته بالمتابعة الميدانية لمعدلات تنفيذ الصروح التعليمية    دولة أوروبية تنوي مضاعفة مساعداتها للفلسطينيين 4 أضعاف    متاحف وزارة الثقافة مجانًا للجمهور احتفالا بيومها العالمي.. تعرف عليها    الجنائية الدولية: نسعى لتطبيق خارطة الطريق الليبية ونركز على تعقب الهاربين    جامعة كفرالشيخ تتقدم 132 مركزا عالميا في التصنيف الأكاديمي CWUR    شعبة الأدوية: الشركات تتبع قوعد لاكتشاف غش الدواء وملزمة بسحبها حال الاكتشاف    برلماني: مصر قادرة على الوصول ل50 مليون سائح سنويا بتوجيهات الرئيس    الشيبي يظهر في بلو كاست للرد على أزمة الشحات    وزير التعليم يفتتح الندوة الوطنية الأولى حول «مفاهيم تعليم الكبار»    أشرف عطية يتفقد الأعمال الجارية بمشروع محور بديل خزان أسوان الحر    «الزراعة»: مشروع مستقبل مصر تفكير خارج الصندوق لتحقيق التنمية    لماذا أصبح عادل إمام «نمبر 1» في الوطن العربي؟    "العيد فرحة".. موعد عيد الأضحى 2024 المبارك وعدد أيام الاجازات الرسمية وفقًا لمجلس الوزراء    قبل البيرة ولا بعدها؟.. أول تعليق من علاء مبارك على تهديد يوسف زيدان بالانسحاب من "تكوين"    مصرع شخص غرقاً فى مياه نهر النيل بأسوان    هيئة الأرصاد الجوية تحذر من اضطراب الملاحة وسرعة الرياح في 3 مناطق غدا    «على قد الإيد».. أبرز الفسح والخروجات لقضاء «إجازة الويك اند»    «صحة النواب» توصي بزيادت مخصصات «العلاج على نفقة الدولة» 2 مليار جنيه    بالصور.. وزير الصحة يبحث مع "استرازنيكا" دعم مهارات الفرق الطبية وبرامج التطعيمات    طالب يضرب معلمًا بسبب الغش بالغربية.. والتعليم: إلغاء امتحانه واعتباره عام رسوب    تصريحات كريم قاسم عن خوفه من الزواج تدفعه لصدارة التريند ..ما القصة؟    داعية إسلامي: يوضح ما يجب على الحاج فعله فور حصوله على التأشيرة    دعاء للميت في ذي القعدة.. تعرف على أفضل الصيغ له    رسميا مانشستر يونايتد يعلن رحيل نجم الفريق نهاية الموسم الحالي    مهرجان الإسكندرية يعلن تفاصيل المشاركة في مسابقة أفلام شباب مصر    وزير الدفاع البريطاني: لن نحاول إجبار أوكرانيا على قبول اتفاق سلام مع روسيا    «الداخلية»: ضبط 25 طن دقيق مدعم قبل بيعها في السوق السوداء    أحمد الطاهرى: فلسطين هي قضية العرب الأولى وباتت تمس الأمن الإقليمي بأكمله    مصر تدين الهجوم الإرهابى بمحافظة صلاح الدين بالعراق    السيد عبد الباري: من يحج لأجل الوجاهة الاجتماعية نيته فاسدة.. فيديو    مفتي الجمهورية يتوجه إلى البرتغال للمشاركة في منتدى كايسيد للحوار العالمى..    نموذج RIBASIM لإدارة المياه.. سويلم: خطوة مهمة لتطوير منظومة توزيع المياه -تفاصيل    فى أول نزال احترافى.. وفاة الملاكم البريطانى شريف لوال    "مقصود والزمالك كان مشارك".. ميدو يوجه تحية للخطيب بعد تحركه لحماية الأهلي    رئيس جامعة القاهرة: زيادة قيمة العلاج الشهري لأعضاء هيئة التدريس والعاملين 25%    الإسكان: الأحد المقبل.. بدء تسليم الأراضي السكنية بمشروع 263 فدانا بمدينة حدائق أكتوبر    «الأونروا»: أكثر من 150 ألف إمرأة حامل فى غزة يواجهن ظروفا ومخاطر صحية رهيبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مناقشة هادئة لحملة المفتي في كتابه على السلفيين (2): شغب فكري
نشر في المصريون يوم 30 - 06 - 2011

تحت عنوان (أهم مسائل المتشددين التي جعلوها أصولا لهم وعنوانا عليهم) كتب فضيلة المفتي الدكتور علي جمعة:
"لقد تمسك المتشددون بمجموعة من المسائل التي لا تمثل هوية الأمة وكلها مسائل فرعية، وجعلوها معيارا لتصنيف المسلمين، وامتحانا لتقسيمهم، ورُوج لدى طوائف كثيرة من الناس أنها قطعية لا خلاف فيها، وأن الحق معهم وحدهم، وأن القائل بغير ما يقولونه مارق فاسق منحرف أو على أقل تقدير غير ملتزم ومتساهل، أو يتهم بأنه ليس متبعا للرسول صلى الله عليه وسلم.
