أصدرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بيانًا بشأن منع الصلاة على جثامين عروسين كنيسة أتليدم وجاء نص البيان كالآتي: من المجلس الإكليريكي بإيبارشية المنيا وأبوقرقاص بخصوص الصلاة على المنتقلين في قرية إتليدم «يا تيموثاوُسُ، احفَظِ الوَديعَةَ، مُعرِضًا عن الكلامِ الباطِلِ الدَّنِسِ، ومُخالَفاتِ العِلمِ الكاذِبِ الِاسمِ» (1تي 6: 20) يعزّ علينا كثيرًا وفاة هذين الابنين وهما في مقتبل حياتهما الزوجية، ونتفّهم جيدًا مشاعر الذين تألموا لاعتذار الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عن الصلاة على أحدهما، ونحترم جميع الآراء، وما قيل في الإعلام، وما قيل على صفحات التواصل الاجتماعي، وما صدر من إهانات عن بعض المسئولين، ولهم منا كل الحب والتقدير، مهما كان ما قيل أو الطريقة التي قيل بها. والأمر له شقان: عقائدي وإنساني. أمّا من جهة العقيدة فالأب الكاهن سلك بحسب قانون الكنيسة، مع عرضه استعداده لتقديم شيء من المرونة على قدر المساحة المتاحة، فالكنيسة ملتزمة بالصلاة عن جميع الناس-مهما كان معتقدهم- ما داموا أحياء، ولكنها عند الوفاة تصلي لأجل المنتقل على إيمانها وعقيدتها، طالما أن الصلاة ستتم فيها! فالصلاة على المنتقلين تحوي داخلها كل عقيدة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والكنيسة تطلب من الله في ليتورجياتها: "ثبّتنا على الإيمان الأرثوذكسي إلى النفس الأخير"، كما أن الكاهن التزم يوم سيامته كاهنًا بأن يثبت على الإيمان الأرثوذكسي إلى النفس الأخير، وخلال الصلاة على المنتقل نقول: "عبيدك المسيحيين الأرثوذكسيين". والشخص يُعمّد في الكنيسة، ويمارس فيها الأسرار، ويتلقّى التعليم، ويتزوج فيها ويعمد أولاده وهكذا، ومتى توفي يُصلّى عليه فيها، فالإيمان والعقيدة لا يتجزّءان. والمتوفي هنا اختار أثناء حياته كنيسة أخرى هي الكنيسة الرسولية، فعاش فيها وتزوج فيها، ومن الطبيعي بالتالي أن يُصلّى عليه فيها. وإذا احتج البعض بأن الكنيسة الرسولية صغيرة، فكيف تزوج بها ولم يطلب أن يتزوج بالتالي في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أم أن الأمر في الزواج عقيدة وفي الوفاة إنساني؟! الزواج عقيدة، والصلاة على الأموات عقيدة أيضًا. كما أن الكنيسة الرسولية ليست بعيدة عن المشيّعين، فهي تقع على بعد أمتار من الكنيسة القبطية في نفس القرية، وإذا كان القسيس في إجازة هناك دائمًا من يحل محله في مثل تلك الظروف، من ناحية أخرى فإن الزوجة المتوفية قام أهلها بالصلاة عليها في الكنيسة الرسولية في بلدتها شوشة التابعة لمركز سمالوط، دون أيّة ضجّة أو مشكلة. وكما يحدث دائمًا ودون متاجرة بالحدث، أن يُصلّى على كل شخص في الكنيسة أو المعبد الذي ينتمي إليه. إن إخوتنا البروتستانت لا يؤمنون بجدوى الصلاة على الراقدين، ويهاجمون الكنيسة فيها، وهم يرفضون تعليم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ويالتالي فكيف يهاجمونها لأنها لم تصلِّ على شخص رسولي توفي وهو يتبعهم في معتقده؟ إن لفي هذا تناقضًا واضحًا. وصلاة الجناز تحتوي على كل عقيدة الكنيسة، سواء قانون الإيمان، وما يفيد أن المنتقل أرثوذكسي، كما أن الأب الكاهن يصلي صلاة التحليل والبروتستانت لا يؤمنون بذلك، وفيها رفع بخور وهم يهاجمون البخور، وفي الصلوات الأخيرة في التجنيز يقول الكاهن: "وثبتنا كلنا على الإيمان الارثوذكسي"! كما أن الشخص الذي يقوم بالصلاة هو كاهن قبطي وهم يرفضون الكهنوت أساسًا! كما أن الصلاة على الراقدين ليست لتعزية الأسرة والشعب ووعظهم فقط وإنما تشارك الأعضاء جميعًا، فالذين انتقلوا نطلب لهم راحة ونياحًا ونطلب من الله أن يغفر لهم ما فعلوه من هفوات وجهالات، مثلما طلب القديس بولس الصلاة لأجل أنيسفورس وبيته ليعطه الرب راحة (2تي 1: 16). هذا الشخص- والذي آلمنا خبر انتقاله- كانت كنيسته وهو حي وحتى قبيل انتقاله بيوم واحد: هي الكنيسة الرسولية، والآن وهو متوفي نُدخله رغمًا عنه في كنيسة كان قد رفضها! أم أن الأمر يخص عائلته وليس هو، وإذا كان الأمر كذلك فأين كانت عائلته وهو مصرٌّ على الزواج في كنيسة أخرى؟ إن الكنيسة لا تزوِّج إلّا من كان مُعمدًا فيها وله أب اعتراف وتناوله من الافخارستيا، وتحذّر كل من سيتزوج خارجها بأنه لن يستطيع الخدمة فيها أو التناول لا هو ولا زوجته؛ فإن سر الزيجة المقدس "والذي يحل فيه الروح القدس ليوحّد الإثنين معًا" يتم داخل الكنيسة أيضًا. أمّا من جهة البعد الإنساني، فقد عرض الأب الكاهن على أسرة المتوفي حلًا وسطًا يرضيهم وفي الوقت ذاته لا يخالف به القوانين الكنسية، ولكنهم رفضوا، كما عرض عليهم استقبال العزاء في قاعة الكنيسة القبطية ولكنهم رفضوا ذلك ايضًا، ومع هذا قام الآباء الكهنة بتقديم واجب العزاء لأسرة المتوفي، وستظل رعايتهم لهم جميعًا في جميع نواحي حياتهم أمرًا لا مزايدة عليه، كما أن أسرة المتوفي تربطها علاقة طيبة ومتينة بالآباء الكهنة هناك. أمّا الحديث عن المحبة والتسامح فهو لا يتعارض مع الإيمان، فالمسيح وهو المحبة ذاتها لم يتفاوض في الإيمان والعقيدة، بل شرحها في أحاديث طويلة في أكثر من موضع، وطرد الباعة من الهيكل عندما أساءوا إليه، وانتهر اليهود مرارًا، ولم يتراجع بعدما تركه كثيرون رافضين فكرة الإفخارستيا. والقديس يوحنا الحبيب- وهو أكثر من تكلم من الرسل عن المحبة- طلب عدم التفريط في العقيدة، ولولا محافظة الكنيسة على إيمانها وعدم تفريطها فيه لانقرضت منذ زمن بعيد. إذًا فالمشكلة تتلخص في الاعتذار عن القيام بشعائر أرثوذكسية ومن خلال الكاهن الأرثوذكسي، وبخلاف ذلك لا توجد مشكلة في استخدام المكان، وليصلِّ فيه القسيس الرسولي، إن أراد ولم يكن هناك من بديل. إن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هي الكنيسة التي لم تحد عن الإيمان القويم، منذ جاء إليها القديس مار مرقس في القرن الأول وحتى الآن، ومع ذلك فنحن لا نسفّه آراء الآخرين بل نحترم الكل فيما يذهبون إليه، إنما فقط نتمسك بعقيدتنا وندافع عنها ونشرحها، مسامحين كل من يتطاول علينا أو يسيء إلينا باسم التسامح والمرونة والحب، وإن كان هناك كثيرين ممن أساءوا لا تهمهم في الحقيقة لا الكنائس ولا المتوفي نفسه! ولو كانت الإساءة والتطاول يمكنها أن تجعل الكنيسة تتخلّى عن إيمانها أو تتفاوض فيه، لحدث ذلك منذ قرون حين كان السجن والنفي والقتل «كُنْ أمينًا إلَى الموتِ فسأُعطيكَ إكليلَ الحياةِ» (رؤ2: 10).