شهدت مكتبة الإسكندرية يومي 6 و7 نوفمبر 2015 القمة العالمية الرابعة للكتاب، بمشاركة عدد من الشخصيات الدولية البارزة، والمتحدثين المتميزين، والمثقفين، والأكاديميين، والمهنيين في مجال الكتاب، والمكتبات، والثقافة، والنشر، والتكنولوجيا. تناولت القمة موضوعات التكنولوجيا والمخطوطات، الكتب والتبادل الثقافي، الكتاب الإلكتروني في مقابل الكتاب المطبوع، وأزمة الكتاب في الدول النامية. وشهدت القمة أيضًا احتفال مكتبة الإسكندرية بإطلاق الطبعة العربية الكاملة من مارك 21، إضافة إلى الاحتفال بإهداء المكتبة الوطنية بسنغافورة، وبمرور خمسين عامًا على افتتاحها. افتتح القمة حلمي النمنم؛ وزير الثقافة، والدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية، والسيدة جنيفر نيكلسون؛ أمين عام الاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات، الإفلا IFLA، والدكتور خالد الحلبي؛ رئيس الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات، أعلم AFLI، والسيد جون تسيبي؛ رئيس الاتحاد الإفريقي لجمعيات المكتبات والمعلومات الأفليا AfLIA، والدكتور رؤوف عبد الحفيظ هلال؛ رئيس الإدارة المركزية لدار الكتب المصرية، مصر. وأعرب النمنم عن فخره وسعادته لقيام مكتبة الإسكندرية باستضافة هذا الحدث العالمي الذي بدأ بفكرة رائدة من مكتبة الكونجرس عام 2012 والذي يتناول هذا العام أهم القضايا المتعلقة بالكتاب والقراءة، وكيف تطورت بشكل سريع في هذا العصر الذي يتسم بالتكنولوجيا الرقمية الحديثة. وشدد النمنم على أهمية الكتاب، مبينًا أنه ليس مجرد مادة ورقية، لكنه يمثل المعرفة والمعلومة والفكرة والخيال والحياة والحضارة والتقدم والإنسانية. ولفت إلى أن الكتاب يواجه مشكلة كبرى في مصر والعالم العربي، وذلك بسبب تدني مستويات القراءة، فهناك تقارير تشير إلى أن الإنسان المصري والعربي يقرأ لمدة 7 دقائق فقط في السنة. وقال إن القراءة ليست عادة مترسخة في العالم العربي، وذلك لأسباب عدة، أهمها أن جزء كبير من ثقافتنا ثقافة شفهية، فالقرآن الكريم على سبيل المثال تربطنا به علاقة سماع لا قراءة وتأمل، كما أن حجم الدراسات التي تناولته لا تتناسب مع أهميته باعتباره جزء كبير في الثقافة والحضارة الإسلامية. وفي كلمته، قال الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية: إن القمة العالمية للكتاب تُعقد لأول مرة في أفريقيا والعالم العربي، بعد أن أطلقتها مكتبة الكونجرس في عام 2012 لمناقشة الكتاب وكل ما يتعلق به من موضوعات، وعقدت في واشنطن وسنغافورة وباريس خلال الأعوام 2012، 2013، 2014 على التوالي. وفي كلمتها، هنأت السيدة جنيفر نيكلسون؛ أمين عام الاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات (الإفلا IFLA)، مكتبة الإسكندرية، على دورها الريادي في مجال إتاحة ونشر المعرفة في مصر والعالم. وقالت: إن الإفلام تسعى إلى تشجيع وتمكين المكتبات حول العالم في سعيها لإتاحة المعلومات والمعرفة والثقافة، ودعم الإبداع والابتكار، مبينة أنها تضم في عضويتها 1500 مكتبة ومؤسسة ثقافية من 150 دولة. وشددت على أهمية الكتاب الذي يعد ملاذ للقراءة والتعلم وتوثيق التراث الثقافي. ولفتت إلى أن المكتبات تواجه تحديات كبرى تتعلق بالشكل الذي تتيح المعرفة من خلاله، في ظل التطور التكنولوجي المتسارع. وأوضحت أن التكنولوجيا الحديثة ستوسع أفق إتاحة التكنولوجيا، كما سيغير التعليم الإلكتروني شكل التعليم