إنفوجراف| بورصة الذهب تختتم تعاملاتها على مكاسب أسبوعية 21 دولارا    المدير الرياضي لنادي سالزبورج النمساوي: مونديال الأندية.. بطولة استثنائية    مفاجآت في العيد| مراكز الشباب تفتح أبوابها مجانًا للمواطنين.. وخدمات سوبر ستارز    «الأرصاد» تعلن حالة الطقس غدًا الأحد 8 يونيو | إنفوجراف    بأمر المحكمة.. سفاح المعمورة في مستشفى العباسية للكشف على قواه العقلية    التفاصيل الكاملة لاتهام زوجة المطرب إسماعيل الليثي بالاعتداء عليها وسرقة مجوهراتها    تقديس السينما عند جعفر بناهي.. دروس للأجيال    أسعار العملات الأجنبية والعربية أمام الجنيه المصري في ثاني أيام عيد الأضحى    بينهم 4 دول عربية، برقية سرية تكشف خطة واشنطن لتنفيذ حظر السفر على 19 دولة    منير أديب يكتب: إسرائيل وداعش.. توافقات الأهداف أم نتائج الحرب؟    لماذا يجب تناول الخضروات والسلطة مع اللحوم في ثاني أيام عيد الأضحى؟ الصحة توضح    بعد خلافه مع ترامب.. إيلون ماسك يدعو إلى تأسيس حزب سياسي جديد    نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 بالجيزة .. رابط وخطوات الاستعلام لجميع الطلاب فور ظهورها    ترامب ردًا على هجوم إيلون ماسك: قد يكون بسبب تعاطيه المخدرات    «لعيبة تستحق تلبس تيشيرت الزمالك».. شيكابالا يزف خبرًا سارًا لجماهير الأبيض بشأن الصفقات الصيفية    محمد هانى: نعيش لحظات استثنائية.. والأهلي جاهز لكأس العالم للأندية (فيديو)    رئيس الوزراء الهندي: نتطلع لتعميق التعاون مع وسط آسيا في التجارة والطاقة والأمن الغذائي    إيلون ماسك يخسر 35 مليار دولار من ثروته بعد خروجه من الحكومة الأمريكية    ترامب: أوكرانيا منحت روسيا مبررا واضحا لقصفها بشدة    "مش جايين نسرق".. تفاصيل اقتحام 3 أشخاص شقة سيدة بأكتوبر    هوندا سيفيك تايب آر تُعلن نهاية مبيعاتها في أوروبا    ترامب يكلف بتوسيع إنتاج الطيران الأسرع من الصوت    بعد تصدرها الترند بسبب انهيارها .. معلومات عن شيماء سعيد (تفاصيل)    «كذاب وبيشتغل الناس».. خالد الغندور يفتح النار على زيزو    محمد عبده يشيد ب " هاني فرحات" ويصفه ب "المايسترو المثقف "    مباحثات مصرية كينية لتعزيز التعاون النقابي المشترك    نتيجة وملخص أهداف مباراة المغرب ضد تونس الودية    «الدبيكي»: نسعى لصياغة معايير عمل دولية جديدة لحماية العمال| خاص    الثلاثاء أم الأربعاء؟.. موعد أول يوم عمل بعد إجازة عيد الأضحى 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    سفارة الهند تستعد لإحياء اليوم العالمي لليوجا في 7 محافظات    محاضرة عن المتاحف المصرية في أكاديمية مصر بروما: من بولاق إلى المتحف الكبير    منال سلامة ل"الفجر الفني": لهذا السبب قد أرفض بطولة.. ولا أفكر في الإخراج    دار الإفتاء تكشف آخر موعد لذبح الأضحية    «المشكلة في ريبيرو».. وليد صلاح الدين يكشف تخوفه قبل مواجهة إنتر ميامي    أجواء فرحة العيد في حديقة الحرية أول أيام عيد الأضحى| فيديو    سوزوكي توقف إنتاج سيارتها «سويفت» بسبب قيود التصدير الصينية على المعادن النادرة    الشناوي: المشاركة فى مونديال الأندية إنجاز كبير.. وحزين لرحيل معلول    المطران فراس