فتيات يتعرضن لاغتصاب يومى.. ويبعن أطفالهن لمن يدفع.. وسعر الكلية 15 ألف جنيه التسول فجرا.. والنوم نهارا.. والسهر ليلاً خوفا من «الذئاب» كانت تراقب الخطوات على الأرصفة يمينا ويسارا، تنظر إلى ثياب رجل منمق يدخن سيجارته الأولى تقريبا، وتعود بالنظر لحذاء فتاة تنزل من سياراتها مسرعة لمقر عملها، وفى الآخر ترمق ذاتها بنظرة بائسة، فتجد نفسها محاصرة بين ملابس يفوح منها التجاهل والإهمال، ويد مفتوحة لا تفعل شيئا إلا أن تنتظر دائما.. هكذا يلتزمون الرصيف إلى أن يحين موعدهم مع الله، ويذهبون بذنوبهم وأخطاء المجتمع تجاههم. الحرمان والحاجة، شبحان لا يفارق أولاد الشوارع، هؤلاء بالكاد يأكلون مرة واحدة فى اليوم، منهم من لم يطق شعور العوز فلجأ إلى احتراف السرقة وأعمال البلطجة، وآخرون كانت المتعة الحرام ملاذا للهروب من هموم الدنيا وبابا للرزق وكسر الحواجز الاجتماعية التى تحول بينهم وبين الزواج. الدولة بعد كل هذه الدراما، ترفع شعارا واحدا لا تغيره منذ سنوات.. «محاربة ظاهرة أولاد الشوارع»، لكن لم تفكر مثلا فى علاج بديل يفجر طاقات إيجابية من بينهم، أو خلق بيئة أخرى تصلح لاحتواء الكارثة، والتى طالما حذر منها الجميع، ووصفها ب «القنبلة الموقوتة»، وها هى تنفجر فى وجه مصر والدولة تقف مكتوفة الأيدي. الاغتصاب، أو قل هذا «الغول» الذى يطارد فتيات الشوارع من قبل المسجلين والأشقياء والسائقين، أثناء نومهن فى الخلاء على الأرصفة وأسفل الكباري، كان سببا رئيسيا فى تشريد وبيع مئات الأطفال، بعد أن تجبرهن الحياة على التفريط فى فلذات أكبادهن، وهو ما يحدث بالفعل مع البعض، ممن غدرت بهن الدنيا ووضعتهن فى ظروف قاسية للغاية، جعلتهن يفرطن فى «أطفالهن الرضع».. مأساة حقيقية موجودة على أرض الواقع عاشتها «البوابة».. ترويها السطور التالية. فتيات الشوارع يتخذن من الرصيف أبا، والساحات أمهات فى شرعهن، إذ يبدأن يومهن فى الثالثة فجرا، يتجمعن حول مسجد السيدة زينب وكل واحدة تنتظر من يحسن إليها، وعندما تقترب الساعة من السابعة صباحا يتناولن وجبة الإفطار، وبعدها يذهب البعض إلى النوم داخل ساحات المسجد أو على الطرقات، والباقى يظل جالسا داخل صينية ميدان السيدة لمراقبه المارة واستعطافهم لنيل المزيد من الطعام والمال. هدى عبدالسلام، قالت ل«البوابة»: الظروف القاسية فرضت علينا هذا الوضع، لا عاقل واحد يحب أو يتمنى أن يجد نفسه بلا أهل، فنحن لا نعرف أبا ولا أما لنا، باختصار «الشارع أبويا والفقر أمي»، فماذا نفعل غير التسول واستعطاف خلق الله، وعندما ينتهك عرضنا فى قلب الشوارع وينتج عنه حمل، لا نجد ما نربى به أطفالنا بعد أن يفلت المغتصب بفعلته، لذلك نبيعه رضيعا لكى ينشأ فى بيئة غير تلك التى جعلت منا آفات فى نظر المجتمع، فهنا النساء تغتصب والرجال تسرق. سيدة مسنة تجلس على سلالم المسجد تتسول قطعت حديث «هدي» وأضافت: لدى 5 أولاد لم يسأل أحد منهم عنى بعد أن تقدم سني، عانيت سنوات وسنوات كى أربيهم، والآن أنتظر جنيها منك وآخر من شخص لا أعرف عنه شيئا أيضا، وعندما أذهب لابنتى يسبها زوجها.. أين الدولة، لم لا تنظر إلينا، قبل أن يحاربوا التسول عليهم أن يجدوا حلا لنا، أقلها معاش يرحمنا من الذل والتسول. أم حسين، هى الأخرى صاحبة معاناة طلبت أن ترويها فقالت: «عندى 7 أولاد، وليس لى دخل سوى التسول، وخصوصا بعد أن كبر أولادى وطردنى صاحب البيت وأصبحت فى الشارع أنتظر الصدقة، فالأيام نقضيها فى الحر