من حق كينيا أن تحمى سيادتها ومواطنيها من هجمات الإرهابيين،لكن يجب ألاّ يتم ذلك بطرد نحو نصف مليون لاجيء صومالى من أراضيها خلال فترة قصيرة معرضةً حياتهم للخطر بالمخالفة لالتزاماتها الدولية بحماية اللاجئين بما فيها عدم إعادتهم بالقوة إلى بلدهم الذى عانى من حرب أهلية طويلة ولم تستقر فيه الأوضاع بعد. فقد طالب وليام روتو نائب الرئيس الكينى الأممالمتحدة بإغلاق مخيم داداب فى شمال شرق البلاد وإعادة اللاجئين الصوماليين الذين يتراوح عددهم بين 335 ألفاً و500 ألف خلال ثلاثة شهور وإلاً ستنقلهم حكومته بنفسها.قال ذلك بعد عشرة أيام من هجوم حركة الشباب الصومالية الإرهابى على جامعة جاريسّا الذى قُتل وأُصيب فيه 272 طالباً ورجل أمن.وردّت وكالة غوث اللاجئين بتذكير كينيا بالتزاماتها الدولية. ويبدو أن فشل أجهزة الأمن الكينية فى منع هجمات حركة الشباب التى ناهزت المائة داخل كينيا منذ توغل قواتها المسلحة فى جنوبالصومال عام 2011 من أسباب تكرارها وليس للاجئين المساكين دور فيها رغم إعلان السلطات أن عناصر مسلحة من حركة الشباب التى هدّدتت بحرب طويلة مرعبة وحمّام دم جديد يختبئون داخل المخيم.كما أنّ العجز فى عدد أفراد الأمن وافتقارهم إلى التدريب المناسب وتفشى الفساد وإساءة معاملة الصوماليين والكينيين من أصل صومالى عوامل أخرى مكّنت الحركة من اختراق الحواجز وشن هجمات جريئة دموية أحرجت الحكومة،أبرزها اقتحام مجمع متاجر وستجيت فى العاصمة نيروبى وقتل 58 من رواده قبل نحو عامين من مجزرة جاريسّا. وبناءً على تجربة عشتها بنفسى مع الزميل المصوّر أحمد عبد الرازق خلال مهمة صحفية عام 2004 فى مخيم اللاجئين المعروف باسم كاكوما فى شمال كينيا قرب الحدود مع جنوب السودان أستطيع القول إنّ اللاجئين سواء كانوا جنوب سودانيين فى كاكوما أو صوماليين فى داداب يعيشون ظروفاً غير إنسانية وتنقصهم أبسط احتياجاتهم اليومية من غذاء وماء وأمان،وبالتالى فهم مهمومون بمتاعبهم وليس باستطاعة أحدهم أن يقتنى سلاحاً أو يخطط لهجوم أو حتى يخرج من المخيم إلاّ بتصريح من الأمن وإلاّ فقد حياته دون أية مسئولية على أحد.فالمخيّم كان وقتها يؤوى نحو 100 ألف لاجيء مكدّسين فى خيام تتعرض لهجمات العصابات المسلحة تحت جُنح الظلام بهدف اغتصاب النساء أو الانتقام من الرجال أو سرقة متاعهم القليل لأنهم متأكدون من أن أحداً لا يحرسهم.كما أن كميات الغذاء التى يتسلمونها أقل بكثير من المُثبتة فى الدفاتر ومن يعترض يلق ما لا يرضيه.سلّمونى وقتها شكوى مُوقّعة من بعضهم لأنقلها إلى المسئولين،وهو ما فعلته بتسليمها إلى مكتب وكالة غوث اللاجئين بالقاهرة،لأن أحداً لا يستمع لشكاواهم على حد قولهم.وبلغ البغى على هؤلاء المساكين حد معاقبة المرأة التى لا تستجيب للإغواء بإنقاص حصتها من الغذاء وربما الهجوم على خيمتها ليلاً واقتيادها إلى الأحراش المجاورة لاغتصابها،فإن قاومت قُتلت!. ما حدث فى كاكوما لا بُدّ أنه يحدث فى داداب الأكثر ازدحاماً وبؤساً.فهذا المخيم الذى أُنشيء عام 1991 مع بداية الحرب الأهلية الصومالية لإيواء الفارّين بحياتهم منها مُحاط أيضاً بحراسة مشدّدة ومحظور الخروج منه إلاّ للضرورة القصوى وبتصريح أمنى صعب المنال.وليس من المنطقى أن يكون فيه أحد يملك ثمن شراء سلاح،وعلى فرض وجوده فمن أين سيشتريه إلاّ من تاجر أو مهرّب كينى وكيف سيتمكن من الخروج به إلاّ إذا غضّ الطرف عنه حارس مرتشٍ؟. أما الأسباب الحقيقية للهجمات الإرهابية التى يجب أن تُركّز عليها السلطات الكينية فمن بينها إخفاق جهاز المخابرات فى رصد وتتبُّع تحركات عناصر حركة الشباب وقلة عدد أفراد الأمن وافتقارهم إلى التدريب المناسب بالإضافة إلى معاناة وسخط الأغلبية من الفقر والبطالة والتهميش وإساءة معاملة قوات الأمن للصوماليين والكينيين من أصل صومالى الذين يشكلون 5%من سكان الدولة حيث تتم الاعتقالات بشكل عشوائى ويتعرض المعتقلون للتعذيب والقتل أحياناً واغتصاب النساء أمام أعين رجالهن.حدث ذلك عام 1980 عندما لقى نحو 3000 مصرعهم فى حملة على أبناء العرقية الصومالية وفى عام 1998 انتقاماً لاغتيال أربعة مسئولين حكوميين فى إحدى حانات جاريسّا،وفى عام 2013 عندما تم اعتقال 600 شخص من بينهم قادة محليون منتخبون فى المدينة نفسها مما أثار المزيد من السخط والرغبة فى الانتقام وأدى إلى تعاطف البعض مع حركة الشباب وأصبحوا لها بمثابة خلايا نائمة. وإذا لم تتحرك الأممالمتحدة وتتدخل دول مؤثرة مثل الولاياتالمتحدة بسرعة لدى الحكومة الكينية لمنع إعادتهم إلى الصومال إلاً وفقاً لخطة توفّر لهم الأمان والحد الأدنى من مقومات المعيشة فمن المرجح حدوث كارثة.فنقلهم بالقوة سيدفعهم للمقاومة التى ستقابلها قوات الأمن الكينية بالعنف فيفقد العشرات حياتهم.كما يجب ألاّ يتغافل المسئولون فى نيروبى أن إيواءهم اللاجئين فتح لهم باب المساعدات الدولية وتم توظيف مئات الكينيين بأجور باهظة فى إدارة وتشغيل المخيمين ويذهب جزء كبير من المساعدات بشكل مشروع وغير مشروع لأبناء القبائل المحيطة بهم لاسترضائهم. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى