اضطراب الأوضاع الأمنية، فى مناطق كثيرة برفح وسيناء، دفع نحو 3 آلاف أسرة من سكان منطقة الشريط الحدودى للفرار غربًا باتجاه مدينة العريش، عاصمة شمال سيناء، أملًا فى النجاة من الحرب على الإرهاب المستعرة فى جنبات المنطقة منذ عدة سنوات. وتحول لقب أهالى المنطقة الحدودية من «سكان» إلى «نازحين»، بعد أن تركوا منازلهم وأراضيهم فى محاولة أخيرة للتمسك بالحياة، ليجدوا أنفسهم محاصرين أيضا بجحيم الفقر والجوع، وعدم اهتمام المسئولين بهم. «سالمة» تنظر صوب الشرق حيث الديار والمولد، فى انتظار قرار يعيدها إلى ديارها، حيث أشجار الخوخ والزيتون والمراعى بالشيخ زويد، الإرهاب الذى أطل على ديارهم بوجهه القبيح جعلها ترحل بعيدا فى صحراء غرب العريش لتعيش فى «عشة» ومعها أغنامها، فى ظل غياب حكومى مستفز لأحوالها. السيدة «سالمة» ذات الخمسة عقود، نازحة من جحيم الإرهاب بالشيخ زويد يستقر بها المآل إلى منطقة الروضة، بمركز بئر العبد فى انتظار كرتونة بها بعض المواد الغذائية من جمعيات المجتمع المدني، فى ظل غياب المحافظ والأجهزة التنفيذية. «أريد قبل أن أموت أن أعود لديارى بالشيخ زويد وأدفن فيها.. لقد تسبب الإرهاب الأسود فى ترحيلنا من ديارنا ونعيش حالة مأساوية لم نكن نتوقعها، فالحياة صعبة ونعيش يوما بيوم». وأضافت «سالمة» فى حديثها ل«البوابة»: «لقد نزحنا منذ عامين من منطقة الشيخ زويد بسبب الإرهاب والاشتباكات واستقر بنا الحال بمنطقة الروضة ببئر العبد، أعيش أنا وأطفالى فى عشة قمنا ببنائها بالجهود الذاتية ولم نر أى وجود للمحافظة، الجميع تجاهلنا باستثناء بعض الكراتين التى قامت قوات الجيش بتوزيعها علينا منذ عدة أشهر، ونعيش مأساة حقيقية بعيدا عن ديارنا، الأمر غاية فى الصعوبة ولم نتمكن من استئجار منزل بسبب ارتفاع أسعار الإيجارات، وليس لنا مصدر رزق، وندعو الله أن ينتهى الإرهاب ونعود إلى ديارنا بالشيخ زويد حيث مزارعنا ومراعينا». ويقول أبو سليمان من الشيخ زويد، وهو من النازحين إلى غرب العريش فرارا من الإرهاب الذى ألم بمناطقهم: «تركنا ديارنا ولم نتمكن من حمل «عفشنا» فقد أخذنا ما خف حمله، واضطررنا إلى استئجار منزل بسعر باهظ، ونعيش معاناة بسبب تركنا ديارنا ونتعرض إلى مضايقات من قبل الكمائن الأمنية بين الحين والآخر، فقط لأننا نحمل بطاقة من الشيخ زويد، حيث يتم توقيفنا لعدة أيام بقسم شرطة المنطقة، حيث يتم فحصنا ومن ثم الإفراج عنا، وحدث ذلك أكثر من مرة، ونناشد الأجهزة الأمنية أن يتم التعامل معنا بكرامة فنحن مهجرون بسبب الإرهاب الذى وصل إلى منطقتنا ولا ذنب لنا فى شيء». ويضيف: «لنا عامان ولم نر أى مسئول من المحافظة، فنحن مهمشون ونتعرض إلى مأساة حقيقية، بعد أن تعرضت منازلنا بالشيخ زويد إلى التدمير بسبب الاشتباكات بين قوات الأمن والعناصر الإرهابية». ويؤكد غانم أبوسعيد من رفح، أن الأوضاع المعيشية هناك صعبة جدا، قائلا: «تركنا كل ما نملك من بيوت ومزارع ولم نخرج إلا بملابسنا التى نرتديها، كم هو مؤلم عندما