دردر يعلن عن انطلاق راديو «مارن» في البصرة والخليج    بسبب ماس كهربائي.. السيطرة على حريق نشب في كشك بكرداسة    تفاعل مع فيديو هروب عجل قفزًا في البحر: «رايح يقدم لجوء لأوروبا»    الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع في جلسة نهاية الأسبوع    «محدش يروح لجزار».. تحذير من الذبح خارج المجازر الحكومية    بمشاركة 2000 صغير.. ختام فعاليات اليوم العالمي للطفل بإيبارشية المنيا    الكنيسة الإنجيلية اللوثرية تُعرب عن قلقها إزاء تصاعد العنف في الأراضي المقدسة    البابا تواضروس يهاتف بابا الفاتيكان لتهنئته بالمسؤولية الجديدة    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    سالى شاهين: كان نفسى أكون مخرجة سينما مش مذيعة.. وجاسمين طه رفضت التمثيل    أخبار × 24 ساعة.. المجازر الحكومية تستقبل أكثر من 9800 أضحية أول أيام العيد    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    صلى العيد ثم فارق الحياة.. تشييع جنازة صيدلي تعرض لأزمة قلبية مفاجئة في الشرقية    لأصحاب الأمراض المزمنة.. استشاري يوضح أفضل طريقة لتناول البروتين في العيد    أستاذ رقابة على اللحوم يحذر من أجزاء في الذبيحة ممنوع تناولها    احذر من الإسراع في تخزين اللحوم النيئة داخل الثلاجة: أسلوب يهدد صحتك ب 5 أمراض    حدث في منتصف ليلًا| أسعار تذاكر الأتوبيس الترددي على الدائري.. وموجة حارة بكافة الأنحاء    تفشي الحصبة ينحسر في أميركا.. وميشيغان وبنسلفانيا خاليتان رسميًا من المرض    وزير الأوقاف يشهد صلاة الجمعة بمسجد سيدنا الإمام الحسين بالقاهرة    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"البوابة" تحاور العائدين من "جحيم منى": رأينا يوم الحشر
نشر في البوابة يوم 07 - 10 - 2015

■ عدد ضحايا الحادث لا يقل عن 2000 حاج.. والجهل ومخالفة التعليمات والرغبة فى الانتهاء من الشعائر وراء الكارثة
■ كنا عايمين على بحر من الجثث
إما أن تنجو على حساب الآخرين وإما أن تموت معهم
■ الصدام بين القادمين من رمى الجمرات والذاهبين إلى «رجم الشيطان» تسبب فى زيادة عدد الضحايا
فزع.. خوف.. بكاء.. صراخ امتزج بالتكبير.. جاءوا من كل بقاع الأرض، طالبين الصفح والغفران.. أهوال يوم القيامة تجسدت بهلعها ورعبها ومآسيها، كأنه البعث من القبور.. النساء والأطفال وكبار السن.. الجميع سواء فى المأساة.. رجال أشداء ذو بأس يسقطون لا حول لهم ولا قوة، تنزلق محارمهم.. حفاة عراة.. ورغم ذلك كله لا ينظر إليهم أحد.
الفوضى تعم المكان.. لم يدر بخاطر حجاج بيت الله الحرام أنهم سيعيشون أجواء يوم الحشر قبل ميعاده.. اضطربت مشاعرهم وارتفع صوت دعائهم آملين فى النجاة.. ولما بلغت القلوب الحناجر، وسقطت هواتفهم المحمولة وفقدت فى الزحام، دب الفزع فى قلوب ذويهم، على أمل التعلق بقشة.. تبدأ عملية البحث عنهم فى كل مكان.. بدأوها بحملات الحجاج، وفى المستشفيات، دون فائدة.. خاطبوا سفاراتهم وحكوماتهم.. بعضهم وجد ضالته، والبعض الآخر لا يزال متمسكا بمشيئة الله ولم يفقد الأمل.. ينتهى المشهد بترقب هواتفهم المحمولة علها تحمل لهم خبرا سارا يبرد لوعة قلوبهم، أو مفزعا تنتهى معه حالة الترقب للأبد.