في العالم كله. وأكدت على أهمية قيام المكتبات والمكتبيين والقائمين على التعليم بالتكيف مع الواقع الجديد لإتاحة المعرفة بصورة مبتكرة، وتحديث المصادر التعليمية المحلية، وحفظ ورقمنة التراث. وفي كلمته، أكد الدكتور خالد الحلبي؛ رئيس الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات (أعلم AFLI)، أن الكتاب لم يتأثر بالمشكلات والتحديات التي واجهته على مر العصور، بل خرج منها أقوى وأوسع انتشارًا، حتى وإن اختلفت ملامحه، فيظل الكتاب مصدر الإشعاع الثقافي الذي تستعين به الأمم والشعوب في إنتاج ونقل وتوزيع المعرفة. وقال: إن التاريخ يشهد أن العالم العربي قد اهتم بالكتاب والمكتبيين على مر العصور، وأن الكتاب سيظل مصدر العلم والحكمة، مؤكدًا أن الاحتفال الأكبر والأحق هو أن يحتفل العالم ليس بالكتاب كرمز لكن ما يعكسه على العقل والفكر الإنساني والحكمة التي ترفع من قدر الإنسان وتجمع الشعوب نحو السلام والإخاء. ولفت السيد جون تسيبي؛ رئيس الاتحاد الإفريقي لجمعيات المكتبات والمعلومات (الأفليا AfLIA)، إن الاتحاد يسعى إلى دعم المكتبات وتطوير خدمات إتاحة المعلومات في أفريقيا وفقًا لأجندة التنمية في أفريقيا وأهداف الأممالمتحدة للتنمية المستدامة والتي تدعم حق المعرفة كأحد حقوق الإنسان. ولفت إلى أن الاتحاد يمثل جميع الدول الأفريقية في المناطق الأفريقية الخمس من خلال رؤية فعالة لدعم وتمكين المكتبات ومجتمع المعرفة عن طريق بناء القدرات والكفاءات وعقد الشراكات والتعاون. وأكد أن رسالة الاتحاد تتمثل في أن الكتب والتكنولوجيا يتحدان معًا لإتاحة المعلومات والمعرفة في كل أشكالها وصورها. من جانبه، تحدث الدكتور رؤوف عبد الحفيظ هلال؛ رئيس الإدارة المركزية لدار الكتب المصرية، عن دور دار الكتب المصرية في الحفاظ على الهوية المصرية والحضارة الإنسانية، حيث يودع بها 22 ألف كتاب سنويًا. وفي جلسة بعنوان "التكنولوجيا والمخطوطات"، تناول الدكتور جون فان أودينارين؛ مدير المكتبة الرقمية العالمية WDL، تطورات وتحديثات المكتبة الرقمية العالمية، والتي تتيح على الإنترنت مجانًا مواد أساسية مهمة من دول وثقافات عديدة حول العالم. وتساهم مكتبة الإسكندرية مساهمة فعالة في مشروع المكتبة الرقمية العالمية، باعتبارها أحد الأعضاء المؤسسين لها؛ حيث تعد من أهم مزودي الخدمات التقنية للمشروع، إضافة إلى إثرائها لمحتوى المكتبة الرقمية. وقال إن المكتبة تضم حاليًا 12.465 مادة، تم جمعها من 128 مؤسسة من 57 دولة، وقد تصفحها ستة ملايين زائر حول العالم العام الماضي، مبينًا أن المكتبة الرقمية تهدف إلى رقمنة المواد التراثية وإتاحة إرث وإنجازات الشعوب بصورة رقمية مجانًا على الإنترنت. وتحدث السيد مايكل فيلبس – المدير التنفيذي للمكتبة الإلكترونية للمخطوطات القديمة، الولاياتالمتحدةالأمريكية، عن التطبيقات الفنية للتصوير الطيفي لمخطوطات من القرن الرابع حتى القرن التاسع عشر، كما تناولت السيدة ميلاني جاو؛ زميل باحث في مختبر رؤية للكمبيوتر CVL، جامعة فيينا التقنية، النمسا، البحث في المخطوطات القديمة استنادًا على التصوير متعدد الأطياف. وبدأت فعاليات اليوم الختامي للمؤتمر بجلسة بعنوان "الكتاب والتبادل الثقافي" برئاسة د. سهير الشامي؛ أستاذ بقسم اللغة الفرنسية، كلية الآداب، جامعة الإسكندرية، وتناولت الجلسة في مجملها دور الترجمة في بناء الدولة القومية في مصر الحديثة منذ القرن التاسع عشر، وعن عدم