يكون المرء يملك كل شيء وفى لحظة يصبح بدون أى شيء». وتابع: «عند وصولنا من رفح إلى منطقة بئر العبد لم نجد مكانًا نسكن فيه، فاضطررنا إلى السكن بالعشش فى الصحراء فى ظل ظروف لا تطاق، من غياب تام لحكومتنا والتى لا تدرى شيئا عن معاناتنا وكأننا مواطنون من الدرجة الثالثة، حتى عيد تحرير شمال سيناء من الإرهاب هذا هو العيد الحقيقي، للأسف لا نجد الإعلام يهتم بنا إلا فى ذكرى تحرير سيناء، وباقى أيام العام تجاهل وتهميش وإقصاء، ولا يسمع أحد صراخنا ومعاناتنا لأننا لسنا على أجندة الحكومة». توجهنا بعدها إلى منطقة «الضبعة»، لنجدها فى حالة يرثى لها، لا كهرباء ولا مياه، ومحرومون من أى خدمات كما يقولون أن المحافظ اللواء عبدالفتاح حرحور وعدهم بتوفير الكهرباء والمياه منذ عام تقريبا، إلا أنه لم يفِ بوعده. ويقول أبو أحمد: «نحن النازحين نفتقد الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وإعانات عاجلة، ونعيش حياة صعبة للغاية، حيث يعيش الأهالى فى عشش بدون كهرباء والمياه يتم نقلها من مسافات بعيدة، وتقدمنا بشكاوى عديدة إلا أن المسئولين تجاهلوا أصواتنا وفقدنا الأمل فى الحكومة أن تقدم لنا أى خدمات، باستثناء بعض الجمعيات الخيرية التى تقدم بين الحين والآخر بعض المعونات للنازحين». ويقول أبو رمضان: «مشاهد النازحين من أبناء الشيخ زويد ورفح ستظل وصمة عار فى جبين المسئولين الذين يهربون من المسئولية، وليس فى نيتهم تقديم أى خدمات لنا، نحن نتعرض لكارثة حقيقية فى ظل تجاهل تام من المسئولين بالمحافظة، ألا يكفى ما تعرضنا له بسبب الإرهاب؟». ويقول سعيد سالم، إن الحكومة فاشلة والمسئولين فاقدو الضمير، فلم يتمكنوا من إدارة الأزمة ورعاية النازحين الذى تركوا ديارهم بسبب الإرهاب، واكتفوا بإرسال بعض المعونات التى تقدمها القوات المسلحة، وكان الأجدى بهم رعاية النازحين وتوفير مساكن ومناطق إيواء وخيام لهم، وحفظ كرامتهم بدلا من المعاناة التى يعانونها بخلاف المضايقات الأمنية، حيث يتم القبض على النازحين بالهوية فقط لأنهم من منطقة شرق سيناء. وانتقلنا للحديث مع أحمد غانم، وهو واحد من آلاف النازحين من الشيخ زويد ورفح، الذى اضطر لترك منزله بالشيخ زويد بعد عمليات اختطاف الإرهابيين لشباب القبائل. أحمد يروى مأساته مع النزوح قائلا: «لم يكن أمامى خيار سوى الفرار بعد ما رأيته من مشاهد بشعة قام بها تنظيم داعش بخطف وقطع رؤوس الشباب بالشيخ زويد ورفح، بخلاف أصوات الانفجارات التى تشهدها المنطقة وسقوط الدانات والقذائف على منازلنا، وبعد أن توسعت المعارك والاشتباكات لتصل إلى قرانا، سقطت قذيفة بالقرب من منزلى الكائن بقرية التومة، وأصبحنا ننتظر الموت طوال الوقت، فاضطررنا إلى الفرار من المنطقة، فلم نعد نستطيع الخروج من المنزل لجلب احتياجاتنا، وحينها قررت الترتيب للنزوح مع أفراد أسرتى بداية العام الماضي، وأعيش الآن بمنطقة بئر العبد غرب العاصمة العريش، وأسكن بعشة أنا وأولادى ولا نجد من يهتم بنا، وحالنا أصبح يرثى له فى ظل غياب تام للحكومة والمحافظة ومجلس المدينة». «إلى متى سنظل على هذا الحال؟»، يتساءل سليمان ويواصل قائلاً: «فقدت الأمل بتوقف هذه الحرب على الإرهاب الذى حول حياتنا إلى جحيم تشرد وضياع ومأساة، نريد توقف هذه الحرب والقضاء على الإرهاب، نتمنى أن نعود إلى ديارنا بالشيخ زويد وتعود الحياة إلى مناطقنا التى دُمر فيها كل شيء». الحاج سلمى أبوحرير، 90 عاما، من النازحين من قرية التومة مركز الشيخ زويد هربا من الإرهاب، وافته المنية بقرية الميدان غرب مدينة العريش، وكان يقيم فى عدد من العشش هو وأولاده وأحفاده، بعد أن قرر النزوح من قرية التومة التى ولد وترعرع بها، وقضى كل شبابه وشيخوخته على أرضها، وكان يتمنى دائما أن يدفن بها، بجوار ضريح والده، إلا أن الإرهاب الذى اتخذ من قرية التومة مقرا لقيادته رفض أن يحقق للحاج سلمى أمنيته، حيث تشهد التومة اشتباكات عنيفة بين الإرهابيين وقوات الجيش، وتتعرض القرية إلى قصف مستمر من الطيران مما أدى إلى رحيل جميع أبناء القرية إلى غرب العريش». ويقول مصطفى نجل الحاج سلمى، إن والده قبل الوفاة كان دائما يصر على الجلوس ونظره صوب قرية التومة مسقط رأسه، ودائما يحن إلى تلك الأرض التى ولد وترعرع بها، ودائما ما تمنى أن يدفن بجوار ضريح والده، إلا أن الأوضاع الأمنية بمنطقتنا غير آمنة، وبسبب وجود عناصر إرهابية لم نتمكن من نقله إلى قرية التومة وتم دفنه بمقابر مزار بمركز بئر العبد». وبمنطقة الروضة يعيش المئات من النازحين فى حالة يرثى لها، ومنهم سالمان الذى يروى مأساته قائلا: «لقد نزحنا من ديارنا بالشيخ زويد فرارا من الإرهاب، واستقررنا بمنطقة الميدان لعدة شهور، واضطررنا إلى النزوح مرة أخرى إلى قرية الروضة بعد أن تعرضنا إلى الاعتقال أكثر من مرة على يد قوات الأمن التى كانت تعتقل الشباب من أهالى النازحين مع كل انفجار عبوة ناسفة على الطريق الدولي». وتقول السيدة أم محمد: «ليس لى مصدر رزق بعد أن تم تجريف الزراعات بمنطقتنا، حيث كنت أعيش على جنى الزيتون ورعى الأغنام بمنطقتنا، بعد أن مات زوجى منذ 5 سنوات، وبعد وقوع الاشتباكات بين المسلحين وقوات الأمن عشنا أياما من الرعب بسبب الانفجارات وعمليات القصف من هنا وهناك، ومن أجل أطفالى الذين أصيبوا بالرعب والخوف اضطررت إلى النزوح للشيخ زويد، وكنت فى رعاية أحد الرجال الكرماء الذى استضافنى أنا وأطفالى قبل أن ينزح هو وأبناؤه إلى القاهرة، وتعرضنا إلى حالة هستيرية بسبب عمليات القصف الشديد وتواجد المسلحين بيننا، فاضطررت للنزوح إلى العريش». وتضيف: «حاولت البحث عن مأوى لى ولأطفالى بالمدينة، إلا أن جميع المنازل مؤجرة، والمتاح فوق طاقتي، حيث ارتفعت أسعار إيجار العقارات بشكل فظيع، وسرت فى الشوارع كالمجنونة بحثا عن مأوى، ولم أتمكن من لقاء المحافظ أو أى مسئول ليتم رعايتي، وكان حظى عظيما ووجدت رجلا كريما فتم توفير منزل وقدموا لى ما يلزمني، منزلى دُمِر ولم يتم تعويضي، ومن حقى على الدولة رعايتى وتوفير مكان مناسب لى».