ذهب حجاج بيت الله الحرام إلى المملكة العربية السعودية لتطهير أنفسهم من خطايا الدنيا وذنوبها، وانتهت بهم الشعائر إلى مشهد مأساوى واحد، فكل حسب نصيبه، فتلك تبحث عن والدها المسن، وذلك يفتش عن زوجته التى داستها أقدام الحجاج، ويفكر مرارًا قبل أن ينظر إلى الأسفل لينقذها، وأخرى تلقى بولدها حتى لا يناله ما نالها من دهس وفرم، وآخر لم ينم حتى الآن بعد رؤيته 2000 جثة هامدة تراصت إلى جوار بعضها فى شارع 204 بمدينة «منى» المنكوبة، وحاج فقد صوته بعد أن أنهكه التعب وما زال لا يصدق حتى الآن أنه جالس فى بيته على أريكته التى تركها من أجل أداء فريضة الحج، فعاد إليها مع وعد ألا يتركها بعد ما رآه من أهوال، وآخرون لا يزالون يبحثون عن ذويهم المفقودين حتى الآن بعد ما أنفقوا كل ما لديهم على محادثة أقاربهم فى السعودية، لمساعدتهم فى البحث عن والدتهم التى تخطت العقود السبعة من عمرها، وكل أملها فى الحياة زيارة بيت الله.. جبال من الجثث المخضبة بالدماء تظهر، وملابس بيضاء تحول لونها للأحمر.. رائحة كريهة تنبعث من أجساد الحجاج الذين فارقوا الحياة، فلا فرق اليوم بين الكفن والإحرام، فمن ارتدى الإحرام متجهًا إلى أرض الرحمة والمغفرة، عاد بنفس الإحرام بعد تحوله إلى كفن يوارى جسده فى تراب مكة.
الموت سيد الموقف
لم يحضر كل الحجاج الحادث الذى أودى بحياة المئات من الحجاج، وإنما شهده بعضهم، أحد هؤلاء كان خالد الزفتاوى، فى منتصف عقده الرابع، زار الأرض الحرام 7 مرات، ما جعله خبيرا بمناسك الحج وشعائره والتعامل مع المواقف الصعبة التى قد تحدث خلال الحج.
فى صباح أول أيام العيد الأضحى، خلال توجه الحجاج إلى منى لرمى الجمارت، كان «الزفتاوى» يستعد لأداء نسك الرمى، يحكى: «احنا فضلنا صاحيين ليلة عرفة لحد ما وصلتنا الأتوبيسات لحد مزدلفة بالليل، وسواقين الباصات ماكنوش عايزين يستنوا الحجاج لحد ما يخلصوا رمى الجمرات، فطلبوا من الحجاج يرموا ويرجعوا تانى للأتوبيسات، لكن الحجاج لما رجعوا مالقوش الأتوبيسات فى مكانها، لأن الشرطة السعودية كانت بتطلب منهم يتحركوا لقدام، منعًا لتعطيل الطريق واضطرت الناس إلى أن تمشى من مزدلفة لحد منى على رجلهم، وده اللى خلاهم تعبانين جدًا لأنهم صاحيين من الفجر أول يوم العيد لحد ما رموا الجمرات، فكل ده خلاهم زى السكرانين وماشيين مش حاسين بنفسهم، وزيادة على كل ده بيدوروا على الأتوبيسات بتاعتهم ومش لاقيينها، وبقى كل واحد رايح فى اتجاه، وتهنا من بعض».
التعب والإرهاق سيدا الموقف.. والأجساد منهكة من السعى والطواف والصلاة والهرولة.. الجميع فى انتظار الراحة بعد عناء طويل.. لكن الزحام ضيع أحلامهم الصغيرة بالنوم.. وبدأت حالة الفوضى تعم المكان، بعد ابتعاد المواصلات المخصصة لنقل الحجاج، ما دفعهم إلى التيه كلٌّ على وجه.
يواصل «الزفتاوى»: «الناس من التعب عايزه تختصر الطريق، والمفروض كانوا يمشوا فى الشوارع اللى بتحددها الشرطة السعودية المنظمة للأفواج، لكن حالة الفوضى اللى كانت مسيطرة على الموقف، دفعت البعض إلى أنهم يشيلوا السلاسل الفاصلة بين طريق الذهاب والرجوع إلى مكان رمى الجمرات».. بدأت أزمة التدافع تتجلى بعد أن غير الحجاج الذين أدوا شعيرة الرمى، طريق سيرهم، فكان من المفترض أن يتجهوا يسارا، عكس اتجاه الحجاج الذين فى طريقهم للرمى، يوضح: «حصلت فوضى كبيرة، بسبب التدافع بين اللى راجعين من رمى الجمرات، واللى كانوا مفروض يمشوا شمال، اضطروا يمشوا يمين وشالوا السلاسل الفاصلة، وحصل صدام مع اللى لسة مارموش الجمرات».
