فترة المراهقة من أكثر المراحل حساسية فيها تبدأ مشاعر جديدة قد تبدو للمراهقين مربكة أحيانًا وملهمة فى أحيان أخرى. و«الحب تحت العشرين» واقع يعيشه العديد من الشباب فى هذه المرحلة العمرية الحرجة فى ظل التغيرات العاطفية والنفسية. و الحب وقتها يكون موضوعًا شائكًا، يثير تساؤلات حول كيفية تقييم عمق هذه العلاقات. هل هى علاقات جادة؟ أم تجارب مؤقتة لتشكيل الهوية؟ كيف ينظر المجتمع لهذه العلاقات؟ ولماذا تختلف نظرة الآباء والأمهات عن نظرة أبنائهم تجاه هذه التجارب؟ هذا التحقيق سيحاول الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال آراء المتخصصين وشباب خاضوا تجربة الحب فى سن المراهقة. الحب تحت العشرين تجربة يعيشها كثير من الشباب بشغف واندفاع، لكنه غالبًا ما يواجه تحديات كبيرة عند الاصطدام بالواقع، بين غياب النضج العاطفى، والضغوط الاقتصادية، وتغير الأولويات، يجد الكثيرون أنفسهم أمام أسئلة صعبة: هل هذا الحب يمكن أن يستمر؟، أم أنه مجرد مرحلة عابرة فى طريق النضج؟ هل هذه التجربة لها علاقة بارتفاع حالات الطلاق بين الشباب؟ الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن معدلات الطلاق فى مصر شهدت ارتفاعًا بلغت 269.834 حالة طلاق فى العام 2023، مقارنة ب254,777 حالة فى العام السابق، بزيادة قدرها 5.9%. وتظهر البيانات أن الشباب هم الفئة الأكثر عرضة للطلاق، حيث تسجل الفئة العمرية من 25 إلى أقل من 30 عامًا أعلى نسب انفصال فى السنوات الأولى للزواج. خلف هذه الأرقام تكمن قصة أكبر، وهى أن كثيرًا من هذه الحالات تعود لعلاقات بدأت فى سن مبكرة، حيث يقع الشباب فى الحب تحت العشرين ويقررون الزواج قبل أن يدركوا التحديات الحقيقية للحياة الزوجية التقينا بعدد من الشباب الذين خاضوا تجارب عاطفية فى سن المراهقة حيث شارك أحمد (17 عامًا) تجربته فيقول: «تعرفت على فتاة فى مدرستى، وبدأت بمشاعر لم أكن أعرفها من قبل كنت أظن أننى قادر على التعامل مع الموضوع بسهولة، لكننى فوجئت بتأثير هذه العلاقة على حياتى الدراسية والشخصية». أما سارة (16 عامًا)، فتروى قصتها بقولها: «بالنسبة لى، كانت علاقة بريئة، كنا نتبادل الأفكار والأحلام، ولم أكن أرى فى ذلك شيئًا خاطئًا. لكن حين علم والديّ بالأمر، كانت ردة فعلهما سلبية، وحاولا إقناعى بالتركيز على دراستى فقط شعرت بالإحباط، وبدأت أتساءل لماذا يتعامل الأهل مع الحب فى هذه السن وكأنه جريمة». وقال يوسف (18 عامًا) أن تجربته كانت إيجابية، وأضاف: «علاقتى العاطفية جعلتنى أكثر نضجًا وأفكر فى المستقبل بجدية أكبر، صحيح أننى واجهت بعض الصعوبات فى التوازن بين مشاعرى ودراستى، لكنى استفدت من هذه التجربة بشكل كبير». أما نور عصام 27 سنة، فتحكى عن قصتها التى بدأت فى سن الخامسة عشرة، عندما وقعت فى حب ابن خالتها، كان الجميع يراها مشاعر مراهقة ستنتهى بمرور الوقت، لكنها استمرت رغم كل الضغوط والتحديات.
