بعد طول انتظار طرحت الديفا، سميرة سعيد، ألبومها المنتظر «عايزة أعيش» بعد غياب 7 سنوات عن سوق الكاسيت، بالطبع حاز الألبوم اهتماما كبيرا من الجمهور المتعطش لصوتها، فاستمعوا للألبوم لإيجاد سبب وراء غياب نجمتهم المفضلة، وكانت السنوات السبع التى غابت فيها الديفا قد أثمرت العديد من الأنماط الموسيقية المختلفة التى جعلتها تعيد النظر فى اختياراتها مرارا وتكرارا، حتى تكون عودتها فى ثوب جديد يتناسب مع أذواق الجمهور ولتنال رضا أغلبيتهم، وقد كان. سميرة سعيد لم تكن رقما بين الكثير من النجمات فى جيلها أو الجيل الذى ظهر على الساحة بعدها، وتصدر الساحة الغنائية بأعماله، خاصة أن للديفا استايل مختلفا سواء فى الغناء أو الموضوعات التى تختارها وأيضا الموسيقى المتميزة التى تنفرد بها عن غيرها، وتأكيدا على ذلك استطاعت فى ألبومها الجديد والمكون من 12 أغنية أن تطل على جمهورها كامرأة بثلاثة وجوه.. فنجدها عاشقة تارة ومتمردة كعادتها تارة أخرى وتطل بوجه أكثر شقاوة وشبابية بمحاكاتها موسيقى الأندرجروند لتصل لجمهور جديد من الشباب وهذا قمة الذكاء الفني. ولعل مدرسة التمرد على الرجل التى كانت هى رائدة فيها لأكثر من عشرين عاما، كانت الأكثر تميزا فى أغنياتها، فنجد أغنية «محصلش حاجة» كانت بمثابة الثورة الحقيقية فى الألبوم ونجحت فى تحقيق أعلى نسب المشاهدة والاستماع وهى من كلمات شادى نور وألحان بلال سرور وتوزيع هانى ربيع. أول ما يلفت النظر فى هذه الأغنية هو كلماتها والتى صاغها شادى بجرأة تتناسب مع شخصية الديفا، وكانت هناك كيمياء واضحة بينها وبين اللحن الذى قدمه بلال وكأنه يعلن ثورة على النوتة الموسيقية فنجد الأغنية صاخبة مليئة بالتمرد فى بدايتها ثم تميل إلى الهدوء فى الإيقاع ليتناسب مع كلمات الكوبليه الذى تعبر فيه سميرة عن المرأة التى قد يدفعها الحنين لإعادة النظر فى علاقتها بحبيبها، ثم تتذكر ما فعله فتنتفض مرة أخرى وتغنى بصخب أقرب إلى الجنون من جديد. وتستمر الديفا فى مدرسة التمرد فى ألبومها بأغنية «إنسانة مسئولة» وهى من أغرب الأغنيات فى الألبوم فكلماتها تعبر عن حالة انتفاض كاملة على المواضيع المستهلكة والجمل المكررة، وذكرتنى الأغنية التى كتبها نصر الدين ناجي، ووضع لها اللحن شريف قطة بأغنية «بره منى» والتى قدمتها من قبل المطربة الشابة فيروز كراوية من حيث الفكرة مع اختلاف التناول فحاولت سميرة أن تقترب من نوعية الموسيقى المستقلة وأغنيات الاندرجروند بغناء هذه الأغنية، ولتثور على فرضية أن المرأة مواطن من الدرجة الثانية كل ما تفعله هو أن تعيش فى طيات الرجل وتختبئ فى ظله. ولم تقف جرأتها عند حد الكلمات ولكن أيضا فى الموسيقى غريبة الأطوار التى تلاءمت مع مضمون الكلام المختلف والذى نجده مناسبا أكثر وتعبيرا للسان حال الفتيات فى سن المراهقة، واللاتى ممكن أن نجد فى كلامهن «أنا مش قطة حتحبسها.. مش خزنة تحرسها». وهو الأمر ذاته الذى ينطبق على أغنية «عايزة أعيش» من كلمات وألحان محمود العسيلى والتى اختارتها عنوانا للألبوم لتعبر عن مرحلة جديدة فى حياتها وتقترب بكلماتها من جيل عريض يحاول أن ينتفض على الروتين والهموم. أما أغنية «معنديش وقت» فنجد سميرة وهى القوية الجريئة التى لا يمكن إخضاعها ولا تبالى بحبها وتعتبره مضيعة للوقت، وإن كانت قد لقنت الحبيب درسا فى الاحترام بغنائها «ولو شفتك أنا اسلم عليك عادى ما هو اللى بيحب لا بيكره ولا يعادى» فتشعر بأن هذه الأغنية قد خلقت خصيصًا لصوت سميرة سعيد دون غيرها، وهى