تعد القارة الأوروبية أكثر المستفيدين من اكتشاف شركة «إينى» الإيطالية أكبر حقل غاز طبيعى، فى المياه الإقليمية المصرية بمنطقة البحر المتوسط، وعلى الجانب الآخر بدا أن قطروإيران هم أكثر الخاسرين من الكشف المصرى الجديد، الذى يمتد على مساحة 100 كيلو متر مربع، ويحوى احتياطات تقدر بنحو 30 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى، وهو ما يعادل نحو 5.5 مليارات برميل من النفط. وذكر بيان للشركة الإيطالية أن اكتشاف «حقل شروق» الغازى، يعد أكبر كشف يتحقق فى مصر، وفى مياه البحر المتوسط، وقد يصبح من أكبر اكتشافات الغاز الطبيعى على مستوى العالم، وقال رئيس مجلس إدارة الشركة كلاوديو ديسكالزى: « الكشف التاريخى سيحول مصير الطاقة فى مصر»، مضيفًا: « تنمية الكشف الغازى ستستغرق حوالى 4 سنوات، ليسهم بشكل كبير فى تلبية احتياجات الاستهلاك المحلى لعدة عقود». ويعد الكشف إحدى ثمار «المؤتمر الاقتصادى»، الذى عقدته مصر فى شرم الشيخ، مارس الماضى، ووقعت خلاله «إينى» مذكرة تفاهم مع الحكومة المصرية، تتيح لها التنقيب فى سيناء وخليج السويس والبحر المتوسط ومناطق فى الدلتا. وبعد عمليات بحث وتنقيب والتأكد من وجود احتياطيات هائلة، وقعت الشركة اتفاقًا مع وزارة البترول قيمته مليارا دولار، فى يونيو الماضي. ومن المتوقع اكتشاف المزيد من آبار الغاز الضخمة فى سيناء والصحراء الغربية ومنطقة الدلتا، وفقًا للعقد والاتفاق. ومن المنتظر أن يعزز هذا الكشف مكانة مصر على الصعيد العالمى، خاصة مع أوروبا التى تستورد ما يقرب من 60٪ من احتياجتها من الغاز، وفقًا لصحيفة «فايننشال تايمز»، يأتى 40٪ منها من روسيا، وتصدره شركة «غاز بروم» عبر أوكرانيا، وأدت المشكلات السياسية فى شرق أوروبا بين روسياوأوكرانيا إلى انتفاضة الغرب ضد موسكو وفرض عقوبات اقتصادية عليها، مما دفع روسيا لوقف صادراتها. وتعتمد دولة مثل ألمانيا، أكبر اقتصاد فى أوروبا وقاطرة الصناعة والتنمية فى القارة، على 39٪ من إمدادات الطاقة من روسيا، بينما تستورد إيطاليا منها 30٪ من الغاز، وفرنسا 26٪. بينما تعتمد بريطانيا على 54٪ من احتياجاتها من الغاز من قطر، وهو مكلف جدًا فى التسييل والنقل، حيث يتم تسييل الغاز، أى تحويله إلى سائل أولًا، ثم ينقل بالسفن إلى محطات خاصة فى بريطانيا تقوم بتحويله من السائل إلى الغاز مرة أخرى قبل ضخه فى السوق. وفى ظل هذه الحالات فإن مصر ستكون الخيار المفضل لأوروبا لشراء الغاز والحصول عليه بسهولة وسرعة وبأقل تكلفة ممكنة، وبعيدًا أيضًا عن الخلافات السياسية والجيوسياسية المعقدة. وتتفوق مصر على إسرائيل وجميع منافسيها فى العالم بأنها تمتلك بصورة أساسية منشآت تسييل الغاز التى تعمل بتقنيات متطورة فى دمياط، ويمكنها أن تحل المشكلات التى كانت تواجه إسرائيل أمام تصدير الغاز لأوروبا والعالم. ومن المرجح أن تحقق مصر النجاح الأكبر خاصة أنها تمتلك أحد أهم منشآت تسييل الغاز الطبيعى فى المنطقة، فى مدينة إدكو محافظة دمياط، والتى يمكنها تحويل الغاز المصرى إلى غاز مسال، ليتم تصديره بسهولة إلى جميع أنحاء العالم، وكانت إسرائيل تحاول السيطرة على تلك المنشأة واستخدامها لتسييل الغاز الخاص بها، وهو ما رفضته مصر تمامًا. وقال نوسرت كوميرت، أحد أكبر خبراء إنتاج الغاز فى العالم، لموقع «جلوبس» الإسرائيلى، إن إسرائيل أصبح موقفها حرجًا للغاية الآن، حيث إنها لا تمتلك البنية التحتية اللازمة لإنتاج الغاز، ويجب أن تتجه لمصر من أجل تسييل الغاز فى دمياط، مما سيضاعف تكلفة الغاز الإسرائيلى بالنسبة للمشترين الأوروبيين. وأصبح بإمكان دول أوروبا الآن استيراد الغاز مباشرة من مصر فى صورته الغازية عبر أنابيب نقل الغاز، ويمكن للدول البعيدة الحصول على الغاز المسال بسهولة من منشآت الغاز المصرية، وهو ما سيجعل التكلفة أقل بكثير من استيراده من إسرائيل. وكشفت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية أن إسبانيا واحدة من أكثر الدول التى كانت تحاول الحصول على الغاز الإسرائيلى عبر مصر، لكن الآن الموقف قد يتغير لأن الغاز المصرى سيحل الأزمة لإسبانيا. فيما أشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى أن الاكتشاف المصرى سيهز خطط إيران أيضًا، والتى أعربت فى وقت سابق عن استعدادها لملء الفراغ فى مجال الطاقة بالمنطقة، وأن تصبح موردًا للغاز فى الأردن، كما سيؤثر أيضًا على قطر، التى تعد أكبر مصدر للغاز المسال فى العالم، وتمتلك ثُلث احتياطيات العالم، ومن المتوقع أن تسحب مصر البساط من تحت قدمها خاصة أنها تصدر غالبية إنتاجها إلى أوروبا، وهو ما سيجعل مصر منافسًا قويًا لها فى المستقبل. أما روسيا فستتأثر بصورة كبيرة بهذا الكشف، خاصة أنها تصدر 90٪ من صادراتها من الغاز عبر أنابيب تملكها شركة «غازبروم» إلى أوروبا، مع وجود مشكلات سياسية بين أوروبا وروسيا وتوقف خط الأنابيب الذى يمر بأوكرانيا، بسبب الصراع السياسى الذى نشب بين البلدين مؤخرًا. وحققت روسيا عام 2012 حوالى 60 مليار دولار من صادرات الغاز لأوروبا، لكن تلك العائدات تراجعت الآن وبشدة بعد الأزمة السياسية، وتفاقمت مشكلات روسيا خاصة مع تراجع أسعار الطاقة والنفط. وفرضت أوروبا والولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على موسكو وأوقفت استيراد الغاز منها، لكنها فى حاجة ملحة إلى بديل عاجل خاصة قبل حلول فصل الشتاء القارس، وهو ما سيدفعها لتعزيز واردتها من مصادر أخرى وستكون مصر البديل السريع والعملي.