تجددت الاتهامات مرة أخرى لأكبر شركة أسلحة صينية "صناعات شمال الصين"، والتي تعرف اختصارا باسم "نورينكو"، بسبب بيع معدات عسكرية لجمهورية جنوب السودان إذ يتردد قيام الشركة ببيع أسلحة خفيفة لحكومة جوبا في ذروة الحرب الأهلية بقيمة 20 مليون دولار وفقا لتقرير نشرته الأممالمتحدة مؤخرا. وذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن خبراء الأممالمتحدة أعلنوا أن شركة "نورينكو" باعت 100 قاذف صواريخ مضاد للدبابات من طراز "اتش جي-73 دي"، و1200 صاروخ، و2400 قاذفة قنابل يدوية، و10 آلاف بندقية آلية، و24 مليون قطعة من مختلف أنواع الذخيرة، وأشاروا أيضا إلى احتمال شراء جنوب السودان 4 مروحيات هجومية، موضحين أن عملية البيع جرت في يوليو 2014 في خضم الحرب الأهلية هناك فيما أكدت جوبا أنها وقعت العقد مع شركة "نورينكو" قبل اندلاع الحرب ومن ثم أوفت الشركة الصينية بالتزاماتها. وفي مساء 14 ديسمبر 2013، قام فصيل من القوات المسلحة في جمهورية جنوب السودان بمحاولة انقلاب على الرئيس سلفا كير مما تسبب في أزمة سياسية طاحنة تسببت بصراع دموي استمر طوال 20 شهرا إلى أن وقع سلفا كير في 26 أغسطس الماضي بالعاصمة جوبا، مبدئيا على اتفاقية السلام لإنهاء الصراع بينه وقوات المتمردين بقيادة نائبه السابق ريك مشار. ومع ذلك أكدت الصين على لسان أحد متحدثيها الرسميين في حوار مع وكالة "بلومبرج" الأمريكية، أنها توقفت عن بيع الأسلحة لجمهورية جنوب السودان، إلا أن الصين ليست الدولة الوحيدة موضع الاتهام حيث ترددت أيضا أسماء شركات أسلحة إسرائيلية وروسية، ولكن تورط الصين في هذه القضية يثير التساؤل على نحو كبير جدا نظرا لأنها تسعى إلى لعب دور الوساطة بين طرفي النزاع في جنوب السودان. كما أن الصين أرسلت إلى جنوب السودان كتيبة مشاة قوامها 700 جندي من قوات حفظ السلام، فضلا عن أن بكين من المشاركين في المفاوضات الدولية بجانب الترويكا (بريطانيا والنرويج والولاياتالمتحدةالأمريكية) والأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي، وتلعب الصين دورا في إثارة الفوضى بالمنطقة، وهو ما يؤكده استقبال الرئيس السوداني عمر البشير بحفاوة بالغة مطلع سبتمبر في بكين لحضور العرض العسكري الضخم الذي أقيم بمناسبة الاحتفال بالذكرى السبعين لاستسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية رغم أن البشير مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور غربي السودان. وتحاول شركة "نورينكو" – التي تأسست عام 1980 – الاستفادة من هذه العلاقات "المتميزة" بين بكين ودول القارة السمراء، فهي شركة حكومية يعمل بها نحو مليون شخص وفقا للإحصائيات الرسمية، فيما تقول مصادر دبلوماسية غربية إن عدد العاملين بالشركة يبلغ 263 ألف شخص فقط، وقد ارتفع حجم مبيعاتها من 26 مليار يورو في عام 2010 إلى أكثر من 40 مليار يورو حاليا. وتنتج الشركة معظم أسلحتها الخفيفة في مصنع 66 بالعاصمة بكين غير أن المعدات ذات الاستخدام المدني تشكل 80% من إنتاجها ومن بينها الأسلحة اليدوية وبنادق الصيد، كما أنها تشتهر بتصنيع نسخ مقلدة من ماركات أسلحة عالمية مثل "وينشستر" و"ريمنجتون" الأمريكيتين، ولكنها تصنع كذلك مدرعات خفيفة ودبابات وقاذفات صواريخ "ار بي جي". ونقلت الصحيفة الفرنسية عن جون فإنسان بريسيه مدير أبحاث بمعهد العلاقات الدولية والإستراتيجية الفرنسي وملحق عسكري سابق لدى بكين، قوله "تنشط نورينكو أيضا كثيرا في مجال الهندسة المدنية إذ تصنع الشركة المعدات اللازمة لحفارات النفط وتجهيزات المستشفيات والأسلحة وغيرها، كما أنها تبيع محركات وبنادق في الوقت ذاته للعمل في حقول النفط وحمايتها أيضا". وتبيع نورينكو على الأخص معدات عسكرية من الدرجة الثانية، ونسخا مقلدة من المعدات الغربية أرخص بكثير وذات جودة، إنها تستهدف الدول المتحاربة. وتلقى النسخ المقلدة من بنادق الكلاشنكوف الروسية (ايه كي 47)، ومروحيات سيكورسكي الأمريكية (اس 52) رواجا كبيرا في سوق الأسلحة. وأضاف الضابط الفرنسي السابق جون-فإنسان بريسيه "تمثل المنتجات المقلدة من 10 إلى 15% من إجمالي الناتج المحلي للفرد في الصين، ويتم ذلك بالتواطؤ مع أعلى المستويات الحكومية في الدولة"، وتحظى شركة "نورينكو" بسمعة سيئة للغاية إذ لم تعد تستطيع منذ عام 1993 تصدير منتجاتها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية باستثناء بنادق الصيد، كما أن مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي أي) استطاع في تسعينيات القرن الماضي تفكيك شبكات سرية لبيع قاذفات صواريخ مضادة للدبابات من إنتاج الشركة الصينية التي تعرضت بين عامي 2002 و2007 لعقوبات أمريكية سبع مرات بسبب بيعها أسلحة لكل من إيران وسوريا وليبيا. وتحرص الدول الأفريقية على اقتناء هذه الأسلحة الصينية، حيث يعرف تقليديا أن زيمبابوي هي كبرى دول القارة السمراء في شراء تلك الأسلحة ولكن بدأت تنتشر الأسلحة صينية الصنع في جميع أنحاء أفريقيا إذ أصبحت جمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد من أفضل زبائن "نورينكو"، حيث تشتريان منها مدرعات خفيفة أرخص كثيرا من مثيلاتها الغربية، كما أن جمهورية الكونغو الديمقراطية لديها زورق دورية صيني لحماية سواحلها، فيما تمتلك ناميبيا سربا من الطائرات المقاتلة الصينية من 12 طائرة، وطائرات من طراز "كي8" شبيهة بطائرات "ميج 21" الروسية.