شارع 204 بمنى، شهد أحداثا مرعبة فاقت كل التوقعات -بحسب رواية الحاج الزفتاوى- يقول: «شارع 204 هو اللى حصلت فيه الحادثة، كان مكان تجمع اللى رايحين واللى راجعين، وهنا بدأ الناس يقعوا واحد ورا التانى، واللى بيقع مابيقومش، حاولت الناس تنقذ أصحابها، لكن النهاية كانت مأساوية، إن كل المجموعة بتموت من شدة التدافع».
ويصف مشهد التدافع، مسترجعًا بمشهد لن ينساه طيلة عمره: «شارع 204 بقى أشبه بسجادة منسوجة وكل خيوطها متداخلة ماحدش عارف يفرق بين اللى رايح واللى جاى وفى الوقت ده شفت بنت شابة بتدفع كرسى أبوها العجوز ومعاها طفلين، بدأ التدافع يزيد.. الكرسى بعد عنها وساب من إيديها، ووقع أبوها سابت ولادها وجريت وهى بتصرخ بابا بابا.. وصلت عند أبوها شالته وحضنته.. وهنا زاد التدافع أكتر وأكتر.. وفجأة لقيت نفسى اتحركت بعيد عنهم، حاولت أساعدهم لكن مالقتهمش لقيت الكرسى مقلوب على الأرض وهما مش موجودين، حاولت أرجع أدور عليهم، لكن اللى معايا شدونى وقالولى لو رجعت هتموت، والثانية اللى وقفت فيها الناس داست على الشبشب اللى كنت لابسه ووصلت مكان رمى الجمرات حافى».
«فى الزحمة قدامك حلين، إما تستسلم وتقع وانت عارف إنك مش هتقوم تانى، وتحمد ربنا إنك هتموت فى مكان طاهر زى ده، وإما تعوم على الجثث تضرب بإيدك ورجلك لحد ما تطلع بره المربع اللى فيه الموت، وتنجى بنفسك» هذه هى الخبرة التى اكتسبها «الزفتاوى» من أدائه فريضة الحج 7 مرات، رغم أن عمره لم يتجاوز 45 عامًا إلا أن وجوده بالمملكة العربية السعودية لفترة طويلة ساعده على ذلك.
يؤكد «الزفتاوى» أن جهل بعض الحجاج كان سببًا فى زيادة عدد الوفيات من النساء والأطفال، ويوضح: «الحجاج المصريين اللى كانوا معايا مش عارفين ترتيب وأهمية مناسك الحج، يعنى واحنا فى الطيارة راجعين لقيت حاج بيقولى أنا ماعملتش طواف الوداع لأنه مش مهم، وكمان كان فى ستات وأطفال مايعرفوش إنهم ممكن يستنوا لحد الساعة 11 بالليل ويبدأوا يرموا الجمرات مش شرط يروحوا فى الزحمة، وده دور البعثات، يعنى البعثة المصرية كانت منظمة من الناحية الإدارية، لكن من الناحية الدينية والفقهية كان فيه تقصير، كان المفروض الواعظ الدينى يلف على الحجاج أو يوزع عليهم منشورات ويقولهم المفروض تعملوا كذا أو حتى يطلبوا من اللى حج قبل كده يساعد زمايله».
انتظار لحظة الوفاة
انتصف النهار، وبدأت صور الحادثة والأخبار عنها تتوارد فى قنوات الأخبار المحلية والعالمية، وتشاهدها ابنة الحاج حمدى نور الدين، لتسرع فى طلب والدها على الهاتف ليأتيها صوته فيهدئ روعها، حمدًا لله والدها ما زال على قيد الحياة.
يتذكر «نور الدين» أول مشهد رأته عيناه بعد وصوله إلى مكان رمى الجمرات: «الناس كانت فرحانة أنها وصلت المكان ده، وأول مرة تشوفه، الواحد أول ما بيوصل هناك بيبقى عايز يروح كل مكان ويحس كأنه مع رسول الله، ويتخيل الرسول والصحابة وهما ماشيين فى نفس المكان، وروحهم الطاهرة بتستقبل وفود الحجاج، ومن كتر الفرحة الناس بتبدأ تجرى، ورغم كل التحذيرات من الزحمة، برضوا كل الناس عايزة توصل الأول، الناس كانت بتجرى وتتدافع مع بعضها، والتدافع ماكانش فى منى بس، وإنما كان فى كل مكان فى الكعبة، يعنى فى ناس بتصمم توصل إلى صحن الكعبة علشان الطواف يكون أسهل، وتكون إيديها لامسة الكعبة».