من كلمات أيمن عز ولحنها المبدع إيهاب عبدالواحد وأضاف لها نادر حمدى توزيعا راقيا يتناسب مع اللحن بشكل كبير. وأخيرا نجد أغنية «أيوه اتغيرت» تعبر فيها الديفا عن أقصى درجات التمرد المقترن بالحزن فتتحدث بلسان حال كل امرأة قست عليها الحياة وذاقت مرار الحب وعدم تقدير الحبيب، فقررت أن تعلن عن انقلابها على هذا الوضع غير الآدمى لها المهين لكرامتها كأنثى، من كلمات عصام حسني، ألحان شريف إسماعيل وتوزيع محمد مصطفى. وتأتى سميرة (العاشقة) بوجهين فى هذا الألبوم أولهما الرومانسى وتمثل فى أغنيات «أوقات كتير» كلمات بهاء الدين محمد، ألحان محمود العسيلى، و«حب» كلمات وألحان محمد رحيم، وكلاهما حمل معانى الحب باختلاف صوره، فالأول حمل موجات ناعمة من الحب العذرى وأعطت الأغنية الثانية جرعة كبيرة من التفاؤل والأمل فتبعث سلامًا فى نفس المستمع وتدخل لمشاعره ووجدانه بكلماتها البسيطة، وإن لم تغفل سميرة فى الأغنيتين أن المجتمع الشرقى لا يقبل بإعلان المرأة الحب على الملأ فاستدركت ذلك فى أدائها الذى جاء خجولا ناعما مليئا بالاحساس المطعّم بالشرقية فيشعرك وكأنك فى عالم افتراضى خيالى تتواصل معه من خلال دفء صوتها، وهو الذى وصل لذروته فى أغنيتى «ما أضمنش نفسى» كلمات نادر عبدالله، ألحان وليد سعد، و«احتمال وارد» كلمات وألحان نادر عبدالله فعادت الديفا للغناء الكلاسيكى الذى أحبها به الجمهور كما فى أغنيات «قوينى بيك»، قابلتك ليه، بعد الرحيل»، أما الوجه الثانى فكان لفتاة عشرينية مفعمة بروح الشقاوة والعنفوان فى أغنيات «هوا هوا»، «يا لطيف» وكلتاهما من كلمات شادى نور وألحان بلال سرور وتوزيع هانى يعقوب. الأغنيتان قدمتا طفرة فى الموسيقى بعمل مزج بين المقسوم الشرقى والإيقاعات الغربية وجاء صوت سميرة أكثر أنوثة ودلالا، وإنه يحق لى أن أقول إن عذوبة صوتها حملت أمواجا من الدلع الراقى لفتاة صغيرة وقعت فى الحب.. ويبدو أن الأغنية الشعبية - كما يسمونها- نمط غنائى ليس بجديد على سميرة حيث قدمته فى أغنيات «بالسلامة، دى تخدك، هو طيب معاكى، قوام كده» وغيرها ولكن جرأتها فى تقديمها لا يمكن إغفالها طوال مسيرتها الفنية، بالإضافة إلى أن كلمات الأغنيتين اعتمدت على المفردات الجديدة تارة مثل «عليك طريقة بتستحوزنى فى الحقيقة، صوتك فى ودانى وبيرن يا لطيف يا لطيف، سهرانة بفكر على جنب وبنام تخاطيف»، والسهل الممتنع تارة أخرى مثل «الله الله إيه الجمال ده الحياة احلوت من امتى، دنا جوه البحر وبتشد وضرورى اروح وأحكى لحد».. وفى كل الأحوال تجد روح الفكاهة تسيطر على الأغنية وتعطيها مكانة مختلفة بين أغنيات الألبوم. ونتوقف قليلا عند أغنية «جرالك إيه» كلمات أشرف أمين، ألحان محمد عرام، فهذه الأغنية تعتبر من أصعب الأغنيات فى الألبوم وتحتاج لأن تعيدها مرارا وتكرارا لعمق مضمون الأغنية ولا أعرف كيف استطاعت الديفا أن تختار مثل هذا الموضوع وتضعه فى قالب موسيقى لتغنيه بالرغم من أن الأغنية تبعث رسالة استعادة الأمل فى الحياة والمثابرة والتصدى لضغوط الحياة.. إذا كنت تعرف معنى أفلام المهرجانات فستعرف جيدا ما تمثله هذه الأغنية من رسالة واضحة المعالم للتفاؤل المقترن بالموسيقى الصاخبة الأقرب لموسيقى الروك، وغناء سميرة من طبقة معينة تجعلها أكثر قوة ولمعانا فى جملة «نفسى نشوف الدنيا تانى بلون جديد.. حنلاقى آخر حلمنا جى من بعيد».. سميرة سعيد كانت دائما وستظل نجمة لا يخفت بريقها، ولكن يزداد عبر السنين.. ستظل امرأة عاشقة متمردة ومختلفة بألف وجه.