لم تكن حياة الكاتب الصحفي جمال الغيطاني مشوارا عاديا بل قصة كفاح امتدت سنوات طويلة استطاع فيها أن ينتقل من مجرد عامل نسيج إلى صاحب رصيد إبداعي، وضعه في الصفوف الأولى من كتاب الرواية العربية بشكل عام والمصرية بشكل خاص، حيث كان دؤوبا ومثابرا وعنيدًا وعاشقا للتراث بكل أشكاله محبا للأصالة في كل صورها. عانى الغيطاني مؤخرًا من أزمة صحية أودت بحياته، إلا أنه خرج منها منتصرًا، بعد أن صارع اختفاء الذاكرة، وغياب الوعي، ورفض المقايضة بين أن يحيى ناسيًا رصيده الإبداعي أو أن يموت، فآثر أن يفقد حياته بدلا من أن تختفي ذاكرته، فذهب بها إلى العالم الآخر وكانت هذه هي معركته الأخيرة، والتي انتصر فيها على عبث الحياة والمرض، تاركًا لنا رصيدًا إبداعي. هذه الأزمة الصحية لم تكن الأولى في مشوار حياته فقد عاش من قبل تجارب صحية قاسية وعنيفة وأجرى جراحة خطيرة في القلب المفتوح في مستشفى كليفلاند بأمريكا، ولكنه تجاوزها وصوَّر لنا معاناته في أيقونة ضمن رصيده الإبداعي بعنوان "يوميات القلب المفتوح". حياة الراحل الكبير جمال الغيطاني تشمل الوجهين الأبيض والأسود، فلا أحد يستطيع أن ينكر أياديه البيضاء على العديد من الكتاب الشباب خاصة من كانوا في بداية حياتهم، ومن تتلمذو على يديه في أخبار الأدب، ولكن من ناحية أخرى فقد أدخلته الصحافة في معارك عديدة، فهو المثال الحي للروائي الذي أخذته الصحافة إلى صفحات معاركها. معركة فاروق حسني ومن أهم معاركه الثقافية هي التي خاضها ضد فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق، والتي خاضها على أسس موضوعية، بسبب هجومه على جوائز الدولة التقديرية لأنها لم تصل إلى كتّاب بقامة صنع الله إبراهيم ومحمد البساطي وعبدالحكيم قاسم، حتى أن الجائزة تأخرت عنه شخصيًا نحو عشرين عامًا، وفسر ذلك بسبب مواقفه من السياسة الثقافية، وكان الغيطاني يرى أن سياسة الوزير أهملت الكثير من أوعية ومفردات العمل الثقافي، على رغم أمور إيجابية تحققت في "المشروع القومى للترجمة" ومشروع "القراءة للجميع". وجاءت كلمات الغيطاني مثل طلقات الرصاص ضد الوزير الأسبق حيث كتب في عموده الخاص "نقطة عبور" الذي كان على صفحات جريدته المتخصصة أخبار الأدب: "إن عصر تولي فاروق حسني للثقافة لا يقل خطرا على مصر من نكسة 1967". تلك كانت كلمات الكاتب الكبير جمال الغيطاني وهو يقارن بين مجيء فاروق حسني لوزارة الثقافة وبين نكسة 67، حيث انتكست الأوضاع الثقافية بمصر منذ توليه، الأمر الذي – بحسب الغيطاني- أتاح الفرصة للتيارات الظلامية لتنتشر بالشوارع. منذ ما يزيد عن خمسة عشر عاما قضاها جمال الغيطاني في حرب مستعرة من خلال عموده ومن خلال التحقيقات الصحفية التي يحررها صحفيو أخبار الأدب، ويكشفون من خلالها فساد وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للآثار، يكشفون المسكوت عنه، ويؤلبون النخبة المثقفة التي هي القارئ الافتراضي لجريدة متخصصة، قارؤها نخبوي متخصص. ولم يكتف الغيطاني في معركته بصفحات جريدة "أخبار الأدب" بل أصدر كتابا بعنوان "حكايات المؤسسة"، على شكل هجاء طويل لشخصيات وأحداث وقعت في المؤسسة الصحفية التي يعمل فيها. واستمرت معركته مع وزير الثقافة فاروق حسني طويلًا، حتى أن أعداء الغيطاني وقتها رأوا أن كل ذلك "معركة شخصية"، ولعل الأجمل في كل معارك الغيطاني، أنه ظل دومًا يديرها بإيمان حقيقي، وبالدقة نفسها، وذات الحبكة الصارمة التي نسج بها من قبل حكاياته وسجاجيد صباه. معركة صبري حافظ كان جمال