صوّت مجلس الشيوخ البرازيلى بأغلبية 55 صوتا مقابل 22 أمس الخميس بإقالة الرئيسة ديلما روسيف البالغة من العمر 68 عاما، ووقفها عن العمل لمدة 6 أشهر لمساءلتها ووضعها تحت المحاكمة، والتحقيق معها حول قضايا فساد وإهمال فى تأدية واجبها كقائدة للبلاد. وكانت شبكة «بلومبرج» الاقتصادية العالمية توقعت فى ديسمبر الماضى إقالة الرئيسة البرازيلية، مضيفة أن ذلك الإجراء سوف يطلق العنان لموجة من الغضب الذى يدفع البلاد للمزيد من الاحتجاجات الشعبية التى تتحول إلى أعمال عنف بعد أن كانت تعد قوة اقتصادية صاعدة بداية الألفية الثانية. وتعد روسيف أول رئيسة أنثى للبرازيل وصلت للسلطة فى 2010، وتم توجيه تهم لها منها الشلل السياسى والمخالفات المالية، والتلاعب فى حسابات الحكومة. وتراجعت الشعبية بسبب الركود الاقتصادي، وفضيحة الفساد لشركة النفط بتروبراس المملوكة للدولة المتورط فى القضية سياسيون ومساعدون مقربون لروسيف، فضلا عن فيروس زيكا. ولم تشهد البرازيل احتجاجات سياسية عارمة فى العقدين الأخيرين لذلك كانت صدمة أصابت الكثير من المراقبين فى العام 2013 أى بعد تولى روسيف السلطة بثلاث سنوات، وخرج الآلاف من الشعب البرازيلى إلى الشوارع للتعبير عن اعتراضهم ورفضهم لفساد الحكومة المنتخبة وهذا ما جعل وسائل الإعلام وقتها تشبه الاحتجاجات البرازيلية بالربيع العربى والذى اندلع قبل 3 أعوام وكانت مواقع التواصل الاجتماعية مثل «الفيسبوك» وغيرها الأداة الرئيسية المستخدمة لتنسيق تلك الاحتجاجات. وخرج أكثر من 800 ألف برازيلى إلى شوارع المدن الرئيسية فى جميع أنحاء البرازيل وكانت البلاد تشهد تدهورا شديدا فى التعليم والصحة وخدمات النقل فى معظم أنحاء البلاد بالإضافة إلى انتشار الفساد على جميع مستويات المؤسسات الحكومية وكان رد فعل الشرطة عنيفا تجاه المظاهرات بسبب ارتفاع أسعار تذاكر وسائل المواصلات العامة ورأى المحلل الأمريكى الشهير توماس فريدمان حينها أن المناهضين للنظام فى البرازيل وبرغم أن الحكومة جاءت عبر الصندوق وبالانتخاب، إلا أن لديهم شعورا قويا بالسرقة حيث يرى الشعب البرازيلى أن الجهة التى انتخبوها تسرق منهم شيئا أكثر قيمة من المال ألا وهو صوتهم وحقهم فى المشاركة فى الحكم. ولجأ المحتجون إلى المسيرات والتظاهرات فى الشوارع من أجل التعبير عن رفضهم للحكومة وذلك لأن أحزاب المعارضة ما زالت غير قادرة على نقل أصوات جموع الشعب التى سئمت سوء الخدمات العامة والفساد، والتى تشعر بالإحباط على نحو متزايد بسبب الأحداث الأخيرة وتعتبر إساءة استعمال السلطة والإفلات من العقاب من السياسيين الفاسدين، فضلا عن تبديد مبالغ باهظة تصب فى بناء الملاعب وبطولات كأس القارات فى البرازيل. وتعرض وقتها الآلاف من المتظاهرين أثناء ممارستهم لحقهم فى حرية التعبير، والمطالبة بحقوقهم لوحشية الشرطة والتى قامت بدفعهم على نطاق واسع باستخدام القوة المفرطة برغم خروج المواطنين هناك رافعين لافتات تعبر عن مطالبهم والتى غالبا ما تأخذ شكلا من أشكال الفكاهة والسخرية وفقا للطريقة البرازيلية وهجاء رموز السياسة الفاسدين، لدرجة أن صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية قالت إن استجابة الحكومة البرازيلية تشبه إلى حد ما استجابات الحكومات العربية، مضيفة أن رد الشرطة البرازيلية كان متشابها أيضا برد فعل الشرطة فى دول الربيع العربى التى ما زالت تناضل للانتقال إلى الديمقراطية من حيث استخدامهم لوسائل القوة المميتة من الهراوات والغاز المسيل للدموع لتفريق الاحتجاجات المتنامية والرصاص المطاطي. إقالة الرئيسة ديلما روسيف الرئيسة السادسة والثلاثون للبرازيل والملقبة بالمرأة الحديدية، وهى كانت من ضمن أخر خمسة رؤساء منتخبين مباشرة منذ نهاية الديكتاتورية العسكرية فى عام 1985، وهى ابنة المهاجر البلغارى بيدرو روسيف المحامى والتى ولدت فى 14 ديسمبر 1947 مدينة بيلو هوريزونتى البرازيلية. بدأت حياتها السياسية مناضلة ضد سياسة القمع التى انتهجها الحكم الاستبدادى فى الستينيات، والتى دخلت بسببه السجن فى يناير 1970 فى ساو باولو وحكم عليها بست سنوات وتعرضت للتعذيب وخاصة بالصعق الكهربي، إلا أنها تم الإفراج عنها فى نهاية 1972، وقامت بالمشاركة فى تأسيس الحزب الديمقراطى العمالى اليسارى عام 1980 وكان يرأسه ليونيل بريزولا فى ذلك الوقت، وبعد ذلك التحقت بحزب العمال فى 1986، ودرست الاقتصاد وهى عضوة به، وروسيف مطلقة مرتين وأم لابنة واحدة تدعى باولا وأصبحت جدة وكانت تعانى من مرض السرطان ولكنها تغلبت عليه وتم علاجها. فى عام 2002 عينها لولا دى سيلفا وزيرة للمناجم والطاقة فى حكومته واستمرت فى المنصب حتى عام 2005، ثم وزيرة لشئون الرئاسة من 2005 حتى 2010، وترأست فى ذلك الوقت مجلس إدارة شركة النفط المملوكة للدولة بتروبراس، ورغم أنها كانت مجهولة بالنسب للشعب البرازيلي، إلا أنها تقدمت للترشح فى الانتخابات الرئاسية، وفازت بالفعل بنسبة أصوات 58٪ مقابل مرشح الحزب الديمقراطى الاشتراكى جوزيه سيرا، وفى الأول من يناير 2011 تسلمت منصبها، وفى أول خطاب لها وعدت بإجراء إصلاح سياسى وتحسين الاقتصاد والخدمات العامة، وفازت فى جولة الإعادة بفترة رئاسية ثانية فى 2014 على منافسها إيسيو نيفيز، حيث حصلت على 51.18٪، والآن هى تقوم بإلقاء خطاب من القصر الرئاسى بعد إقالتها. الغريب أن البرازيليين يشعرون بكسر فى القلب بسبب إقالتها، ورغم أنهم مدركون أنها قامت بعمل جيد خلال حياتها من أجل الديمقراطية فى البرازيل إلا أنه تم التصويت ضدها، لأنها بالنسبة لهم هى الرئيسة التى أدخلت البلاد فى أزمة وأن البرازيل تحتاج إلى تغيير السياسة الاقتصادية لحكومة حزب العمال الذى احتفظ بالسلطة لمدة 13 عاما، وأدى وجوده إلى مشاكل الفساد، واعتقال العشرات من السياسيين من مختلف الأطياف. وكان من ضمن مؤيدى إقالة روسيف المهاجم السابق لمنتخب البرازيل روماريو، رغم أنه حذر من إقالتها أيضا لن يكون مثل عصا سحرية لرفع البرازيل من وحل الفساد والاقتصاد المنهار، فيما يرى البعض أنها كانت ضحية انقلاب من النخبة القديمة التى لم تتمكن من تقبل نتيجة الانتخابات الأخيرة وفوزها بفترة رئاسية ثانية، وتسببوا عمدا فى عدم الاستقرار للاستيلاء على السلطة. قضت روسيف يومها الأخير فى