الصيام لا يكون بالامتناع عن شهوتى البطن والفرج فقط، ولكن هناك أمورا أخرى يجب أن يصوم عنها المسلم، وهذه الأمور يستمر تحريمها ليس في نهار رمضان وليله بل وفى كل الاوقات، وإن فعلها المسلم فى أثناء صيامه فسدت عليه الصيام، مثل الغيبة والنميمة والكذب، وأكد العلماء أن تلك الأمور تفسد الصيام وتنقص من أجره، مشددين على ضرورة أن تصوم جوارح المسلم عن المعاصى والآثام حتى يأخذ الأجر كاملا. ويقول الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم عميد كلية أصول الدين والدعوة بأسيوط، إن صيام رمضان عبادة من أجل العبادات التى تعمل على تزكية النفس وإحياء الضمير وتقوية الإيمان وإعداد الصائم ليكون من المتقين، كما قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، ومن ثم فإن الصائم الحق لا يصوم فقط عن شهوتى البطن والفرج الذى يعبر عنه المحققون من أهل العلم بأنه صوم العوام. صوم الخواص وأضاف: إنما يصوم صوم الخواص وهم المقربون من الله تعالى وهو صيام الجوارح عن المعاصى والآثام، قال أبو حامد الغزالى - رحمه الله -: صوم الصالحين هو كف الجوارح عن الآثام وتمامه بستة أمور: أولا: غض البصر من المحرمات، ثانيا: حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة، ثالثاً: كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه أو حرام، رابعاً: كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل وكف البطن عن الشبهات، خامساً: ألا يستكثر من الطعام وقت الإفطار بحيث يمتلئ جوفه، سادساً: أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقاً مضطرباً بين الخوف والرجاء إذ لا يدرى هل يقبل صومه فهو من المقربين أو يرد عليه فهو من الممقوتين؟ ومن ثم جاء قول النبى صلى الله عليه وسلم «الصيام جنة، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه ، فليقل : إنى صائم، إنى صائم »، مشيرا الى ان النبى صلى الله عليه وسلم حذر الصائمين من فعل المعاصي، فعن أبى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر». قول الزور ويوضح الدكتور رمضان عبدالعزيز عطا الله رئيس قسم التفسير بكلية أصول الدين بالمنوفية، معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه)، قائلا: قول الزور يراد به الكذب والميل عن الحق والعمل بالباطل والتهمة والعمل به» أى بمقتضاه مما نهى الله تعالى عنه (فليس لله حاجة)، أى أن الله تعالى لا يلتفت إلى صيامه ولا يقبله، ونحن هنا أمام قولين لأهل العلم، الأول: ذهب بعضهم إلى أن المعاصى تفطر الصائم فمن ارتكب بلسانه حراماً كالغيبة والنميمة والكذب بطل صومه، واستدلوا على ذلك بقول إبراهيم النخعى أنه قال: كانوا يقولون الكذب يفطر الصائم، وهو مذهب الإمام الأوزاعى وأيده ابن حزم من الظاهرية، وهو رأى فيه نوع من التشدد وفيه ضعف، أما القول الثاني، فهو قول جمهور العلماء حيث رأوا أن تلك المعاصى لا تبطل الصوم ولكنها تذهب بأجره وتضيع ثوابه وهذا هو القول الصحيح. واشار الى ان المؤمن الحق لا يستهين بهذه الخسارة لأن الغاية من كل أعمالنا هى رضا الله تعالى وحصول الثواب بدخول الجنة، ولا يستهين بذلك إلا رجل أحمق يصوم ويتعب نفسه بجوع وعطش ويحرم نفسه من الشهوات ثم يخرج فى نهاية اليوم وليس له رصيد من الحسنات لأنه ضيعها بفعل المعاصي. وقد روى أبوعبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن امرأتين صامتا، وأن رجلاً قال: يا رسول الله؛ إن ههنا امرأتين قد صامتا، وإنهما قد كادتا أن تموتا من العطش، فذكر الحديث، ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم: (إن هاتين صامتا عمّا أحلّ الله لهما، وأفطرتا على ما حرَّم الله عليهما، جلست إحداهما إلى الأخرى، فجعلتا تأكلان من لحوم الناس) رواه أبو داود وأحمد، جاء فى الحديث كذلك: (ليس الصيام من الطعام والشراب، إنما الصيام من اللغو والرفث). الأجر الناقص وأوضح الدكتور رمضان عبد العزيز أن صوم الجوارح فيه وقاية وصيانة للصوم من الفساد أو نقص الأجر، فإن حدث من الصائم ترك لحفظ السمع أو النظر عمّا نُهى عنه شرعاً، أو تحدث بكلام بذيء أو فاحش، فإن ذلك ينقص من أجر صيامه عند أكثر الفقهاء، وإن لم يفسده بما يوجب قضاءه، وفى ذلك يقول جابر بن عبدالله رضى الله عنه-: (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء)