عندما اعتقلت الشرطة الكينية ستة رجال في مخيم داداب المترامي الأطراف قرب الحدود الصومالية في ابريل نيسان الماضي كان هدفها القضاء على عمليات تهريب السكر المستمرة منذ عشرات السنين والتي يستغلها متشددون صوماليون في تمويل حربهم على كينيا. وكانت تلك الاعتقالات - التي جاءت بعد أسابيع من هجوم قتل فيه أربعة مسلحين من حركة الشباب الصومالية 148 شخصا في جامعة جاريسا القريبة من المخيم - جزءا من استراتيجية نيروبي الجديدة لتجفيف منابع تمويل الاسلاميين الذين يعبرون الحدود ويشنون غارات ألحقت ضررا شديدا بكينيا وصناعة السياحة فيها. ورغم أن حصيلة تهريب السكر قد لا تتجاوز بضعة ملايين دولارات يقول خبراء إن مثل هذه المبالغ كافية لشن هذه الهجمات التي لا تحتاج سوى بضع بنادق هجومية ووسيلة نقل وبعض المخلصين المستعدين للموت مثلما حدث في الهجوم على جامعة جاريسا والهجوم على مركز وستجيت التجاري في نيروبي الذي أسفر عن مصرع 67 شخصا عام 2013. وقال مصدر أمني كيني رفيع من منطقة جاريسا "كأن الحكومة بدأت تفيق". وأضاف أن السلطات كثيرا ما كانت تغض الطرف في السابق عن كل هذه الأمور لأن كثيرين كانوا يستفيدون لكن على حساب الأمن. لكن مصادر أمنية ودبلوماسية تقول إنه لابد من بذل المزيد لتحقيق نتيجة يستمر مفعولها. ومن ذلك القضاء على الفساد في صفوف رجال الشرطة واستهداف زعماء عصابات التهريب إضافة إلى من تم اعتقالهم من الوسطاء. وربما يثبت أن التحرك لمعالجة تجارة التهريب عبر الحدود يعادل في أهميته شن هجوم عسكري على حركة الشباب داخل الصومال من جانب قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الافريقي وكذلك الجنود الصوماليين الذين فرقوا مسلحي الشباب إلى جماعات أصغر تحتل جيوبا بعينها من أراضي الصومال. وقال راشد عبدي الخبير الصومالي المقيم في نيروبي "ما لم يتم قطع مصادر الايرادات لحركة الشباب فلن نشهد نهاية لعدم الاستقرار في جنوبالصومال والمنطقة". وقد اتخذت حكومة الرئيس أوهورو كينياتا خطوات لوقف تهريب السكر من ميناء كيسمايو في جنوبالصومال إلى الحدود الكينية وقالت مصادر أمنية إن وحدة خاصة أنشئت في جهاز المخابرات الوطنية للقضاء على عصابات التهريب. * وثيقة "سرية" بعد أيام من وقوع هجوم جاريسا نشرت كينيا قائمة تضم 85 من الكيانات والأفراد ممن تربطهم صلات بحركة الشباب. ولم توضح تلك القائمة الصلات لكن وثيقة حكومية تحمل صفة "سرية" اطلعت عليها رويترز ذكرت تفاصيل عن دور 30 شخصا ممن وردت أسماؤهم فيها في التهريب. ووردت أسماء المعتقلين الستة في مخيم داداب يوم 18 ابريل نيسان في القائمتين. وتقول الوثيقة "السرية" التي وضعتها الحكومة في 25 ابريل نيسان إن أقطاب تهريب السكر "يدفعون إتاوات غير قانونية لحركة الشباب التي تستخدم هذا المال في تمويل أنشطة وعمليات إرهابية." وتهريب السكر نشاط مربح في كينيا حيث تحمي القوانين الصناعة المحلية في مواجهة الواردات وذلك في إطار اتفاق بين الشركاء التجاريين الأفارقة لكينيا. ولذلك فإن السكر يباع بسعر مبالغ فيه في كينيا مقارنة بالأسواق العالمية. ويسلم