قال الشيخ محمد عوض منصور الأزهري، إمام وخطيب بأوقاف بورسعيد، في خطبة الجمعة بمسجد السلام ببورسعيد: "إن العقلاء من الناس دائما ما يبحثون عن التقدم والترقي في كل شئونهم الدنيوية فمن باحث عن تطوير لذاته في تخصصه ومن باحث عن ترقية وظيفية ومن باحث عن وسيلة؛ لتحسين دخله وهذا حسنٌ لكن الأحسن منه أن نترقى في معرفتنا بالله، فلا يليق بنا أبدا أن تكون معارفنا عن الصوم هي نفس المعارف التي صمنا بها في العام الماضي هي نفس المعارف التي صمنا بها لأول مرة في حياتنا صغارًا. وتابع الأزهري: إن العبادات في أصلها شرعت لمقاصد عظمى ولغايات كبرى منها تزكية النفوس وتهذيب القلوب والوصول إلى علام الغيوب، وإن الصيام باب كل العبادات، والصيام لا مثل له كما أخبر النبي، والصيام نسبه الحق إليه كما أخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم، الصيام إنما يعني الترك والامتناع والترفع هذا من حيث اللغة ولكن عن ماذا وهنا يفترق الناس حسب أفهامهم فمنهم من يمتنع عن الطعام والشراب وشهوة النكاح حسًا لكن يطلق جوارحه في كل الآثام، ومنهم من يصوم كل جوارحه الثمانية السمع والبصر واللسان والقلب واليد والرجل والفرج والبطن عن كل ما لا يرضي الله سبحانه، وثمة فريق أعظم وأعظم إنهم يصومون بكليتهم عن رؤية ومشاهدة غير الله وهم كذلك دائما في رمضان وفي غيره لا ينشغلون عن الله بغيره، وفي هذا يقول قائلهم: صيامي هو الإمساكُ عن رؤية السوى.. وفطري أني نحو وجهك راكع. واختتم قائلا: أعظم ما ينبغي أن يخرج الناس به من صيامهم أن يستصحبوا عزيمتهم وإرادتهم التي قهروا بها شهواتهم لترك المباحات بالأصل لأن يتركوا ما هو حرام بالأصل على الدوام وهم قادرون إن استعانوا بالله على ذلك، ولا يجدر بالمسلمين اليوم أن يجعلوا شهر الصيام شهرا للنهم من الطعام والزيادة فيه فإن هذا يضيع الفائدة المرجوة والمقصد الأصلي، كما لا يليق بهم أن يجعلوا شهر العبادات الذي جعل الله الجنة مفتحة فيه والنار مغلقة فيه والشياطين مغلولة مصفدة فيه حصريا لثلاثين يومًا موسمًا لقضائه على عكس مراد الله أمام الشاشات والجلوس في الطرقات والكافيهات لتضييع أنفس الأوقات، كما لا يليق بهم أن تتضاعف فساد أخلاقهم ويبررون ذلك بالصيام فالصيام براء لأنه صفة الحق لكنه الجوع والعطش المعرى عن الروحانية الحقة. ولله در من قال: "أنت في دار شتات فتأهب لشتاتك.. واجعل الدنيا كيوم صمته عن شهواتك.. وليكن فطرك عند الله في يوم وفاتك، وما أحسن قول الشاعر: "وقد صمت عن لذات دهري كلها.. ويوم لقاكم ذاك فطر صيامي".