يعاني أدب الطفل العربي عزوفا كبيرا من جانب الأطفال واتجاههم نحو الأدب الأجنبي بمختلف فروعه، هذا يعني أن هناك أزمة تستحق التوقف أمامها والبحث لها عن علاج، فأدب الطفل في كل الدول الغربية يحظى باهتمام وتقدير باعتباره مدخلا للمستقبل. وهنا يجب طرح عدة أسئلة على المسئولين عن إنتاج الكتاب، والقصة والرواية وفنون الأدب المقدمة للطفل بكافة فروعها، لماذا هذا العزوف من الطفل عن الأدب العربي، وهل هناك أزمة تواجه أدب الطفل بشكل عام سواء فيما يتعلق بالمادة العلمية المقدمة أو كقيمة مادية أو فيما يتعلق بالترويج. واهتم بعض المثقفين العرب بكتابة الطفل منهم أمير الشعراء أحمد شوقي، ورفاعة رافع الطهطاوي، الذي كتب للطفل وأخذ المبادرة من البداية، هل يوجد الآن أحد من المثقفين البارزين من يهتم بكتابة أدب الطفل، ويأخذ المبادرة من جديد ويطرح هذه الإشكالية بشكل عام. وفي سياق رصد بعض المشكلات التي تواجه أدب الطفل العربي والحلول الممكنة خلال الفترة القادمة، قال سعادة أحمد بن ركاض العامري رئيس هيئة الشارقة للكتاب "إن السبب الرئيسي في عزوف الطفل العربي عن الرواية والقصص المصورة العربية وتوجهه نحو الروايات والقصص الأجنبية أن المنتج المقدم من رواية وقصة مصورة للطفل دون مستوى طموح الطفل والسبب في ذلك، ابتعاد الناشر العربي عن الاستثمار في إنتاج كتب لطفل بشكل كبير، وتقليل التكلفة على قدر المستطاع، ويحتوي الكتاب أو القصة على مجرد كلمات تقدم فقط، مما يجعله بطريقة لا تلائم متغيرات العصر الحالي". وأوضح العامري أن أغلب الكتب الموجودة في الوطن العربي موضوع في هيئة مصممة بتقنية الخمسينات، وتساءل كيف تحاور طفل في القرن الواحد والعشرين وتقدم له منتجا بتقنيات الخمسينات، ولذلك كان من الأهداف الرئيسية لجائزة اتصالات كتاب الطفل هو الارتقاء بمعايير كتاب الطفل، من كل الجوانب من محتوى وصورة جمالية وتقنية حديثة تجذب الأطفال. وأضاف أن الأطفال أذكى من الكبار في الإبداع والخيال، والأطفال هم أهم من يقرأ ويؤسس ويعزز دور القراءة، فيجب علينا أن نعتني بهؤلاء الأطفال، منوها بأن ما يقدم للطفل على شاشات التلفزيون في شكل رويات أجنبية مصورة تدفع الطفل للتعلق بالشخصيات المعروضة أمامه، فيبحث عن تلك الشخصيات في دور النشر والمعارض، وأنه يجب على المختصين بأدب الطفل الآن إنشاء منظومة متكاملة للنهوض بأدب الطفل العربي. وطالب العامري" القادة والمسؤولين في الوطن العربي بالاهتمام بأدب الطفل، وعقد اجتماع على أعلى المستويات لبحث المشكلات التي تواجه أدب الطفل والعمل على حلها، مؤكدا أن تجربة الشارقة الثقافية تجربة مميزة وفريدة وتحمل بين طياتها 37 عاما من العمل الدؤوب والبناء، واليوم نحن نجني ثمار عمل تلك السنوات، ونفخر بمهرجان الشارقة القرائي للطفل، الذي يعتبر أهم مهرجان في العالم أجمع بالمعايير الموجودة والفعاليات المتنوعة فيه، وكذلك معرض الشارقة لرسوم الأطفال والذي يعتبر الأهم في العالم". وأشار العامري إلى أن مهرجان الشارقة القرائي للطفل حقق الرسالة في الوصول إلى أكثر من 300 ألف زائر خلال فترة المهرجان،منهم 70% من الأطفال الذين شاركوا في الفعاليات اندمجوا في كل الورش، وكانوا أكثر اهتماماً من الجميع بحضور الفعاليات التي تقدم،لافتا إلى أن هذه الفعاليات المتنوعة في المهرجان تجعل الطفل يحب القراءة ، التلوين، الرسم، العلوم والرياضة. وبدوره، قال القاص عبدالرضا السجواني عضو مؤسس لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات إن شغف الطفل العربي بالمطبوعات الأجنبية من قصص وروايات بشكل عام يرجع لأن الأدب الأجنبي يتميز بعدة مزايا من مادة علمية مقدمة، وغلاف