وتقول: «اتخطبت فى الجامعة، وبعد ما تخرجنا اتجوزنا، ودلوقتى عندنا طفلين»، تقول نور بابتسامة أن الحب فى سن صغيرة يمكن أن يكون ناضجا إذا كان قائمًا على التفاهم والصداقة، وليس مجرد مشاعر وقتية. على الجانب الآخر، يرى خالد عبدالله، 25 سنة، أن الحب تحت العشرين مجرد مشاعر اندفاعية لا تصمد أمام الواقع. ويحكى عن تجربته فى المرحلة الثانوية، وكيف عاش قصة حب قوية مع زميلته، معتقدا أنها ستستمر للأبد قال: كنت بحلم بالجواز منها، لكن لما دخلنا الجامعة، كل واحد فينا اتغير، واكتشفنا إننا مش مناسبين لبعض». بالنسبة لخالد حب المراهقة تجربة جميلة لكنها غالبا ما تكون غير ناضجة، وأغلب العلاقات التى تبدأ فى هذه السن تنتهى بمجرد أن يتغير الطرفان مع مرور الوقت. صراع مع الأهل التقينا بعدد من الأهل ممن مروا بتجربة اكتشاف علاقات أبنائهم العاطفية تحت العشرين وقال السيد محمود، أب لثلاثة أبناء تتراوح أعمارهم بين 14 و18 عامًا: «أؤمن بأن الحب جزء من حياة الإنسان، ومرحلة طبيعية، لكن ليس فى سن المراهقة». يضيف: حين علمت بعلاقة ابنى بفتاة، لم أكن مرتاحًا. شعرت أنه قد يؤثر على دراسته ويأخذ من تركيزه، حاولت الحديث معه دون اللجوء للعنف، ولكن بصراحة، كنت ضد الفكرة تمامًا». أما منال أحمد، أم لفتاة فى ال16، فتتبنى وجهة نظر مختلفة تقول: «اكتشفت أن ابنتى تحب شابًا من مدرستها، فى البداية شعرت بالقلق الشديد، لكن بعد التفكير، قررت أن أكون قريبة منها بدلًا من رفض الموضوع، جلست معها وطلبت منها أن تتحدث لى عن مشاعرها، وأخبرتها بأهمية التوازن بين دراستها وحياتها الشخصية، شعرت بأنها تحتاج من يسمعها ويوجهها، بدلًا من أن يُرفض موضوع الحب بشكل قاطع». مشاعر المراهقة فى كثير من الأحيان تكون مشاعر غير مقبولة على الإطلاق، وكثير من الأهل يواجهون هذه المسألة بصرامة كبيرة، بينما فى مجتمعات أخرى يُنظر إلى الحب تحت العشرين كجزء من نمو الشباب، لكن فى المجتمع المصرى، يُفضل الكثير من الأهل الابتعاد عن فكرة السماح للعلاقات العاطفية فى سن مبكرة. تقول السيدة مروة من إحدى القرى: «لا نتقبل فكرة الحب فى سن صغيرة، ونرى أن الشباب والبنات فى هذه الفترة العمرية يجب أن يركزوا على دراستهم، العلاقات العاطفية قد تجلب لنا مشاكل اجتماعية، لأن المجتمع لا يتقبلها هنا، عندما علمت بأن ابنتى البالغة من العمر 15 عامًا قد انجذبت لأحد أصدقائها، حاولت توجيهها بلطف إلى خطأ هذا التصرف فى مجتمعنا». بنات مختلفة تقول نجوى علوى، مستشارة أسرية: «التحديات تختلف حسب المناطق والمجتمعات، فى المدن الكبيرة، يجد الأهل أنفسهم مضطرين للتعامل مع حب الشباب بشكل أكثر وعيًا، وذلك لأن تأثير الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى يجعل الموضوع حتميًّا. ينصح بعض الآباء بمراقبة أبنائهم بهدوء بدلًا من المواجهة المباشرة حتى لا يزيد تمردهم».