إمكانية إيقاف التقدم الثقافي والعلمي، وتحدث فيها أيضًا الدكتور أحمد يوسف ؛كاتب وعضو المجمع العلمي المصري، عن شخصية الشيخ المسيري السكندري في مراسلات بونابرت في مصر، موضحًا أنه اكتشف هذا الموضوع بالصدفة عندما كان يعمل على رسائل نابليون بونابرت. وأشار إلى أن عائلة الشيخ المسيري ترجع أصلها إلى القرن السادس عشر بمحافظة البحيرة، وتوجد أيضًا في تونس والمغرب، وكان تخصصها هو التجارة مع الأجانب، وأن الشيخ المسيري؛ عالم الأزهر كان يعيش في منزل صغير وهو موجود حتى الآن في شارع "وكالة الليمون". وأوضح أن نابليون بونابرت كان يود أن يضع شيخ أو إمام لديوان علماء الإسكندرية، وكان كل شيوخ الأزهر اقترحوا عليه أن يذهب هو إلى الإسكندرية ويرأس الديوان بنفسه حتى استقبل خطاب كليبير عن شخصية المسيري وعن علمه وشجاعته؛ فقرر أن يعين الشيخ المسيري رئيسًا لديوان علماء الإسكندرية. وأكد "يوسف" أن المشكلة التي كانت بين الشيخ المسيري ونابليون بونابرت تكمن في أن المسيري كان ينتمي إلى عائلة تهتم بالتجارة والتعامل مع الإنجليز، وأن نابليون بونابرت قد أمر كليبير مراقبة الشيخ المسيري، وأن الشيخ المسيري وضح لنابليون بونابرت أهمية التبادل التجاري والثقافي مع الأجانب والإنجليز، وأن الإسلام لا يمكن أن يكون وسطيًا ومعتدلًا إلا من خلال التعامل مع أوربا من خلال التبادل التجاري والثقافي. وناقشت الجلسة الثانية التي جاءت بعنوان "الكتاب الإلكتروني أم الكتاب المطبوع"، فهم خصائص الكتاب الإلكتروني التفاعلي، وتغيّر واجهات القراءة، وتحدثت فيها أيضًا الدكتورة إيلينا ريليان – الجامعة الأوربية، عن الاعتبارات النفسية والتربوية في استخدام الكتاب الرقمي وتطوره، مشيرة إلى أن العولمة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات قامت بإدخال تغييرات في التعليم أدت إلى استخدام مبادئ مختلفة عن الماضي في مناهج التعليم، وأن كثير من الطلبة في المدارس يدرسون عن طريق التكنولوجيا، ولذلك لابد من دعم مبادرات التعليم بالطريقة الرقمية. وأكدت "ريليان" أنه يجب التدريب على التعليم بالطريقة الرقمية منذ الطفولة، وتدريب المدرسين على كيفية استخدام الكتب الرقمية؛ حيث أن الكتب الرقمية لابد أن يحدث تفاعل بينها وبين القارئ من خلال التصميم، والاعتماد على أفضل الممارسات في وضع المناهج، وأيضًا التقدم في استخدامات وتطوير الكتب الرقمية. وأشارت إلى أن أحد المشاكل التي تواجه الكتاب الرقمي هي الكتاب المتعدد الأنماط؛ فهناك الكثير من المصطلحات التي تسبب الالتباس بالنسبة للكتب الإلكترونية يجب إزالتها. وأوضحت "ريليان" أن الكتب الرقمية هي عبارة عن خليط من كتب المراجع وكتب الحالات وكتب التمرين وكتب إعطاء الإرشادات والتي تتضمن أنماط متعددة. وأوصت "ريليان" في نهاية حديثها بتطوير موجة جديدة من الكتب الدراسية؛ لتأخذ الطابع الرقمي مع الوضع في الاعتبار تدريب الطلاب عليه منذ الطفولة لكي يستطيعوا استخدامه في جميع المراحل التعليمية، وكذلك تدريب المدرسين عليه، وأنه يجب الاهتمام ببعض المبادئ التي تتعلق بتصميم الكتب، والمردود للمحتوى، ويجب أيضًا أن نأخذ الناحية الإدراكية لهذه النظم في العملية التعليمية. جدير بالذكر أن "القمة العالمية للكتاب" تعد من المبادرات المهمة التي أطلقتها مكتبة الكونجرس وبرعاية من اليونسكو؛ للتأكيد على أهمية الكتاب والمكتبة في الحفاظ على الهويات الثقافية الوطنية، والحضارة الإنسانية.