رسالة ماجستير فى كينيا تناقش مفهوم الخطايا عند المسلمين والمسيحيين.. بعض الخطايا لا نتغاضى عن الاعتراف بها.. ويحب على الجميع مواجهتها    محافظة الجيزة تعلن طرح 1700 مدفن جاهز.. اعرف شروط الحجز والمستندات المطلوبة    الجزائر تستنكر العدوان الإسرئيلي على إيران    ترامب: إيران تتواصل مع الولايات المتحدة بعد الضربات الإسرائيلية    كأس العالم للاندية.. كل ما تريد معرفته عن المجموعة الخامسة    حقيقة تقرير أيمن الرمادي عن المستبعدين في الزمالك    برشلونة ينهى صفقة انتقال خوان جارسيا    تفاصيل مران الأهلي.. وفاة نجم المصري.. كابوس يقلق فيفا.. الزمالك يفاوض نجم الأردن| نشرة الرياضة ½ اليوم    10 إجراءات لتأمين امتحانات الثانوية العامة 2025 في المنوفية    طلاب ب«آثار القاهرة» يطورون أول تطبيق مصري لعرض الآثار المصرية    كبير مفتشي «الطاقة الذرية» سابقا: إسرائيل استهدفت 100 موقع بإيران وقتلت علماء نوويين    عرض «نوباتيا» و«أطفال المتاريس» مجانًا على مسرح قصر ثقافة قنا    كأس العالم للأندية.. ميسي يقود تدريبات إنتر ميامي قبل مواجهة الأهلي    مانشستر سيتي يخفض أسعار تذاكر مبارياته في الموسم الجديد    غدا، نظر دعوى تكليف أطباء الأسنان وتعيينهم بعد التخرج    سعر الخضروات والفاكهة مساء اليوم 13 يونيو 2025    "نيويورك تايمز" تنقل عن مصدر إيراني: مقتل إسماعيل قاآني قائد "فيلق القدس"    عاجل.. سماع دوي عدة انفجارات ضخمة غربي طهران    الأحد بالمجان.. قصور الثقافة تطلق عروض التجارب النوعية المسرحية في الغربية    هل زيارة المريض واجبة أم مستحبة؟.. عالم أزهرى يجيب "فيديو"    دفعة جديدة من أطباء الجامعات تصل العريش.. عمليات وكشف مجاني ضمن بروتوكول التعاون الطبي    علامات إذا ظهرت على طفلك يجب الانتباه لها    حالة الطقس في محافظة الفيوم غدا السبت 13-6-2025    لؤي ومصطفى شوقي وأوركسترا سليم سحاب يحيون احتفالية ذكرى 30 يونيو على مسرح البالون    ميناء الإسكندرية يستقبل أولى رحلات "WAN HAI" وسفينة "MAERSK HONG KONG" في إنجاز مزدوج    يوفنتوس يجدد عقد مدربه إيجور تيودور حتى 2027    رسميًا.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية 2025 للعاملين بالدولة    للوقاية من ضربات الشمس..توزيع أكثر من 5 آلاف مظلة على الحجاج بالمدينة    وزيرة التخطيط تبحث مع سفير بريطانيا تنويع آليات التمويل للقطاع الخاص    بعد استهداف "نطنز" الإيرانية.. بيان عاجل لهيئة الرقابة النووية المصرية    الأسبوع الأكثر حرارة| تفاصيل طقس الأيام المقبلة وتحذيرات حتى الخميس 19 يونيو    دموع على الكوشة انتهت بتعهد.. النيابة تُخلي سبيل والدي عروسين الشرقية    فيديو يحبس الأنفاس.. هجوم مسلح بسيارات وكلاب شرسة على موقع مقاولات بالقاهرة    أستاذ بالأزهر يعلق على قانون الفتوى الجديد: أمر خطير ومسؤولية عظيمة    خطيب المسجد النبوي: الرحمة صفة تختص بالله يرحم بها البر والفاجر والمؤمن والكافر    رصاص على المقهى.. تفاصيل مقتل شاب أمام المارة في القليوبية    مطار شرم الشيخ يستقبل رحلات محوّلة من الأردن بعد إغلاق مجالات جوية مجاورة    100% لثلاثة طلاب.. ننشر أسماء أوائل الإعدادية الأزهرية في أسيوط    القاصد يهنئ محافظة المنوفية بعيدها القومي    خاص| سلوى محمد علي: انفصال بشرى فاجأني وأنهت العلاقة بشياكة    مدير بايرن يثير الشكوك حول مستقبل كومان بعد كأس العالم للأندية    إزالة 8 حالات تعدي على الأراضي الزراعية بالشرقية    الطيران المدني: المجال الجوي آمن.. ورفع درجة الاستعداد القصوى    إصابة 5 أشخاص في حادث انقلاب سيارة بوسط سيناء    خطباء المساجد بشمال سيناء يدعون للوقوف صفا واحدا خلف القيادة السياسية    تجهيز 24 استراحة للمشاركين في امتحانات الثانوية العامة ب كفرالشيخ    إنفوجراف| إسرائيل تدمر «عقول إيران» النووية.. من هم؟    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 137 مخالفة لمحلات لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    ضبط صاحب مخبز بالمحلة الكبرى استولى على 16 جوال دقيق مدعم وباعها بالسوق السوداء    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر    بعثة حج الجمعيات الأهلية تنظم زيارات الروضة الشريفة    كوكا: ميسي يكلم الكرة.. ولا أحب اللعب في هذا المركز    الدولار الأمريكي يرتفع متأثرا بالضربة الإسرائيلية على إيران    سعر الفراخ بالأسواق اليوم الجمعة 13-6-2025 فى المنوفية.. الفراخ البيضاء 87 جنيه    رئيس الوزراء: نتابع الموقف أولا بأول وتنسيق بين البنك المركزي والمالية لزيادة مخزون السلع    نتيناهو: نحن في لحظة حاسمة في تاريخ إسرائيل وبدأنا عملية «شعب كالأسد» لإحباط المشروع النووي الإيراني    مع إعلانها الحرب على إيران.. إسرائيل تُغلق مجالها الجوي بالكامل    تعامل بحذر وحكمة فهناك حدود جديدة.. حظ برج الدلو اليوم 13 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهون الصيام ترك الشراب والطعام
نشر في الفجر يوم 01 - 08 - 2013