فشغلوا المسلمين بهذه المسائل ، التي مذهبهم فيها غالبا ما يكون ضعيفا أو شاذا ، وفيما يلي تتضح الأدلة التي اعتمد عليها العلماء في الإجابة عن تلك المسائل . ونؤكد على أنه لا يجوز أن نقع في جعل هذه المسائل المعيار الذي نقسم به المسلمين ، بل المعيار يجب أن يكون حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وما اتفقت عليه الأمة من أصول .
وقد تم اختيار 17 مسألة فقط من مسائلهم وهى:
1. المتشددون يصفون الله بالمكان .
2. المتشددون ينتقصون الأشاعرة .
3. المتشددون ينكرون اتباع المذاهب الفقهية وتقليدها .
4. المتشددون غير مؤهلين للإفتاء ويحدثون فوضى فى المجتمع (عملية الإفتاء – شروط المفتى وآدابه)
5. المتشددون يعدون أغلب تصرفات المسلمين بدعا وضلالات .
6. المتشددون يحرمون التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ويعدونه شركا بالله .
7. المتشددون يحرمون الصلاة في المساجد ذات الأضرحة ويصرحون بوجوب هدمها .
8. المتشددون يعدون التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين شركا بالله .
9. المتشددون يحرمون الاحتفال بالمولد النبوي الشريف .
10. المتشددون يحرمون السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الأنبياء والصالحين .
11. المتشددون يتهمون من ترجى بالنبي صلى الله عليه وسلم بالشرك الأصغر.
12. المتشددون يحكمون على والدي المصطفى (ص) بالنار يوم القيامة .
13. المتشددون ينفون أي إدراك للميت وشعوره بمن يزوره .
14. المتشددون ينكرون ذكر الله كثيرا ويمنعون الأوراد .
15. أكثر المتشددون يمنعون استعمال السبحة في الذكر ويرونها بدعة وضلالة .
16. المتشددون يتمسكون بالظاهر ويتعبدون الله بالثياب (ثوب الشهرة – النقاب)
17. المتشددون يسعون قبل أن يتعلموا ويخلطوا الوعظ بالعلم.
نبدأ بالمسألة الأولى التي وضع لها فضيلة المفتي عنوان (المتشددون يصفون الله بالمكان). ومن الآن فصاعدا ننبه القارئ أن المفتي لن يستخدم مصطلح السلفيين ويكتفي بوصفهم بالمتشددين، فحيثما وجدت هذا اللفظ في اقتباسات من كلام المفتي فاعلم أنه يقصد السلفيين. قال فضيلته في هذه المسألة:
"من الأشياء التي يصر عليها من يسمون أنفسهم بالمتشددين وصف الله بالجهة والمكان، ويزعمون إثبات الفوقية المكانية له سبحانه وتعالى. وهذا الإصرار منهم يتعارض مع ما ينبغي أن يكون عليه تنزيه الله سبحانه وتعالى ، وذلك مما يلي:
قال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "كان الله ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان". وقال أبو حنيفة "قلت: أرأيت لو قيل: أين الله تعالى؟ يقال له: كان الله تعالى ولا مكان قبل أن يخلق الخلق، وكان الله تعالى ولم يكن أين ولا خلق ولا شيء وهو خالق كل شيء". قال الإمام الشافعي: "إنه تعالى كان ولا مكان، فخلق المكان وهو على صفة الأزلية كما كان قبل خلقه المكان، ولا يجوز عليه التغيير في ذاته ولا التبديل في صفاته" اه.