السلطة بعيدا عن أعين العامة، بدلا من روتينها المعتاد لها وركوب الدراجة فى الصباح، والذهاب فى نزهة على الأقدام. لبناني رئيسا للبرازيل استيقظ البرازيليون صباح أمس الخميس على الرئيس الجديد المؤقت ميشال تامر ذو الأصول اللبنانية والذى كان يعمل كنائب للرئيسة ديلما روسيف ولم يكن هو أول نائب من أصول لبنانية فقد سبقه خوسيه ماريا الكمين حيث يقدر مسئولون أن ما بين 7 و10 ملايين شخص فى البرازيل من أصول لبنانية. اسمه بالكامل ميشال ميجيل ألياس تامر لوليا من مواليد 23 سبتمبر 1940 هو المحامى والسياسى البرازيلي، الذى تولى منصبه كنائب رئيس البرازيل منذ يناير عام 2011. ولد فى مدينة تيتي، بولاية ساو باولو، تامر هو ابن مهاجرين لبنانيين من الموارنة عائلته ذات الأصول اللبنانية من منطقة الكورة، وتحديدا فى قرية بتعبورة فى شمال لبنان، غادروا لبنان فى العشرينيات من القرن الماضي، وهو حاصل على درجة البكالوريوس فى القانون من كلية الحقوق فى جامعة ساو باولو وعلى الدكتوراه من الجامعة البابوية الكاثوليكية فى ساو باولو، شغل منصب مدعى الدولة ودورتين كوزير الدولة للأمن العام، وهو أستاذ فى القانون الدستورى وقام بتأليف العديد من الكتب، تامر زار لبنان عدة مرات منذ توليه منصبه كنائب رئيس البرازيل فى 2011. ابتداء من عام 1987 تامر خدم ست فترات كعضو فى مجلس النواب البرازيلي، وفى ثلاث مناسبات خدم مدة عامين فى الفترة 1997-1998، 1999-2000 و 2009-2010، وكان تامر أيضا عضوا فى الجمعية الوطنية التأسيسية عام 1988 وأصبح رئيس الحزب الديمقراطى البرازيلى وهو أكبر حزب فى البرازيل. لديه خمسة أطفال، من بينهم ثلاثة من زوجته الأولى ماريا، وواحدة عن علاقة مع إحدى الصحفيات، وواحد من زوجته الحالية مارسيلا، التى تصغره بحوالى 42 عاما أصغر منه حيث تزوجها وهى فى سن ال17 عاما، وكان هو فى ال 60، وهى ملكة جمال سابقة تبلغ من العمر 32 ولديها وشم على رقبتها. الغريب أن قضايا الفساد طالته وكان تامر قيد التحقيق بتهمة تلقى أكثر من 1.5 مليون دولار من شركة النفط بتروبراس المملوكة للدولة ولكنه نفى تلك الاتهامات، والأغرب أنه شارك فى عامى 2015 و2016، فى الجدل حول إقالة ديلما روسيف وربما ساعد على ذلك أيضا حيث كان يرسل عدة شكاوى لمجلس الشيوخ ضدها، وفى وقت لاحق، فى إبريل المنقضي، تم تسريب تسجيل صوتى لتامر إلى وسائل الإعلام البرازيلية يتحدث عن عملية الإقالة بكل تأكيد وأنه الرئيس الجديد. التكهنات حول تسلمه منصب الرئيس بعد روسيف للفترة المتبقية من فترتها الثانية أى حتى 2018، وهو الآن يأخذ زمام أمة غارقة فى الاضطرابات الاقتصادية قبل أقل من 100 يوم على الألعاب الأوليمبية ال31، التى تنطلق فى أغسطس فى ريو دى جانيرو، وهو معروف كسياسى ملائم للأعمال التجارية، ويقول المراقبون إنه يمكن تحقيق عائد على المدى القصير وكسب ثقة المستثمرين، ومن المتوقع أن دور تامر الجديد يساهم فى جلب رد فعل السوق الإيجابية والعمل على خفض العجز المالى فى البلاد، وذلك بحسب ما قالته مونيكا دى بول المحللة الاقتصادية فى معهد بيترسون للاقتصاد الدولى فى واشنطن.