يفسر «نور الدين» سبب الحادث بأنه كان تسرعا من الحجاج، ورغبة فى إنهاء يوم طويل من الإرهاق، فالجميع يريد إنهاء رمى الجمرات والتحرر من الإحرام، الذى ظل ملاصقًا لجسده واختلط بالتراب والعرق.
يتابع «نور الدين» شهادته: «الساعة 4، الشرطة قفلت الشوارع المؤدية لمكان رمى الجمرات علشان يبدأوا يشيلوا الجثث ويودوا المصابين للمستشفى، وخصصوا تلاجات كبيرة للجثث، وعدد كبير جدًا من عربيات الإسعاف بدأ يوصل مكان الحادث وينقلوا المصابين للمستشفيات القريبة، وبعد الحادثة كان فى عربيات نقل كبيرة مخصصة لنقل الوجبات للحجاج تم تفريغها بالكامل واستخدموها فى الأول لنقل الجثث، لحد ما توصل العربيات المجهزة بالتلاجات، وبعد كده بدأوا يدفنوا الجثث، وكله طبعًا من غير كفن، لأنه ميت محرم، والعدد كان كبير جدًا، كل حاج بيتلف فى إحرامه ويدفن».
ولم ينس «نور الدين» المفقودين، فيذكر زميله فى فندق «فجر المدينة»، الذى خرج قاصدًا صلاة الفجر، ولم يعد حتى الآن، ولا تعرف زوجته مكانه رغم محاولاتها المستمرة للبحث عنه، إلا أن خلعه للسوار المدون عليه بياناته كان سببًا فى استحالة الوصول إليه، ويقول «نور الدين»: «زميلى فى الفندق عامل عملية قلب مفتوح يعنى ممكن من أقل إجهاد يقع على الأرض ومايقدرش يقوم ونزل أول يوم العيد ومارجعش تانى ومانعرفش عنه حاجة، ومراته كانت معانا بتدور عليه وماوصلتش لأى حاجة وماتعرفش هو عايش ولا ميت».
منظر الجثث اللعين
يمر اليوم الأول، وتشرق شمس اليوم الحادى عشر من ذى الحجة، ثانى أيام عيد الأضحى، يخرج الحاج شوقى محروس، الذى بلغ 64 عامًا وانتظر طويلًا حتى يستطيع الذهاب إلى الأراضى المقدسة، يخرج من خيمته فى طريق العودة من رمى الجمرات، تخونه قدماه فيتخلف عن الركب، ويسير فى شارع آخر، ليكشف أنه شارع 204، الذى وقعت فيه حادثة منى، ويشاهد ما لم يخطر بباله.
يقول «محروس»: «شفت منظر عمرى ما هنساه، ولحد دلوقتى مابنامش بسببه، شفت حوالى 2000 جثة مرمية على الأرض متربطة، وعلم كل دولة محطوط على مجموعة جثث، ومرصوصين كلهم جمب بعض، وكل شوية يجيبوا تلج ويحطوه على الجثث علشان ماتعفنش، لأن كان فى بعثات بتيجيى تطلب جثث الحجاج التابعين ليها».
يستنكر طريقة غسل الموتى من حجاج بيت الله الحرام، فهم يستحقون تكريمًا أكثر من هذا الذى رأوه وهم موتى لا يشعرون بأى شىء، ويصف طريقة الغسل: «فرشوا زجاجات بلاستيك كتير على الأرض فى مكان بحجم أوضتين كبار، وبدأوا يحطوا الجثث عليها ويصبوا الميه فوقهم، وقالولنا إنهم كده بيغسلوهم علشان تيجى كل بعثة تستلم جثثها، لكن المنظر اللى شفته ده حرام وماينفعش نعمل كده فى جثث الحجاج، وكمان هيدفنوهم مش متكفنيين فى كفن نضيف، صحيح هما ماتوا محرمين لكن الإحرام ده فيه دم ومش نضيف والناس كان بقالها أكتر من يوم لابساه».