ملاحظات على المسألة الأولى:
1. إن العقيدة أهم شيء في حياة كل إنسان، وإذا أخطأ فيها قد لا يتراجع عن خطأه لأنه ببساطة يعتقد أنه على صواب فلا مجال للمراجعة، ولذلك فإن الشيطان يفرح بالمبتدع أكثر من فرحه بالعاصي والمذنب. الإنسان عندما يقع في المعاصي يعرف من صميم قلبه أنه على خطأ، والتوبة قريبة منه، أما المبتدع فمشكلته أكبر لأنه يعتقد أنه على صواب. والعقيدة الإسلامية سهلة وتوافق الفطرة السوية بلا أي تعقيد. والمتأمل لمنهج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، يجدهم أصحاب عقيدة صافية واضحة يبتعدون عن الجدال العقيم والمراء الذي لا طائل وراءه، وكانوا يمررون صفات الله تعالى كما جاءت من غير كيف فيؤمنون بها ويكلون علمها لله تعالى مع الجزم بأن الله ليس كمثله شيء وأن صفاته لا تشبه صفات المخلوقين. لقد كان دخول علم الكلام والفلسفة في أمور العقيدة سببا في إثارة الشبهات وتلبيس حقائق الدين على كثير من المسلمين.
2. المسألة الأولى التي افتتح بها فضيلة المفتي مسائله السبع عشرة أقرب إلى جدال علماء الكلام، ولا تناسب كتابا يباع لعموم الناس مع باعة الصحف (بجنيه واحد !).
3. لم يكن المفتي موفقا في اختيار الدليل الذي بدأ به كلامه وهو الكلام المنسوب لعلي رضي الله عنه، فإن مسائل العقيدة لا يحتج فيها إلا بالآيات المحكمة والأحاديث الصحيحة (حتى أن بعض العلماء نازع في الاحتجاج بأحاديث الآحاد الصحيحة) ، وها هو المفتي يبدأ بأثر فيه هذه الزيادة (وهو الآن على ما عليه كان) التي قال عنها الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وهي زيادة ليست في شيء من كتب الحديث. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذه الزيادة وهو قوله (وهو الآن على ما عليه كان) كذب مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفق أهل العلم بالحديث على أنه موضوع مختلق وليس هو في شيء من دواوين الحديث لا كبارها ولا صغارها ولا رواه أحد من أهل العلم بإسناد لا صحيح ولا ضعيف ولا بإسناد مجهول وإنما تكلم بهذه الكلمة : بعض متأخري متكلمة الجهمية فتلقاها منهم هؤلاء الذين وصلوا إلى آخر التجهم - وهو التعطيل والإلحاد.
4. من الملاحظ أن كل مسائل كتاب المفتي لم يأت فيها بنقل أو اقتباس واحد لشيخ من شيوخ السلفيين، وقد يكون السبب في ذلك أن التيار السلفي المعاصر ليست له جماعة واحدة ولا قيادة تجمعه، بل هو مدارس متنوعة. ولكن لفائدة هذا البحث سنأتي بأقوال رموز السلفية التي نظن أن أحدا منهم لا يختلف على مرجعيتها.
5. في سؤال نصه: حديث الجارية (أين الله ؟)، هل هو جواب عن فرضية مكان أو فرضية مكانة ؟ أجاب فضيلة الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني (في جواب منشور ومسجل): إن الجواب ليس عن سؤال مكانة ولا عن مكان . أما أنه ليس سؤالاً عن المكانة ؛ فلأن مكانة الله المعنوية معروفة لدى كل المسلمين بل حتى الكافرين . وأما أنه ليس سؤالاً عن المكان فذلك ؛ لأن الله - عز وجل - ليس له مكان . إن الله منزه عن المكان باتفاق جميع علماء الإسلام ، لماذا !؟
لأن الله كان ولا شيء معه ، وهذا معروف في الحديث الذي في صحيح البخاري عن عمران بن حصين (كان الله ولا شيء معه) ، ولا شك أن المكان هو شيء ، أي: هو شيء وجد بعد أن لم يكن ، وإذا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : (كان الله ولا شيء معه) . معناه: كان ولا مكان له ؛ لأنه هو الغني عن العالمين ، هذه الحقيقة متفق عليها .