يا رمضان، يا شفاء مرضى النفوس والأجساد، فكم من عليل داويته، وكم من سقيم شفيته، وكم من فقير أغنيته، فهنيئاً لنا ولأمة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بك، يا أحب الضيوف إلى قلوبنا، ويا من فاض علينا فيك عطاؤك وجودك.

إن استقبالنا لرمضان يجب أن يكون أولاً بالحمد والشكر لله - جل وعلا -، والفرح والاغتباط بهذا الموسم العظيم، والتوبة والإنابة من جميع الذنوب والمعاصي، وأي عبدٍ لله لم يلم بشيء منها؟.

كما يجب الخروج من المظالم وأداء الحقوق إلى أصحابها، والعمل على الاستفادة من أيامه ولياليه صلاحاً وإصلاحاً.

أهل الصيام:

لقد جهل أقوام حقيقة الصيام حينما قصروه على الإمساك عن الطعام والشراب، فترى بعضهم لا يمنعه صومه من إطلاق اللسان من الوقوع في الغيبة والنميمة والكذب والبهتان، ويطلقون للآذان والأعين العنان لتقع في الذنوب والعصيان، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) (1).

إن الذين يستقبلون رمضان على أنه شهر جوع ونوم وحرمان نهاري، وشبع وسهر ليلي، وأعمال وأقوال لا تجاوز اللسان، ولا يعمر بها جنان أولئك لن يستفيدوا من معطياته، ولن ينهلوا من خيراته.

وأما الذين يستقبلونه على أنه مدرسة للتزود من الإيمان، ومحطة لتهذيب الأخلاق والسلوك، وتقوية للضمائر والأرواح، وانطلاقة جادة لحياة أفضل ومستقبل أكمل، هؤلاء هم المستثمرون له حقاً، فقد أغذوا السير، وأعدوا العدة، لتروّح نسماته والنهل من خيراته وبركاته، هؤلاء هم الخليقون بالرحمات، الحقيقون بالخيرات، الجديرون بالعطايا والهبات، والمبشرون بروح الجنات، هؤلاء - بإذن الله تعالى- هم المعول عليهم - بعد توفيق الله جل شأنه- في صلاح الأوضاع، واستنزال النصر وجلب العزة، وكسب الجولات في إسعاد المجتمعات ومواجهة التحديات.