الغيطاني في كل معاركة هو من يبدأ بالهجوم عادة، عدا معركة واحدة شنها الناقد صبري حافظ في مقاله بجريدة "الشروق" بتاريخ 22 أبريل عام 2011، حيث شن فيها هجوما حادا على الكاتب الروائي جمال الغيطاني وهي معركة وجدت لها مكانا على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت تتسم بكثير من "العنف اللفظي"، بسبب تعيين جمال الغيطاني رئيسًا لمكتبة القاهرة الكبرى، في عهد وزارة عماد أبو غازي. ويأتي هذا النقد رغم أن صبري حافظ ظل لسنوات من أبرز كتاب صحيفة "أخبار الأدب" التي كان الغيطاني رئيسا لتحريرها خلال الفترة من 1992 وحتى منتصف يناير 2011، وعلى رغم من ذلك رأى حافظ أنها صحيفة تبنت "خطابا فاسدا كان يطرحه جمال الغيطانى تنفيذا لأجندات نظام الرئيس مبارك. استقالة عصفور من الثقافة جاءت آخر المعارك التي خاضها الغيطاني إبان ملتقى الرواية الماضي، حيث شن هجومًا ضاريًا ضد وزير الثقافة الأسبق جابر عصفور، صديقه المقرب كما يعرف كل الوسط الثقافي، بعد أن وعده الأخير أن يمنحه جائزة الملتقى، ولكن خلف الوعد وقرر منحها إلى الكاتب الكبير بهاء طاهر، الأمر الذي دفع الغيطاني بأن يشن حربًا ضروس في جريدة الأخبار وانتهى الأمر باستقالة جابر عصفور من الوزارة، ولكن كان السيف قد نفذ، وحصل بهاء طاهر على الجائزة الأمر الذي دفع الغيطاني إلى كتابة مقال يسب فيه الملتقى متهمه بأنه يمثل عبئًا اقتصاديًا على خزينة الدولة، الأمر الذي تسبب في إحراج الضيوف العرب، والذي دفع بالنهاية إلى أن وزارة الثقافة قررت منحه جائزة النيل، وهى التي حصل عليها بالفعل. نميمة صدام كانت هذه هي أبرز معارك الغيطاني، أما عن حياته فقد كانت مثارًا للجدل طوال الوقت لعل أبرز حالات النميمة التي ظهرت أثناء حياة الراحل الكبير اتهامه بشكل مباشر بعد سقوط نظام صدام حسين بأنه الكاتب الحقيقي لرواية "زبيبة والملك" التي حملت اسم الرئيس العراقي الراحل، فقرر مقاضاة كل من كان يتهمه بمثل هذه الاتهامات، وربما هناك من صدق هذه الرواية خاصة أن الراحل الكبير جمال الغيطاني كان قد سبق له أن التعامل مع السلطة العراقية حيث كتب رواية "حراس البوابة الشرقية" والتي صدرت في بغداد عام 1975، يساند فيه صدام حسين في حربه ضد إيران، ولكن أيضًا هناك من دافع عنه لأنه كاتب "عروبي" يؤمن بالقومية العربية مثله مثل باقي جيل الستينات. مسيرته الصحفية ولكن في النهاية لا نستطيع إلا أن نقف إجلالا واحترامًا لمثل هذه القامة التي أثرت الحياة الثقافية، وساهمت في نشر الوعي الثقافي بين أبناء الوطن من خلال كتاباته وسيرته الذاتية حيث ولد بمحافظة سوهاج، وتولى رئاسة تحرير صحيفة "أخبار الأدب"، واستلهم التراث المصري في رواياته، والتي تعد من أكثر التجارب الروائية نضجا حيث جمع فيها بين الأصالة العميقة والحداثة، عمل مراسلا حربيا في جبهة القتال عام 1969 لحساب مؤسسة "أخبار اليوم" الصحفية. كتب الغيطاني ونشر الغيطاني الذي يعد من أبرز رموز جيل الستينيات في الحياة الثقافية والأدبية ما يقارب 50 قصة قصيرة ومن أهم أعماله "أوراق شاب عاش منذ ألف عام" و"الزويل" و"اوراق السكير" و"حراس البوابة الشرقية" و"الزيني بركات" التي تحولت إلى مسلسل تليفزيوني. شهادات وجوائز وحصل على عدة شهادات تقدير وجوائز منها جائزة الدولة التشجيعية للرواية عام 1980 ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى ووسام الاستحقاق الفرنسي من طبقة فارس عام 1987، وجائزة الدولة التقديرية عام 2007، وجائزة النيل عام 2015.