إن المشكلة هي دخول علم الكلام في الموضوع فأفسد العقول ، كل من قرأ ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ . [ الملك : 16 ] . ليس عنده شك أن الله - عز وجل - في السماء ، كلنا سمع ذاك الحديث : (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) ، ليس هناك شك أن الله - عز وجل - في السماء ، لكن دخل علم الكلام فصرفهم عن هذا الإيمان ، ماذا قال لهم ؟ قال لهم : لا يجوز أن نقول : الله في السماء ، لماذا ؟ لأن الله ليس له مكان ، صحيح نحن نقول : ليس له مكان ، ولعلكم ما نسيتم بأننا بدأنا الكلام عن هذا السؤال ببيان أن الله - عز وجل - غني عن المكان ، وأن الله كان ولا مكان ، فادعى الجهلة من الناس أن معنى الآية والحديث هو إثبات المكان لله - عز وجل - ، وأن معنى حديث الجارية : (الله في السماء) أن الله له مكان في السماء ، هذا الجهل أدى بهم إلى جهل مطبق ، ولا يعني أن المسلم حينما يعتقد أن الله في السماء : أن الله مثل إنسان في الغرفة ، لماذا ؟ لأن هذا تشبيه ، وقد سمعتم من جملة خصال ومزايا الدعوة السلفية أنها وسط في كل شيء بين الإفراط والتفريط ، بين المشبهة الذين يشبهون الله بخلقه ، وبين المعطلة الذين ينكرون أشياء من صفات ربهم ، فالسلف وسط يؤمنون بما جاء في الكتاب والسنة ، وينزهون الله : ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ . [ الشورى : 11 ] .
فحينما يعتقد المسلم أن الله في السماء كما هو في النص القرآني والأحاديث كثيرة ، لا يعني أنه في السماء أنه كالإنسان في الغرفة ، وكدودة القز في الشرنقة محصورة بهذا البيت الطويل ، حاشاه - عز وجل - أن يكون كذلك !
إذًا : ما المعنى الصحيح للفظة (في السماء) ؟ السماء لها معانٍ في اللغة لا نتفلسف كثيرًا بذكرها ، لكن من هذه المعاني : السماء الدنيا الأولى ، والثانية ، و ... إلخ ، ومن هذه المعاني : العلو المطلق ، كل ما علاك فهو سماء ، فالسماء الأولى والثانية هذه أجرام مخلوقة ، فإذا قلنا : الله في السماء ، معناه حصرناه في مكان ، وقد قلنا : إنه منزه عن المكان ، إذًا : كيف نفهم ؟
الجواب من الناحية العلمية : (في) في اللغة ظرفية ، فإذا أبقيناها على بابها وقلنا : الله في السماء ، وجب تفسير السماء بالعلو المطلق ، أي : الله فوق المخلوقات كلها حيث لا مكان ، بهذه الطريقة آمنا بما وصف الله - عز وجل - به نفسه بدون تشبيه وبدون تعطيل . فإن التشبيه أن أقول : كما أنا في هذا المكان ، وحاشاه ! والتعطيل أن نقول كما تقول المعطلة : الله ليس في السماء ، وإذا كان ربك يقول : ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ﴾ . [ الملك : 16 ] . وأنت تقول : ليس في السماء ، هذا هو الكفر . هذا معنى الآية فيما إذا تركنا (في) على بابها .
أحيانًا في اللغة العربية تقوم أحرف الجر بعضها مكان بعض ، ف (في) هنا ممكن أن تكون بمعنى (على) ، فحينئذً : ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ﴾ . [ الملك : 16 ] . أي : من على السماء ، فتكون السماء في الآية بمعنى الأجرام التي خلقها ربنا - تعالى - ، فهو عليها وفوقها ، وليس في شيء منها ؛ لأنه منزه عن المكان ، هذه هي عقيدة السلف.