الدبلوماسيون بما تحقق من تقدم في محاربة المهربين لكنهم يخشون ألا تواصل السلطات حملتها. وقال دبلوماسي غربي "عصابات السكر هذه على صلة (بالسلطات) ولذلك فالسؤال ماذا سيحدث بعد ذلك." ومما يزيد الشكوك أن الاعتقالات لم تشمل سوى تجار وسطاء بينما لم يرد ذكر لاسم أي من زعماء العصابات. وشرح مهربان من أصل صومالي في مخيم داداب - الأول يدعى حسين ويعمل تاجرا والثاني اسمه فرح ويعمل وسيطا - لرويترز كيف يتم التهريب ويدفع المال لرجال من حركة الشباب. انضم الرجلان إلى طوفان اللاجئين الذين عبروا الحدود إلى كينيا بعد تفجر الصراع في الصومال عام 1991، واتفقا على أن يلتقيا في منطقة منعزلة بفندق داداب بشرط استخدام الاسم الأول فقط لكل منهما. وحسب روايتهما التي أكدتها مصادر كينية وأمنية اقليمية تصل البضائع المهربة إلى ميناء كيسمايون حيث يتم تحميل شاحنات مملوكة لكينيين بالسكر البرازيلي المستورد من الشرق الأوسط والمعبأ في جوالات كل منها زنة 50 كيلوجرامًا. * فساد ومن هناك تنطلق الشاحنات عبر أراض تسيطر عليها حركة الشباب إلى الحدود الكينية. ويدفع السائقون 1025 دولارًا عن كل شاحنة في كل نقطة من نقطتي تفتيش تابعتين لحركة الشباب للسماح بمرورها. وقال حسين "أحيانا ينقل الشباب نقطة التفتيش. لكنك تحصل على بطاقة منهم حتى يمكنك ابرازها إذا قابلتهم مرة أخرى". وعند الوصول إلى الحدود الكينية المغلقة رسميا أمام البضائع والركاب تدفع كل شاحنة 60 ألف شلن (600 دولار) للشرطة الكينية من أجل العبور. وتأخذ السلطات الصومالية مبلغا آخر. وسلم البرت كيماثي نائب مفوض الشرطة في المقاطعة بأن بعض رجال الشرطة متورطون لكنه قال إن هذا الأمر يعالج من خلال خطوات مثل نقل ضباط الشرطة إذا أمضوا ثلاث سنوات في موقع واحد. أما العاملون في مواقع التهريب "الساخنة" فمن الممكن نقلهم بعد ستة أشهر. وقال "هذه هي الطريقة الوحيدة حتى لا نرسخ مشكلة الفساد. فإذا طالت مدة بقاء واحد (في موقع) فإنه يصبح معروفا للسكان المحليين ويصبح جزءا من النشاط". وقال حسين وفرح إن نحو 35 شاحنة تحمل سكرا وأرزا وسلعا أخرى مهربة كانت تصل كل أسبوع إلى داداب حيث يعيش نحو 350 ألف لاجيء صومالي وذلك إلى أن بدأت حملة السلطات في أبريل. وقال الاثنان إن آخرين يقومون بتفريغ شحنات في جاريسا وواجر إلى الشمال لكنهما لا يعرفان العدد على وجه اليقين. وتوضح حسابات رويترز بناء على النشاط الجاري في داداب وحده أن ما تحصل عليه حركة الشباب من كل شاحنة يدر عليها نحو 1.9 مليون دولار سنويًا. وقال ضابط كبير من الشرطة في داداب إن المهربين الكينيين "ينظرون إلى ما يحققونه من مال ولا يفكرون في المال الذي يعطونه للشباب والضرر الذي سيحدثونه". وفي داداب كان للاعتقالات التي تمت في 18 ابريل نيسان أثرها الفوري لفترة وجيزة على الأقل وذلك من خلال رفع أسعار السكر إذ أن المتاجر بدأت تعرض السكر الأغلى ثمنا الوارد من نيروبي. وقال سياسي محلي من داداب طلب أيضا عدم نشر اسمه "الخوف أنه إذا تم العثور على سكر معك فستصبح مرتبطًا بحركة الشباب، ولا أحد يريد ذلك".