تختلف نظرة المجتمع تجاه الحب تحت العشرين، ففى حين ينظر البعض إلى هذه العلاقات على أنها مرفوضة وغير ناضجة، يرى آخرون أنها تجربة طبيعية تعكس حاجة الشباب للتعبير عن مشاعرهم وتكوين شخصياتهم، والمجتمع الشرقى يميل إلى رفض العلاقات العاطفية فى سن المراهقة، نظرًا للمخاوف المتعلقة بالأخلاق والقيم، مؤكدةً أن «هذه النظرة قد تزيد من تمرد الشباب أحيانًا، وتجعلهم يبحثون عن الحب بالخفاء». والصراع بين الشباب وأهلهم حول العلاقات العاطفية قد يؤدى أحيانًا إلى ضغوط نفسية على الطرفين. فالأبناء يشعرون بالتقييد وعدم التفاهم، بينما يخشى الأهل من تعرض أبنائهم لمشاكل مستقبلية، والتعامل القاسى مع علاقات الحب فى سن المراهقة قد يترك آثارًا سلبية على الشباب، ويزيد من ميولهم للتمرد يمكن أن يشعر المراهق بأنه غير مفهوم، ما قد يدفعه للابتعاد عن أهله والشعور بالوحدة. تقول د.شيرين سامى، أستاذة علم النفس الاجتماعى فى جامعة عين شمس، أن الحب فى سن المراهقة جزء من بناء الشخصية العاطفية، ولكنه يحتاج إلى إشراف ودعم من الأهل والمجتمع. تضيف: «يُخطئ الكثيرون فى التقليل من أهمية الحب فى سن المراهقة. فى الحقيقة، هو جزء أساسى من تشكيل الهوية العاطفية، ولكنه يحتاج إلى إشراف ودعم. بعض النظريات تقول إن الحب فى سن المراهقة غالبًا ما يكون ناتجًا عن مشاعر إعجاب قوية ورغبة فى الاستكشاف أكثر من كونه علاقة ناضجة. فى هذه المرحلة، يتأثر المراهقون بالعديد من التغيرات الهرمونية والجسدية التى تجعلهم يمرون بتجارب شعورية معقدة، مما قد يدفعهم للاعتقاد أنهم وقعوا فى الحب، بينما فى الواقع قد تكون هذه المشاعر مجرد انجذاب عابر أو رغبة فى الارتباط العاطفى. لذلك الحب فى هذه السن قد يتسم أحيانًا بالهوس أو التعلق المفرط، حيث يندفع بعض المراهقين نحو فكرة الارتباط بشكل عميق، معتقدين أن هذه المشاعر حقيقية والفتيات قد يكنّ أكثر عرضة لهذا التعلق العاطفى بسبب التغييرات النفسية والبيولوجية التى تصاحب فترة المراهقة. لكن هذا لا ينفى أن المشاعر فى سن المراهقة ضرورية لتشكيل الهوية العاطفية. فهذه المشاعر تساهم فى تطوير الوعى الذاتى وفهم العلاقات الاجتماعية لدى المراهقين. ومع ذلك، يشير المتخصصون إلى أن الحب فى هذه المرحلة بحاجة ماسة إلى إشراف وتوجيه سليم من الأهل والمجتمع، لأن التوجيه الصحيح يساعد على فهم هذه المشاعر بشكل أفضل ويقيهم من الوقوع فى علاقة غير صحية قد تؤثر فى تطورهم العاطفى والنفسى. وإذا تم توفير بيئة آمنة وداعمة، فإن هذه العلاقات يمكن أن تسهم فى تنمية شخصية متوازنة وعاطفية للمراهقين، بعيدًا عن الأضرار التى قد تنتج عن التسرع أو الفهم غير الصحيح للغرام والعلاقات العاطفية.