ملفت للنظر وصور تجسد الأحداث لتجذب الطفل، وبالمقابل فإن المادة العلمية المقدمة في الأدب العربي مفقودة تماما، والصورة والحالة الإخراجية للقصة المقدمة سيئة للغاية، ولذلك الطفل يتجه إلى المنتج الأجنبي، منوها بأن المنتج الأجنبي الموجه للطفل على مستوى المادة العلمية والتشويقية يرضي فضول الطفل، والتنوع المعروض أمامه من الكتب والقصص والرويات يجعل الاختيارات المقدمة كثيرة. وطالب السجواني "دور النشر والحكومات بخطة تحفيزية لجذب وتشجيع الكتاب وتوفير الدعم المادي لهم لنشر مؤلفاتهم من كتب وروايات وقصص، ودعمهم في وسائل الإعلام المختلفة من برامج في التلفزيون وإذاعات وصحف، موضحا أن الطفل يحب التقنيات الحديثة، ولذلك يجب أن يتضمن كل كتاب مقدم للطفل "أسطوانة مدمجة " تشرح الكتاب بالصور المتحركة والفيديو، مؤكدا أن الوطن العربي مليء بالكتاب الذين يجيدون فن الكتابة للطفل في المراحل العمرية المختلفة". وأرجع الكاتب السعودي فرج الظفيري المتخصص في أدب الطفل عزوف الطفل عن الرويات العربية إلى فقدان الكتب العربية والقصص المصورة لتشويق مقابل الأدب الأجنبي الذي يتمتع بالتشويق، موضحا أن من الأسباب المهمة أنه لا يوجد كتاب أو قصة مصورة في الأدب الأجنبي إلا وتستهدف فئة عمرية بعينها، أما في الأدب العربي للطفل لا توجد فئة عمرية إلا ما ندر. وقال الظفيري "إن الخلل في اختيار المرحلة العمرية، فلا يوجد كاتب يكتب إلى مرحلة عمرية بعينها، موضحا أن آليات جذب الطفل للرواية أو القصة ترتكز على السرد والتشويق والإبداع والصور وتقنية الإخراج ونوعية الطباعة". وأوضح أن مؤلفي كتب الطفل غير معروفين والمردود المادي ضعيف جدا والمردود المعنوي تقريبا منعدم، وطالب وسائل الإعلام المختلفة بتحمل المسئولية وتسليط الضوء على الأعمال الأدبية العربية الموجهة للأطفال واليافعين خلال الفترة القادمة، مشيرا إلى أن ترويج الأدب العربي للطفل مسئولية كل الفئات سواء الأسرة أو المدرسة ودور النشر ووسائل الإعلام المختلفة سواء الحديثة منها مثل وسائل التواصل الاجتماعي أو الوسائل الإعلامية القديمة. وقال المؤلف البحريني حمد الشهابي" إن المشكلة تأتي من المسؤولين والأسرة لآن الطفل يتلقى المعلومة من الأب والأم وهم من يقدم له الروايات والقصص الأجنبية ويتركون كل ما يقدم من أدب باللغة العربية للطفل، مطالبا الدول العربية بتحمل مسؤولياتها تجاه الطفل، ودعم الناشرين العرب". وأضاف أن أدب الطفل العربي بخير والمؤلفين متواجدون ولكن المشكلة في دور النشر سواء الحكومية أو الخاصة، منوها بأن الإمكانيات القليلة التي يحصل عليها المؤلف العربي تجعله يعزف عن الكتابة بشكل كبير ويتجه إلى الكتاب في فنون الأدب العربي المتنوع للكبار، بعكس المؤلف الأجنبي الذي يحصل على كل حقوقة الأدبية والمالية، من دعاية كبيرة في وسائل الإعلام سواء كانت المقروءة أو المرئية. وأشار إلى أن مهرجان الشارقة القرائي للطفل هو فرصة كبيرة لكل بلدان الوطن العربي، للتعرف على تجربة الشارقة الفريدة في دعم الثقافة العربية بشكل عام، وثقافة الطفل العربي بشكل خاص، مؤكدا أن المهرجان يفتح سوقا جديدة لأدب الطفل العربي في المنطقة، واهتمام الشيخ الدكتور قاسم سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة بالطفل بشكل خاص، والثقافة بشكل عام، أعطى ميزة كبيرة للشارقة جعلتها منارة الثقافة في الوطن العربي. وطالب الكاتب البحريني حمد الشهابي كل المسؤولين في الوطن العربي بالتعرف بشكل جيد على تجربة الشارقة الثقافية التي جعلتها متفردة في الشرق الأوسط ، وتحمل إشعاع النور الثقافي إلى منطقة بأكملها، وتصبح هي المرجع الأول لنا في المنطقة .