نفسي أموت في الحرم
«طول عمرى نفسى أموت فى السعودية جنب الرسول، وأدفن فى البقيع، كنت كل سنة أقدم فى حج القرعة وماقبلش وأقول معلش لسه ربنا مش عايزنى دلوقتى، لسه ماستحقتش أكون هناك، والحمد لله السنة دى رحت لكن مش هتمنى إنى أموت هناك، بعد ما شفت الطريقة اللى اتعاملت بها الجثث، مش عايز يكون ده مصيرى».
اختارتها وزارة التضامن الاجتماعى للسفر إلى الأراضى المقدسة، وأداء فريضة الحج ضمن حج الجمعيات، بعد أن بلغت الثالثة والسبعين من عمرها، وانتظرت كل هذه السنوات لأداء فريضة الحج بعد أن أتمت تعليم أولادها، وأحست بقرب الرحيل، فارتدت ملابس الإحرام البيضاء، ودعت أهلها وأبناءها الثلاثة، واستقلت الأتوبيس من مدينة التل الكبير، التابعة لمحافظة الشرقية، بعد أن سمعت اسمها فى كشف الحجاج المسافرين.. الحاجة سليمة أبوالمجد خلف، لتنطلق رحلتها مرددة: «لبيك اللهم لبيك».
كان هذا يوم الخامس عشر من سبتمبر الجارى، قبل عيد الأضحى بثمانية أيام، واعتادت على الاتصال بأبنائها لطمأنتهم على صحتها يوميًا، وفى الحادية عشرة من صباح أول أيام العيد انقطع كل شىء، انقطعت الاتصالات، لم يعد صوتها يأتى عبر الهاتف المحمول، ولا يسمع أبناؤها إلا كلمة واحدة: «الرقم الذى تحاول الاتصال به مغلقًا»، وبدأت الأخبار تتوارد عبر نشرات الأخبار، بعد حادث التدافع خلال الطريق إلى منى، وسقوط عشرات الحجاج، والكثير من المفقودين، وتعلن بعثة الحج المصرية سقوط 55 من الحجاج المصريين، و120 آخرين فى عداد المفقودين.
السيد على، ابن شقيقها، بدأ رحلة البحث مناصفة مع أبنائها، ويصف ما تمر بها أسرتها: «فى الأول اتفاجئنا من الأخبار، كلمناها أكتر من مرة مافيش فايدة، التليفون مقفول، الأربعة جيرانا اللى كانوا معاها برضوا مش لاقيين، ومش عارفين نوصل لحد، بس بدأنا نتحرك، ولادها صرفوا أكتر من 2000 جنيه رصيد مكالمات لأصحابهم فى السعودية، وبرضوا مافيش فايدة».
ويتابع حزينًا: «لما لقينا مافيش فايدة من المكالمات قولنا ندور على النت، ونشرنا صورها فى كل الجروبات اللى مختصة بالبحث عن المفقودين، وطلبنا من كل أهل السعودية يتصلوا بينا لو لاقوها، وكمان كل ما نلاقى مصريين نسألهم عليها، يمكن شافوها، يمكن يعرفوا مكانها.. أنا قاعد 24 ساعة على كل المواقع ولحد دلوقتى ماجاليش رد من أى حد».
«مانقدرش نسافر، مانقدرش نعمل حاجة غير الاتصالات بكل اللى نعرفهم، لكن المفروض إن حد فى الدولة يساعدنا، هما يعرفوا أكتر مننا، الناس اللى ضاعت دى مسئوليتهم ولازم يرجعوهم أو على الأقل يعرفونا مصيرهم إيه، ولحد بكرة لو مالقتش عمتى هانزل أروح للمحافظ ينجدنا ولا يشوف لنا حل».. هذه الكلمات كانت تعبيرًا منه عن عجزه فى مواصلة البحث عن الحاجة سليمة، ولهذا قرر اللجوء إلى حكومته، علها تكون المنجية من الشعور بالعجز.
ينهى «على» حديثه مبديًا رغبته فى معرفة الحقيقة حتى وإن كانت مؤلمة: «إحنا بس عايزين نعرف هى فين علشان نرتاح، مش قادرين نتخيل المعاناة اللى شافتها ولا حصلها إيه وهى تايهة ولا تعبانة فى المستشفى، وحد معاها ولا لأ، حد بياخد باله منها ولا قاعدة لوحدها، ولا لقدر الله توفيت».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.