إذا لم يكن في السمع مني تصاونٌ *** وفي بصري غضٌّ وفي منطقي صَمتُ

فحظي إذاً من صوميَ الجوع والظما *** فإن قلتُ إني صمت يومي فما صُمت

القائد المكبل:

قال - تعالى -: (وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [البقرة: 118]، فهذه الآية تخبرنا عَنْ التّشابه الَّذِي كَانَ بَيْنَ القرون السالفة - مَعَ تغير البيئات والصّور والحضارات الَّتِي كَانَتْ - وبَيْنَ الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - والرّسل مِن قبله، وَمَا كَانَ هَذَا التّرابط إِلاَّ لأن قائد المسيرة واحد لَمْ يتغيّر مَعَ كلّ التّغيّرات، إنّه إبليس القائل - كَمَا بيّنه الله - عز وجل -: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف: 16-17]، فهذا شعاره الَّذِي رفعه، وَهُوَ معنا بالليل والنّهار طوال العام إِلاَّ فِي هَذَا الشهر الكريم، حيث ينفك عَنْ محبوبته: "النَّفْس الأمارة بالسوء" ليذهب إِلَى سجنه تاركها تواجه المصير وحدها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إِذَا كَانَ أوّل ليلة من شهر رمضان صفّدت الشّياطين ومردة الجنّ)) (2)، فتضعف تلك النَّفْس لأنّ قائدها مكبّل ومحبوس.

وَهِيَ كذلك بَيْنَ يدي شخص مقبل عَلَى عبادة الصوم، التي تهبه من الإمكانات مَا يزيد من ضعفها ويقتل الشر فِيهَا، من قلّة الطّعام والشّراب، والابتعاد عَنْ الشّهوات، ليخرج جانب الخير الَّذِي حاولت هِيَ وإبليس خلال السنة دفنه وطمسه، بل والقضاء عَلَيهِ لتمزيق الرّاية الرّبّانيّة، ومسخ الجوارح وجعلها عابدة لشهواتها.

فِي شهر رمضان تختلف الأمور، فالقائد مسجون، والنّفس تعبة من ضعف مقوّماتها، والمسلم سيّد الموقف فِي الكرّ والفرّ، فعليه أَنْ يكون ذَلِكَ القائد المحنّك ليقضي عَلَى شرّ نفسه ويلبسها ثوب الخير، قال - تعالى -: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) [الشمس: 7-10]، ويفجّر طاقات الخير فِي نفسه ويفلح، فيخرج شيطانه من سجنه ليزور حليفة الأمس فيجدها قَدْ أصبحت عدوّاً مستعدّاً لحربه، وبذلك يكون الانتصار، والله المستعان.

صوم الجوارح:

ينبغي على القلب أن يصوم في رمضان، عن اعتقاد العصيان، وإضمار العدوان، وإسرار الطغيان، وتصوم العين عن النظر الحرام، فتغض خوفاً من الملك العلام، فلا يقع بصرها على الآثام، وتصوم الأذن عن الخنا، واستماع الغنا، فتنصت للذكر الحكيم، والكلام الكريم، ويصوم اللسان عن الفحشاء، والكلمة الشنعاء، والجمل الفظيعة، والمفردات الخليعة، امتثالاً للشريعة، وتصوم اليد عن أذية العباد، ومزاولة الفساد، والظلم والعناد، والإفساد في البلاد، وتصوم الرِجل عن المشي إلى المحرّم، فلا تسير إلى إثم ولا تتقدّم.

بين الأبرار والفجار:

الصيام الصحيح هو الذي تظهر على المسلم آثاره، ويحفظه في كل حالاته، ويتذكره في كل الأوقات، ولا يخدشه بشيء من المنقصات، فإذا فعل المسلم ذلك، ترتب عليه مغفرة الذنوب، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه..)) (3).

فلا شك أن هذا العمل الذي هو "الصيام" لما كانت هذه آثاره، كان محبباً للنفوس الزكية، النفوس التقية، النفوس الصحيحة النقية، التي تسعد بهذا الصيام وتزكو وترتقي.