والبرد، الكل ينظر إلينا وكأننا من عالم آخر». فاطمة أحمد، فتاة لا تتعدى 17 عاما، أضافت: «توفى والدى وأمي، ولا أعرف سوى الشارع، اغتصبت من قبل مسجل خطر عندما طلب الزواج مني، واستدرجنى وتعدى على أكثر من مرة، وهددنى بالقتل إذا رفضت المعاشرة، وبعد فعلته هذه دخل السجن، وهناك صديقات أخريات عندما يحملن تكون فرحة كبيرة، لأن المولود مصدر رزق، إذ يباع بمبالغ كبيرة». وتركنا فاطمة وقابلنا إيمان حمدى، والتى أوضحت: لدى ابن ذو احتياجات خاصة، وعندما طردنى زوجى تركت المنصورة وجئت إلى القاهرة أنا وأولادى وأقمنا فى الشارع بمنطقة السيدة زينب، ولا أملك قوت يومي، فكلنا فى هذه المنطقة نخاف على بعضنا البعض، لكن ما نتعرض له من مضايقات وانتهاكات سببه وجودنا فى الشارع». وأضافت فتاة أخرى تدعى رشا: تزوجت وخلفت ولد أسميته «رضا»، وتزوجت من آخر وأنجبت بنتا وبعتها لأسرة طيبة، ومن حين لآخر أزورهم لأطمأن على ابنتي، بعتها لتجد بيئة مناسبة للعيش وحتى لا تتكرر المأساة معها، فأنا أعيش فى الشارع، أنام فى الشارع وآكل فى الشارع، وأقضى حاجتى أيضا فى الشارع، حتى العيد لا نعرف له طعما، فليس عندى إلا جلباب واحد أغسله يوميا وأرتديه فى اليوم التالي. وأثناء حديثنا مع «رشا» توسل إلينا شاب ليحكى مأساته، إذ قال: ليس لى أهل هنا، وجاءنى شخص يدعى كريم صلاح، الشهير ب«كريم حوامدية»، وقال لي: «تعالى بيع «كليتك» وهتاخد 15 ألف جنيه، وبعد العملية رمانى فى الشارع، ومخدتش ولا مليم». أما حكاية شيماء، الشهيرة «بشقلطة»، حكتها لنا فتاة أخرى اسمها «حسنة» قالت: «دى أشهر بنت معروفة بالحمل، محبوسة فى قسم شرطة السيدة، وتضع كل 9 شهور تقريبا، ومحدش يعرف عيالها بتروح فين». وتابعت الفتاة: نسهر طول الليل وبنام فى النهار عشان ما نتعرضش للاغتصاب، ودخلنا مؤسسات لكن كانوا بيعذبونا فهربنا للشارع من جديد، لأنه أرحم علينا، والإعلامية ريهام سعيد جاءت هنا مؤخرا وكانت منتقبة، ولم تر مشاكلنا وهاجمتنا فى التليفزيون، وقالت إننا «حرامية»، فهى لم تعش مثلنا فكيف تحس بنا يا أستاذة ريهام، ولم يرميك أهلك فى الشوارع مثلنا، الناس تنظر إلينا باعتبارنا كلاب، فكل من يريد أن يمارس الجنس يأتى إلينا والبعض يوافق عشان تخلف طفل وتبيعه. وأضافت: «منها لله زوجة أخى لم تتحمل وجودى مع أخى بعد أن تركنى زوجى وحرمنى من أولادى وطردتنى زوجة أخى بعد ما طردنى زوج أمى وتركت الشرقية وجئت إلى القاهرة بمنطقه السيدة، وحاول الكثير اغتصابى فالمجتمع ينظر لبنات الشوارع نظرة غريبة.. نريد حل مشاكلنا نريد أن ينظر إلينا فاعلو الخير، ويوفروا لنا مسكنا يحمينا من انتهاك عرضنا». أما زينب فقالت لما طلبنا معرفة حكايتها: ليه هترجعوا شرفى اللى راح، ولا هتوفروا لنا مسكنا يأوينا من الاغتصاب، وتركتنا وذهبت، وقال أقرانها لقد باعت الدنيا وباعت ما تمتلك من أجل لقمة العيش». بينما قالت مروة محمود 25 عاما: «أنا فى الشارع من 3 سنوات، تزوجت عرفيا من شخص، وبعدها نصب على وتركنى أنا وطفلتي، فبعتها لناس أغنياء، وتزوجت من شخص آخر بعد ما فاض بي، كان تعدى على بعض الاشخاص يوميا، وقام أحدهم بتقطيع وجهى بمطواة». زينب سامي، 22 عاما، حكت لنا حكايتها قائلة: «أعيش فى الشارع بعد ما تزوجت أمى وطردنى زوجها، فجئت هنا منذ 5 سنوات، وأتعرض يوميا للاغتصاب ولم أذكرها أمام زوجى حتى لا يحدث مشاكل، وماتت ابنتى بعد أن أصيبت بالتهاب رئوي، فكل بنات الشوارع هنا تعامل معاملة الكلاب».