فشل التنظيم في توسيع شبكته في محافظات الدلتا دفعه باتجاه الجنوب يتخذ الإسكندرية ومطروح مركزًا لتخزين الأسلحة دعونا نوضح حكاية «داعش» في مصر، ولماذا يحاول التمدد إلى الصعيد؟ واستراتيجياته للعمل، والأسباب التي دفعته لإيجاد موطئ قدم له في المحافظات الجنوبية كبنى سويف وأسيوط وقنا. أولًا لا بد أن نعرف أن تنظيم داعش، أطلق على فرعه في شبه الجزيرة السيناوية «ولاية سيناء»، على اعتبار أنها تابعة للشام وليس لأفريقيا، وأنها ستكون ولاية خاصة له تمتد إلى غزة والضفة الغربية، وعاصمتها رفح!! ولا ندرى الأسباب التي جعلته يختار «رفح»، غير سبب واحد هو أن البداية الحقيقية للسلفية الجهادية في سيناء، بدأت من رفح، ومركز القيادة الحقيقى والدعائى للتنظيم هو هناك في الجانب الفلسطينى منها. وأطلق التنظيم على فرعه في مصر «الدولة الإسلامية مصر»، ولذا فقد تباينت بيانات التنظيم واختلفت، وبدا أن كل فرع منهما له قائد، وحتى اللحظة لم يكتشف الأمن المصرى، من هو القائد الحقيقى للتنظيم في محافظات الدلتا، وإن كنت أرجح على المستوى الشخصى أن يكون محمد أحمد محمد نصر، الأستاذ بكلية العلوم جامعة قناة السويس. فشل التنظيم في توسيع شبكته في محافظات الدلتا الشمالية، ووفق التحقيقات مع المقبوض عليهم، فإن التنظيم له بعض الخلايا في الدقهلية والشرقية، (على اعتبار أن مدن القناة تابعة جغرافيًا في خريطته الخاصة لولاية سيناء)، ومركزه الحقيقى محافظة القاهرة الكبرى. لأسباب يطول شرحها فشل التنظيم في التوسع شمالًا، متخذًا من محافظة الإسكندرية ومطروح، مركزًا لتخزين الأسلحة، والدعم اللوجستى، وبنسبة كبيرة جدًا، فإن سلمى سلامة المحسانة، وهو من محافظة الإسماعيلية، ويقيم أهله بالشرقية، وحاصل على دبلوم تجارة، هو المسئول عن التسكين، والدعم اللوجستى، ويتخذ من مطروح مقرًا لقيادته لتلك الخلية. كان من الطبيعى أن يتجه التنظيم إلى الجنوب، فخطط لإقامة فرع آخر، أطلق عليه «ولاية الصعيد» وتم تكليف أحد قياداته بالإشراف عليه، لتكوين مجموعات من الشباب، خاصة أبناء الجامعات، وتدريبهم على الاختراق، ورفع مستوى أمنياتهم باستماعهم وقراءتهم لمجموعة الأمن للشيخ عبدالله العدم، وألا تزيد المجموعة المسلحة عن 6 أشخاص بأى حال من الأحوال. هذه الخطة تسمى في أدبيات الدواعش (بتر الأطراف)، وهى تعنى الانتقال من المركز إلى الهامش، والسيطرة على الأطراف، ونقل المعركة إلى الصعيد، لتخفيف الضغط عن سيناء، وإشغال الأمن، وإظهار أن الدولة غير قادرة على السيطرة. الخطة لم تكن جديدة، فقد وضعها أبو ودود الهرماسى (مصرى مجهول الهوية)، وهى التي سماها «سر الأحجية المصرية»، وهى منشورة على مواقع الجهاديين، وتبدأ بإثارة الفوضى بعمل عمليات ضد بعض الجهات وهى: (الجيش والشرطة والنصارى والبلطجية)، والمرحلة الثانية هي إنهاك الدولة بإسقاط منظومة المال، باستهداف السياحة (حادث الأقصر مثال) والبنوك، وإضعاف منظومة الطاقة من كهرباء وغاز، ووقود، وتطفيش كل الاستثمارات الأجنبية والعربية من مصر. وللخطة إستراتيجية واحدة للعمل تبدأ بمرحلة الإنهاك، وهى مرحلة العصابات الصغيرة، وحروب الإرهاب المحدود، عبر أسلوب الاغتيالات والإغارات والكمائن الصغيرة وأعمال المتفجرات المنتقاة، لتنهك الأمن وتربك السياسة وتجهد الاقتصاد، والمرحلة الثانية، وتدعى مرحلة التوازن، ثم مرحلة الحسم. ببساطة كان الصعيد في عقل داعش يمثل الطريق للتمكين في الدولة، لأنه البيئة الصالحة للتغيير، وإن طريق التنظيم لصناعة دولة في مصر لابد أن يمر عبر صناعة بيئة جهادية فيه. ولقد كان من المعروف أن المستهدف بعد سيناء هو الصعيد لتشابه البنية الاجتماعية القبلية بينه وبين سيناء، وكل هذا بالتزامن مع السيولة الحدودية التي أصابت الدولة، وما زالت تبعتها موجودة، إضافة للتوتر على الحدود الجنوبية والغربية. داعش كانت ستصبح غبية لو لم تستغل السيولة الحدودية والبنية الاجتماعية القبلية الموجودة بالصعيد، وحالة التمدد الإخوانى المعروفة في أسيوطوالمنيا تحديدًا، ولذا فقد نقلت عناصرها إلى أماكن بأسيوط والجيزة والمنيا وقنا، حتى يتسنى لها الهروب بعيدًا عن أعين الأمن، والحياة في بيئة لها موروث أصولى متجذر. الصعيد المنغلق كذلك على نفسه، والمحافظات غير المتجددة تنمويًا، ومستوى الفقر الشديد الكبير، الذي أدى إلى جمود فكرى ومجتمعى، وطبيعة القبيلة المنغلقة، التي تختلف عن القبلية المنفتحة في سيناء، فضلًا عن القبائل السيناوية التي لها امتداد في الصعيد، مثل السواركة، وامتدادها في سوهاج وهى جهينة، كانت هي أدوات التمدد الفكرية واللوجستية والإستراتيجية لداعش. من ناحية الحدود سيناء منطقة تحت المجهر لحساسية جغرافيتها، أما الصعيد فهو في الربع المهمل، ولذا فإن الصعيد كان إلى 2011 هو مصدر تسليح القبائل في سيناء، وأحد روافد تسليح التنظيمات المقاومة في غزة، بعد الحصول على الأسلحة من المصانع الإيرانية في السودان، وكان التسليح يسير في نفس خط سير المهاجرين غير الشرعيين الأفارقة إلى إسرائيل. رموز الفكر الأصولى وحواضنه موجودة في مدن وقرى الصعيد والأمثلة لا حصر لها، لكن المثال الأوضح هو زعيم تنظيم داعش، وأحد مؤسسيها، وهو عبدالمنعم عز بدوى، أبو حمزة المهاجر، وأول وزير حرب لها، فهو من محافظة سوهاج. نجح التنظيم في إدخال عدة مجموعات عبر 4 طرق فرعية موجودة في الصحراء الغربية، وأغلبها لا بد أن ينتهى بأسيوط أو المنيا، لكن أهمها على الإطلاق هي طريق دلجا، وطريق سمالوط، والقوصية، وديروط، وكلها تمتد ناحية الفرافرة، وسيوة، ومنهما لواحة جغبوب بليبيا. كان على التنظيم أن ينقل السلاح إلى الصعيد، ونجح بالفعل في إقامة مخازن للأسلحة. وأقام معسكرًا بالصحراء الغربية في منطقة متوسطة بين محافظتى المنيا، وأسيوط، وجاءت عملية الأقصر لتكون تحذيرًا، ثم جاءت عملية السياح المكسيكيين، لتكشف عن خطورة ما يجرى، ثم جاءت العملية الأخيرة، عقب اشتباه «عرب جبل ديروط» بالمجموعة الإرهابية «الملثمة»، والتي كانت مسلحة، وتستقل 3 سيارات بيضاء، وتحمل ما يزيد على 29 شخصًا، وتم التعامل معهم في عملية تحت إشراف «المنطقة الجنوبية العسكرية»، لتلاحقهم القوات على بعد 5 كم من الطريق الغربى بأسيوط داخل الصحراء، أمام مركزى «ديروط والقوصية». تبادل الداعشيون النيران مع الجيش، وسيطر الجنود على الموقف، وقتلوا 20 منهم، بينهم أجانب، وألقوا القبض على 19 آخرين، يتم استجوابهم لمعرفة باقى أعضاء التنظيم.