وأما النفوس المتطرفة الغاوية فإنها تتثاقل هذا الصوم، وتتمنى انقطاعه، وانتهاء أيامه، لذلك ترى فرقاً كبيراً بين المؤمن وغيره في رمضان، المؤمن حقاً هو الذي يتمنى بقاء هذا الشهر، وأن تطول أيامه، فانظر وفرّق.

بل هناك قوم من السلف الصالح، ومن أولياء الله وأصفيائه سنتهم كلها رمضان، حتى قال بعضهم:

وقد صمت عن لذات دهري كلها *** ويوم لقاكم ذاك فطر صيامي

فكان بعضهم يصوم، ويكثر من الصوم، ولا يفطر إلا مع المساكين، وإذا منعه أهله أن يفطر مع المساكين لم يتعش تلك الليلة، وكان بعضهم يطعم أصحابه أنواع الأطعمة، ويقف يروحهم وهو صائم.

فهؤلاء هم الذين يتمنون أن يطول وقت الصوم، وما يزيدهم رمضان إلا اجتهاداً في الطاعة والعبادة، ونشاطاً عما كانوا عليه في رجب، وفي شعبان، بل وفي سائر السنة، فأعمالهم كلها متقاربة.

أما من لم تصل حقيقة هذا الصوم إلى نفوسهم، ولم تتأثر به قلوبهم، ولم يتربوا التربية السليمة، فإنهم يستثقلونه، ويتمنون انقضاءه في أسرع وقت، وأن تنتهي أيامه، ويفرحون بكل يوم يقطعونه منه.

فكثير ما نسمع من بعض ضعفاء النفوس أنه يتمنى أن يذهب رمضان، وإذا ما هلّ هلال شوال فرحوا واستبشروا، كأنهم ألقوا عنهم ثقلاً!.

ومعلوم أنهم قد فارقوا مواسم الخير.. فارقوا الأوقات الشريفة.. فارقوا هذه الأيام الغر، وهذه الليالي الزُّهر التي تفتح فيها أبواب الجنان وتغلق فيها أبواب النيران، وتصفد فيها الشياطين ومردة الجان، وهي التي بشر الله فيها عباده بالخيرات والمسرات، وما علم هؤلاء الفارغون اللاهون أنَّهم يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير.

السلف ورمضان:

ولهذا كان السلف - رحمهم الله - يهتمون اهتماماً كبيراً في قبول صيامهم؛ فقد اشتهر عنهم أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر - قبله- أن يبلغهم شهر رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر بعده - أن يقبله منهم.

إنهم كانوا يحرصون على العمل فيعملونه، فإذا ما عملوه وأتموه، وقع عليهم الهمّ، هل قبل منهم أو لم يقبل منهم؟.

ورأى بعضهم قوماً يضحكون في يوم عيد، فقال: إن كان هؤلاء من المقبولين، فما هذا فعل الشاكرين، وإن كانوا من المردودين، فما هذا فعل الخائفين.

أما آن الأوان:

أما آن للعصاة أن ينغمسوا في نهر الصيام، ليطهروا تلك الأجسام من الآثام، ويغسلوا ما علق بالقلوب من الحرام، أما آن للمعرضين أن يدخلوا من باب الصائمين على رب العالمين، ليجدوا الرضوان في مقام أمين.

إن رمضان فرصة العمر السانحة، وموسم البضاعة الرابحة، والكفة الراجحة، يوم تعظم الحسنات، وتكفّر السيئات، وتُمحي الخطيئات.

إن ثياب العصيان آن لها أن تُخلع في رمضان، ليلبس الله العبد ثياب الرضوان، وليجود عليه بتوبة تمحو ما كان من الذنب والبهتان.


(1) رواه البخاري عن أبي هريرة - كتاب الصوم باب: "من لم يدع قول الزور" 3/33، والترمذي وابن ماجة (صحيح) حديث 6539 في صحيح الجامع (2) رواه الترمذي وغيره عن أبي هريرة (حسن) حديث 759 في صحيح الجامع (3)، أخرجه البخاري برقم 38 في الإيمان، باب: "صوم رمضان احتساباً من الإيمان".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.