6. وفي سؤال مشابه لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز (منشور ومسجل) قال رحمه الله "الله سبحانه وتعالى فوق العرش في جهة العلو فوق جميع الخلق عند جميع أهل العلم من أهل السنة، قد أجمع أهل السنة والجماعة رحمة الله عليهم على أن الله في السماء فوق العرش فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى، وهذا هو المنقول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه - رضي الله عنهم وعن أتباعهم بإحسان كما أنه موجود في كتاب الله القرآن وقد سأل النبي - صلى الله عليه وسلم – جارية جاء بها سيدها ليعتقها فقال لها الرسول : أين الله ؟ فقالت : في السماء، قال من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة) رواه مسلم في الصحيح فالرسول أقر هذه الجارية على هذا الجواب الذي قلته أنت، (قال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة). والله فوق العرش، فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى. وتحديد الجهة لا مانع منه جهة العلو؛ لأن الله في العلو وإنما يشبه بهذا بعض المتكلمين، بعض المبتدعة ويقولون ليس في جهة، وهذا كلام فيه تفصيل فإن أرادوا ليس في جهة مخلوقة وأن ليس في داخل السماوات وليس بداخل الأرض ونحو هذا فصحيح، أما إن أرادوا ليس في العلو هذا باطل وهذا خالف ما دل عليه كتاب الله وما دلت عليه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وما دل عليه إجماع سلف الأمة فقد أجمع علماء الإسلام أن الله في السماء فوق العرش فوق جميع الخلق، والجهة التي هو فيها هي جهة العلو وهي ما فوق جميع الخلق، وهذه الأسئلة ليست بدعة ولم ننه عنها بل هذه الأسئلة مأمور بها نعلمها الناس، كما سئل عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أين الله؟، وسأله ... قال: أين ربنا؟ قال: هو في العلو سبحانه وتعالى، فالله عز وجل في العلو في جهة العلو فوق السموات فوق العرش فوق جميع الخلق وليس في الأرض ولا في داخل الأرض وليس في داخل السموات، ومن قال إن الله في الأرض وأن الله في كل مكان كالجهمية والمعتزلة ونحوهم فهو كافر عند أهل السنة والجماعة لأنه مكذب لله ولرسوله في إخبارهما بأنه سبحانه في السماء فوق العرش جل وعلا، فلا بد من الإيمان بأن الله فوق العرش، فوق جميع الخلق وأنه في السماء يعني العلو معنى السماء يعني العلو.
فالسماء تطلق على معنيين أحدهما: السموات المبنية يقال لها سماء، والثاني: العلو يقال له سماء فالله سبحانه في العلو في جهة العلو فوق جميع الخلق، وإذا أريد السماء المبنية يعني عليها، في، يعني على، في السماء يعني على السماء وفوقها كما قال الله سبحانه : فسيحوا في الأرض، فسيروا في الأرض يعني عليها فوقها، وكما قال الله عن فرعون أنه قال: لأصلبنكم في جذوع النخل يعني على جذوع النخل فلا منافاة بين قول من قال في السماء يعني على السماء وبين من قال إنه في العلو لأن السماء المراد به العلو، فالله في العلو فوق السموات فوق جميع الخلق وفوق العرش سبحانه وتعالى، وعلمه في كل مكان جل وعلا، ولا يشابه خلقه في شيء من صفاته جل وعلا، وليس فيه حاجة إلى العرش ولا إلى السماء بل هو غني عن كل شيء سبحانه وتعالى والسموات مفتقرة إليه والعرش مفتقر إليه وهو الذي أقام العرش وهو الذي أقام الكرسي وهو الذي أقام السموات".
7. فهذان رمزان كبيران للسلفيين يؤكدان المعنى الصحيح بأن الله تعالى منزه عن المكان وبألفاظ غاية في الوضوح والبيان. ولقد شاهدت مقطع فيديو للدكتور علي جمعة (الرابط: http://www.youtube.com/watch?v=J_-RomYBEWc) يجيب فيه بنفس ألفاظ الشيخين الألباني وبن باز تماما، فلم إذن هذه المسألة ؟. ولم إثارتها الآن ؟. إن مثل هذا الشغب الفكري ضرره كبير خاصة في كتاب يوزع تقريبا بالمجان على عموم الناس. إن مصر في أشد الحاجة الآن إلى اجتماع الكلمة والقبول بالتنوع القائم في الاجتهادات الدعوية.
يتبع....
د. محمد هشام راغب
http://www.facebook.com/Dr.M.Hesham.Ragheb


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.